ما لا تعرفه عن الأدوية "البديلة" وأضرارها

time reading iconدقائق القراءة - 11
ما لا تعرفه عن الأدوية \"المكافئة\" وضررها عليك - المصدر: بلومبرغ
ما لا تعرفه عن الأدوية "المكافئة" وضررها عليك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

اعتمد "بيتر" (Peter) الموظف الحكومي، البالغ من العمر 35 عامًا، طيلة 9 أعوام على حبة دواء تجمع ما بين اللونين الأزرق والأبيض يتناولها قبل أن يخلد إلى النوم للتحكم في قلقه، هذا الدواء يدعى "سيمبالتا" (Cymbalta) تنتجه شركة "إيلي ليلي أند كو" (Eli Lilly & Co)، إلا أن بيتر تحول فيما بعد إلى شراء دواء مكافئ له طرح في السوق سعيًا منه لتوفير المال.

لم يعط الدواء المكافئ المفعول ذاته، فعادت أعراض القلق القديمة مجددًا تصحبها أعراض جديدة هي: "سرعة الغضب، فضلًا عن الشعور وكأن هناك بطانية ملفوفة حول دماغي طوال الوقت"، لكن "بيتر"، الذي طلب عدم ذكر اسم عائلته حفاظًا على سريّة حالته، لم يخطر بباله أن يُلقي اللوم على الدواء الذي افترض أنّه مشابه للدواء الذي كان يأخذه سابقًا، إلا أن طبيبه سبق ورأى ردود فعل مشابهة وطلب منه العودة إلى "سيمبالتا" من جديد.

قال "بيتر"بعد أن عاد إلى الدواء الأصلي: "شعرت بتحسن كبير"، من الواضح أن الدواء المكافئ كان هو السبب.

يدرك الأمريكيون بدءًا من الرئيس "دونالد ترامب" (Donald Trump) أنّهم يدفعون مبالغ طائلة على شراء الأدوية، إذ كان الأخير قد قال إن شركات الأدوية "تُفلت بفعلتها"، مُقدّمًا وعودًا باتخاذ الإجراءات اللازمة، ولكن أيًّا كان الحل الذي يتوصل إليه، ستلعب فيه الأدوية المكافئة على الأرجح دورًا أكبر، حيث وفرت على الأمريكيين 230 مليار دولار على مر ثلاثة عقود. وفي حين يعتبر معظم الناس هذه الأدوية فعّالة وكأنها مطابقة للأدوية الأصلية ذات العلامة التجارية، فإنها لا تكون كذلك في معظم الحالات.

يقول "جيريمي جرين" (Jeremy Greene) أستاذ تاريخ الطب في جامعة "جونز هوبكينز" (Johns Hopkins) في مدينة بالتيمور: "لدى المواطن الأمريكي العادي افتراضات حول الأدوية المكافئة والأدوية ذات العلامة التجارية تتداعى أمام التدقيق التاريخي".

التقطير

يمكن تفسير الفجوة بين أداء الأدوية الأصلية والمكافئة لها من خلال سببين، أولهما أن تركيب الأدوية، ولا سيما المستخدم منها في علاج حالات مرضية مثل القلق والاكتئاب أصبح أكثر تعقيدًا، فلا يجب على شركات الأدوية تقليد مزيج المكونات الفعّالة فحسب، بل وآلية تحررها أيضًا التي تتحكم بطريقة امتصاص الجسم لهذه المكونات، عبر تأخير دخولها إلى النظام أو تقطيره شيئًا فشيئًا كي لا يحتاج المريض أكثر من حبة واحدة في اليوم على سبيل المثال.

تُدعى هذه التكنولوجيا بالتحرر المديد وتحميها براءة اختراع منفصلة بحيث لا يمكن في الغالب لمنتجي الأدوية المكافئة استخدمها، ما يعني أن عليهم صنعها بطريقتهم التي قد لا تعطي المفعول ذاته.

