بلومبرغ
تتهم روسيا الغرب بتشويه إنجازها في السباق العالمي لمواجهة كوفيد-19، إذ تتعارض محاولاتها للفوز بالأسواق الرئيسية لبيع لقاح "سبوتنيك في" (Sputnik V) مع مطالب الجهات التنظيمية.
وقال كيريل ديميترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، الذي يدعم تطوير "سبوتنيك في"، ويتفاوض على طرحه بالأسواق الدولية في مقابلة: "نحن نتفهم اللعبة .. إنَّها مزيج من بعض سوء الفهم، وبعض التحيز القوي، وفي الواقع، بعض الجهود القوية للغاية لتقويض اللقاح الروسي".
رياح معاكسة
وعلى غرار تصرُّف الصين المجاورة، التي تكافح من أجل طمأنة الدول التي تختبر لقاحاتها، فإنَّ سعي روسيا لتحويل ما تسميه انتصاراً علمياً إلى مكاسب جيوسياسية قد تواجه رياحاً معاكسة غير متوقَّعة.
ودافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اللقاح في مكالمات هاتفية مع زعماء العالم الآخرين منذ انطلاق الترويج لموافقة روسيا على "سبوتنيك في" خلال أغسطس كأول لقاح لمواجهة كوفيد-19 في العالم. لكنَّ العديد من الجهات التنظيمية في البلدان لم تكن على استعداد لمنح موافقة سريعة على استخدام "سبوتنيك في"، حتى مع ترحيبهم باللقاحات الأمريكية والأوروبية التي أكملت أولاً تجارب شاملة.
من حرب الفضاء إلى اللقاحات
يحمل التنافس، لكسب موطئ قدم في الأسواق الدولية لبيع لقاح كورونا، أصداء سباق الفضاء إبان فترة الحرب الباردة الذي دشنه الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1957 لإطلاق أول قمر صناعي في العالم "سبوتنيك"، الذي يحمل اسم اللقاح الروسي حالياً.
وفي حين كانت موسكو أوَّل من وصل إلى الفضاء، تجاوزتها واشنطن التي أرسلت رائد فضاء، وهبط على القمر بعد 12 عاماً.
ويُلقي المسؤولون الروس باللوم في الصعوبات التي يواجهها "سبوتنيك في" على التحيز. ووصفت وزارة الخارجية الروسية مؤخَّراً سباق اللقاح بأنَّه أحدث مرحلة في "حرب" التضليل طويلة الأمد ضد روسيا.
ويقول المنظِّمون الذين طالبوا بمزيد من البيانات، إنَّهم يحاولون فقط ضمان أن يكون "سبوتنيك في" جيداً كما يقول داعموه، علماً أنَّ روسيا وافقت عليه قبل أسابيع من بدء دراسات المرحلة الثالثة لإظهار سلامته وفعاليته .
واتسم الإقبال على اللقاح الروسي بالبطء. ولم يشتره أحد حتى 21 ديسمبر عندما أصبحت بيلاروسا المجاورة أوَّل دولة خارج روسيا توافق على استخدام "سبوتنيك في"، وتبعتها الأرجنتين بعد ذلك بيومين، التي بدأت التطعيم يوم الثلاثاء الماضي وسط توقُّعات أن يتلقى حوالي 300 ألف شخص اللقاح الروسي في البداية. وبدأت بيلاروس برنامجها في اليوم نفسه.
بوتين يفاجئ الأرجنتين
ولكن من المستبعد أن توافق الهند، والبرازيل، والأسواق الرئيسية الأخرى على قبول اللقاح الروسي قبل 2021 ، بعد إجراء المزيد من التجارب.
وقال جون مور، باحث في شؤون اللقاحات في "وايل كورنيل ميديكال كوليدج" في نيويورك (Weill Cornell Medical College ) : "تستخدم روسيا برنامج اللقاح الخاص بها من أجل تفعيل دبلوماسية القوة الناعمة.. إنَّه سباق دولي، النزعة القومية على المحك. لكن كل هذا يتوقف على أن تكون اللقاحات فعالة وآمنة ".
وحصل اللقاح الروسي على دعم في وقت سابق في ديسمبر، عندما وافقت "أسترازينيكا (AstraZeneca PLC )على اختبار مزيج من التطعيم بإحدى الجرعتين، إحداهما "سبوتنيك في".
وشارك بوتين في مؤتمر عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، معلناً عن توقيع الصفقة مباشرة عبر التلفزيون الروسي. ومع ذلك، قال بوتين البالغ من العمر 68 عاماً، إنَّه في 17 ديسمبر كان ينتظر الحصول على اللقاح حتى يتمَّ إعداده للأشخاص في سنة.
وأثارت تصريحات بوتين حيرة المسؤولين في الأرجنتين، الذين خططوا لبدء حملة التطعيم باللقاح الروسي على كبار السن.
وأشار المتحدث باسم بوتين هذا الأسبوع إلى أنَّ الرئيس مستعدٌّ الآن لتلقي التطعيم باللقاح بعد أن وسَّعت الأبحاث النطاق العمري للاستخدام الآمن لـ"سبوتنيك في".
منافسة غير عادلة
ويقول منتقدون، إنَّ قرار روسيا بالموافقة على اللقاح بهذه السرعة، قبل أن ينشر مطوروه البيانات العلمية وبعد تجارب محدودة فقط، قوَّض الثقة. ووصف مسؤولون غربيون، بينهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هذه الخطوة بأنَّها سابقة لأوانها، وشكَّكوا أمام الرأي العام في سلامة اللقاح الروسي.
ووصف المسؤولون الروس تلك الهجمات أنَّها منافسة غير عادلة حتى مع إظهار استطلاعات الرأي بأنَّ العديد من المواطنين الروس متشككون بشأن سلامة اللقاحات المتاحة. وفي حين كان ديميترييف متفائلاً في مقابلة مع " إنديا تي في" خلال سبتمبر، لم تتحقق آماله في الفوز باستقبال حار فوري من المنظِّمين في البلدان الأخرى.
ثقة مطلقة
وقال ديميترييف : "نحن على ثقة تامة أنَّ اللقاح الروسي سيحصل على الموافقة السريعة في عدد من الأسواق حول العالم بالفعل في نوفمبر" ، مشيراً إلى أنَّ اللقاح الروسي "أفضل وأكثر أماناً" من اللقاحات الغربية التي تستخدم تقنيات مختلفة.
ويستخدم " سبوتنيك في" نظاماً أساسياً يعتمد على الفيروس الغدي البشري، الذي يسبب نزلات البرد، وقد تمَّت دراسته في تطوير اللقاح لعقود، على الرغم من أنَّ فعاليته لم تثبت بعد.
واللقاح الذي طوَّرته شركة "أسترازينيكا"، مشابه للقاح الروسي، في حين أنَّ اللقاحات التي طوَّرتها شركات "مودرنا"، و "فايزر"، و" بيونتيك" تعتمد على تقنية جديدة، التي تستخدم التعليمات الجينية في جزيء الحمض النووي المسمى "إم أر إن ايه" ( mRNA) لخداع الجسم في صنع البروتين الفيروسي نفسه، مما يؤدي إلى استجابة مناعية.
ويقلل المسؤولون الروس من أهمية الصعوبات التي تواجه اللقاح ، قائلين إنَّهم تلقوا بالفعل طلبات للحصول على 1.2 مليار جرعة، وخطط لإنتاج 500 مليون جرعة في 2021 في عدة دول، في حين يتوقعون أنَّ الشركات الأخرى المصنِّعة لـ اللقاحات قد تواجه صعوبة في تلبية الطلب المتوقَّع.
تراجع دولي حتى انتهاء التجارب
وقال ديميترييف: " نركِّز على الجهات التنظيمية في آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، حيث المشاعر السياسية أكثر توازناً ".
وأضاف أنَّه من المتوقَّع أن يحذو العديد من الدول حذو الأرجنتين، ويوافقون على "سبوتنيك في" على أساس التجارب الروسية في يناير وفبراير، وأن تكون فنزويلا أولى الدول. وتابع "سيدرك الناس أنَّ هناك نقصاً كبيراً في اللقاح في 2021، وربما 2022".
وفي الهند ، تبددت الآمال في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية سريعاً على استخدام "سبوتنيك في" خلال أكتوبر بعد أن طالبت السلطات إجراء تجارب أكثر شمولاً، مما اقترحه شركاؤها المحليون.
وقال صندوق الاستثمار المباشر الروسي ( آر.دي آي.إف)، إنَّه يأمل في التقدم بطلب للحصول على موافقة للاستخدام سريعاً مع حلول نهاية يناير، لكنَّ شريكه الهندي قال إنَّ المضي قدماً غير مرجح حتى الربع الثاني من عام 2021.
كما تكرر الموقف نفسه في البرازيل، إذ لم تتحقَّق خطة روسيا لبدء توافر اللقاح في نوفمبر. وقالت الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية في البرازيل ( Anvisa) يوم الثلاثاء إنَّها تلقَّت طلباً لإجراء تجارب المرحلة الثالثة على "سبوتنيك في".
وبعد شهر من الإعلان عن التوصُّل لصفقة إنتاج وتوزيع مع شركة في بكين، قال ديمترييف، إنَّ الصندوق لن يبيع "سبوتنيك في" داخل الصين، بل يصدر ملايين الجرعات التي يخطط لصنعها هناك، بما في ذلك إلى روسيا.
وتلقَّت المجر، العضو في الاتحاد الأوروبي، 6 آلاف جرعة، بالرغم من أنَّ الجهة التنظيمية بها لم تسمح بعد باستخدام اللقاح الروسي.
وقال أنتوني ماكدونيل، المستشار الصحي السابق لحكومة المملكة المتحدة، الذي يعمل الآن محللاً سياسياً كبيراً في مركز التنمية العالمية، ومقرُّه واشنطن، إنَّ روسيا ربما أضرَّت بمصداقيتها من خلال تصرفها المتهوِّر؛ إذ يمكنها إيجاد أسواق لاستقبال اللقاح، حال تمكُّنها من إظهار فعاليته وموثوقيته.