تدرس "إدارة الغذاء والدواء الأمريكية" (FDA) من جانبها، سبلاً أفضل لتقييم المخاطر الناجمة عن الفروقات بين هذه الأدوية في وقت تبين فيه أن ثلث الأدوية الأكثر استخدامًا في الولايات المتحدة والبالغ عددها 200 دواء تعتمد على آليات التحرر هذه.

شكوك في جودة الأدوية الأمريكية التي يتم اختبارها في الصين والهند

أما السبب الثاني فيعود إلى أنه يتم إنتاج كمية متزايدة من الأدوية التي تباع في الولايات المتحدة، وتختبر أيضًا في دول مثل الصين والهند نظرًا لانخفاض تكاليف الإنتاج في هذه البلدان، وقد وجدت "إدارة الغذاء والدواء الأمريكية" حالات شكّت فيها بوجود تلاعب في بيانات اختبار الجودة، إلّا أن الجهود التي تبذلها تكاد لا تعادل قطرة في المحيط نظرًا للصعوبة التي تواجهها في تنظيم الصناعات المحلية الشاسعة في ظل نقص موظفي مكاتبها.

وتنطوي قضية دواء "سيمبالتا" والأدوية المكافئة له على هاتين المشكلتين؛ مطابقة آليات التحرر وإنتاج الأسواق الناشئة، وهما مشكلتان كانت قد عانت منهما شركتان تنتجان أنواعًا مكافئة لهذا الدواء في الماضي.

وتلقت إدارة الغذاء والدواء عام 2014، وهو أول عام تُطرح فيه أدوية مكافئة لدواء "سيمبالتا" في الأسواق، 262 شكوى من مرضى تحوّلوا إلى هذا الدواء أو من أطبائهم، وذلك وفقًا لنسخة مما يسمّى تقارير الآثار الجانبية حصلت عليها بلومبرغ من خلال قانون حرية المعلومات، علمًا بأن هذا العدد من الشكاوى يعادل 5 أضعاف الشكاوى المسجلة في الولايات المتحدة عام 2013 ضد فعالية الدواء الأصلي الذي تنتجه شركة "ليلي" (Lilly).

الشكاوى المقدمة إلى إدارة الغذاء والدواء: "سيمبالتا" والأدوية المكافئة له تجاوز عدد الشكاوى التي قدمها المرضى وأطباؤهم ضد الأدوية المكافئة 5 أضعاف الشكاوى المقدمة ضد الدواء الأصلي.

تقول "ليبي إنجلاندر" (Libbe Englander) المديرة التنفيذية لشركة "فارم3ر" (Pharm3r) المختصة بتحليل البيانات الطبية، بعد مراجعتها بيانات دواء "سيمبالتا" والأدوية المكافئة له: "من الواضح للغاية أن هناك زيادة مستمرة في الشكاوى".

شركتان هندية وإسرائيلية تتصدران الشكاوى من انخفاض جودة الأدوية البديلة

وكانت أكثر شركة منتجة للأدوية المكافئة قُدّمت بحقها الشكاوى هي "لوبين إل تي دي" (Lupin Ltd)، التي تتخذ من الهند مقرًا لها بواقع 61 شكوى، كما قدم 47 مريضًا آخرين شكاوى ضد الصنف المكافئ الذي تنتجه شركة "تيفا للصناعات الدوائية" (Teva Pharmaceutical Industries Ltd) في إسرائيل، حيث أن الشركتين صرحتا بعدم وجود أي مشكلة في الأدوية التي تنتجها، وهو رأي توافقهم فيه "إدارة الغذاء والدواء".

وتقول "إليزابيث دي لوكا" (Elizabeth DeLuca) المتحدثة باسم شركة "تيفا"، في رسالة إلكترونية: "أؤكد أمان وفعالية الأدوية التي ننتجها إذا ما استُخدمت وفقًا للوصفة". أمّا شركة "لوبين" فتقول إنها التزمت بالاختبارات التي تفرضها "إدارة الغذاء والدواء"، وإن دوائها المكافئ "يطابق جميع المواصفات حرصًا على فعالية منتجنا وأمانه".

فيما تؤكد "ساندي والش" (Sandy Walsh) المتحدثة باسم "إدارة الغذاء والدواء" أن الإدارة تعتقد أن جميع الأدوية المكافئة لدواء "سيمبالتا" تماثل الدواء الأصلي الذي تنتجه "ليلي" في أمانه وفعاليته.

وترد "والش" على أحد الأسئلة التي طُرحت عليها عبر البريد الإلكتروني بأن الأدوية المكافئة الجديدة، ولا سيما التي تستخدم منها في علاج الاكتئاب عادة ما تستقطب شكاوى كثيرة من المرضى خلال أول سنة من تاريخ الموافقة عليها.

وتصدّرت الشركتان المذكورتان سابقًا لائحة الشكاوى المقدمة ضد الأدوية المكافئة لدواء "سيمبالتا" عامي 2015 و2016، حيث سُجّلت بحقهما 115 من أصل 281 شكوى قدمها مرضى تحوّلوا من الدواء الأصلي أو بدؤوا باستخدام الدواء المكافئ ليجدوا أنه غير فعال، وإن كانت بعض الشكاوى لا تذكر الشركة بالاسم نظرًا لعدم معرفة المرضى دائمًا الجهة المنتجة للأدوية التي يتناولونها. فلم يعلم بيتر على سبيل المثال اسم الشركة المنتجة للدواء المكافئ لـ "سيمبالتا" الذي كان يتناوله، في حين أنه تناول الدواء المكافئ الذي تنتجه "لوبين" منذ أكتوبر 2015.

ويذكر أن الوكالة المنظمة لشؤون الأدوية في الاتحاد الأوروبي أوصت الدول الأعضاء عام 2016 بحظر الدواء المكافئ لدواء "سيمبالتا" الذي تنتجه شركة "لوبين".

شكوك مثارة

أثار السؤال المتعلق بآلية امتصاص مكونات الأدوية المكافئة قلق الوكالة الأوروبية، ويسمّى الاختبار الذي يمكن من خلاله التأكد مما إذا كانت آليات الامتصاص التي تعمل بها الأدوية المكافئة تماثل تلك التي تعمل بها الأدوية الأصلية باختبار التكافؤ الحيوي، وقد أوكلت "لوبين" مهمة إجراء هذه الاختبارات على دوائها المكافئ لدواء "سيمبالتا" الذي تبيعه في أوروبا إلى "مركز أبحاث سيملر" (Semler Research Centre) في الهند.

إلا أن "وكالة الأدوية الأوروبية" (European Medicines Agency) قالت إن عمليات التفتيش "أثارت شكوكًا حول نظام إدارة الجودة الذي يستخدمه سيملر، وبالتالي حول موثوقية جميع بيانات اختبارات التكافؤ الحيوي".

تعذر الوصول إلى "سيملر" للحصول على تصريح حول هذه الشكوك، إلا أن "لوبين" قالت إنها استعانت بمركز أبحاث آخر لإجراء هذه الاختبارات على الدواء المكافئ لدواء "سيمبالتا" الذي تبيعه في الولايات المتحدة بحيث "أثبت المنتج أنّه مكافئ حيوي للدواء الأصلي" وفقًا لمكتبها الصحفي.

أعربت "إدارة الغذاء والدواء" الأمريكية سابقًا، حالها حال نظيرتها الأوروبية، عن قلقها إزاء منتجي الأدوية ومراكز البحث في الصين والهند اللتين تنتجان 80 بالمئة من مكونات الأدوية التي تباع في الولايات المتحدة، علمًا أن إدارة الغذاء والدواء تُجري عمليات التفتيش في الدولتين بنفسها، وأحيانًا بالتعاون مع رديفها الأوروبي.

وتبحث الوكالة في سبل تكثيف هذه العمليات، إلا أن نقص الموظفين يقف عائقًا أمامها في ذلك، إذ توجد العديد من الوظائف الشاغرة في مكاتب الوكالة في مدينتي نيو دلهي وبكين.

حول ذلك، ذكر تقرير من "مكتب المساءلة الحكومية" (Government Accountability Office) أنّ طاقم عمل الوكالة في الصين في يوليو 2016 ضم 11 محققًا من أصل 18 مقعدًا مخصصًا لمكاتب الصين.

أما في الهند، فكان الوضع أسوأ، فقد كان هناك 3 محققين فقط من أصل 13، إذ أن مراقبة مئات منتجي الأدوية المحليين مهمة مضنية حتى في ظل اكتمال عدد موظفي هذه المكاتب.

التاريخ يعيد نفسه

لا يزال المكان الذي تصنع فيه "تيفا" دواءها المكافئ لدواء "سيمبالتا" غير واضح، إلا أن الشركة ليست ملزمة بالإفصاح عن هذه المعلومة الخاصة علمًا أن لها مصانع في الهند والصين إلى جانب عدد من الدول الأخرى.

يذكر أن "تيفا" كانت قد تورطت خلال العقد الماضي في قضايا مشابهة لقضية "سيمبالتا"، فقد كانت إحدى شركتين صُرّح لهما ببيع أدوية مكافئة لدواء "ويلبوترين" (Wellbutrin) الذي تنتجه شركة "جلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline)، وهو دواء مضاد للاكتئاب يعمل بآلية التحرر المديد.

وفي عام 2007، كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد تلقت خلال الأشهر الستة الأولى من طرحه في الأسواق 85 شكوى تتعلق بمشاكل ناجمة عن التحول إلى الأدوية المكافئة. وقررت الوكالة حينها إجراء دراسة خلصت فيها إلى فشل الدواء المكافئ عيار 300 ملجم الذي تنتجه "تيفا" في تحرير المكون الفعال في مجرى الدم بمعدل التحرر ذاته للدواء الأصلي، وعليه، سحبت "تيفا" دواءها من السوق عام 2012.

ليس مهمًّا أن تملك الأدوية المكافئة آلية التحرر ذاتها، فبإمكانها أن تحقق أثرًا مشابهًا للدواء الأصلي شرط أن تملك المادة الفعالة ذاتها والشكل الصيدلاني ذاته ودواعي الاستعمال ذاتها، بالإضافة إلى تكافؤ حيوي متماثل، وفقًا لما قالته "دينيس برادلي" (Denise Bradley) المتحدثة باسم "تيفا".

وقام "جو جرايدون" (Joe Graedon) الذي يدير منصة إلكترونية تختص بشؤون الصيدلة تدعى (The People’s Pharmacy) بتحذير إدارة الغذاء والدواء من مشاكل تتعلق بالدواء المكافئ لدواء "ويلبوترين"، قائلًا في سياق تعليقه على قضية دواء سيمبالتا "إن التاريخ يعيد نفسه".

وأضاف: "لدينا تقارير تذكر أعراضًا مشابهة جدًّا للأعراض التي عانى منها الناس عندما تحوّلوا إلى الدواء المكافئ، فقد عادت إليهم مشاعر الاكتئاب، وازداد بكاؤهم".

كما اختبر الناس أعراض الجرعة الزائدة من المكون الفعّال نظرًا لعدم عمل آليات التحرر بالشكل الصحيح. وختم قائلًا: "لقد عانوا من الأرق والصداع والآلام معوية، فقد كانوا يتناولون كمية كبيرة من الدواء خلال وقت قصير، ولا يتناولون كمية تكفيهم لليوم كله".



تصنيفات