اللقاحات وصلت إلى دول أفريقيا لكن متى تصل لأوردة شعوبها؟

time reading iconدقائق القراءة - 19
ممرضة تحقن رجلاً بلقاح كورونا في عاصمة الكاميرون - المصدر: بلومبرغ
ممرضة تحقن رجلاً بلقاح كورونا في عاصمة الكاميرون - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

رغم تزايد شحنات لقاح "كوفيد-19" لمليارات الأشخاص ممن لم يتلقوه العام الماضي ووصول اللقاحات الجديدة للجمهور، إلا أن عشرات الدول ما تزال تكافح لتحويل الإمدادات إلى تحصين.

تعقّد ندرة مواقع اللقاح في الكاميرون، وضعف التواصل وإنكار وجود فيروس "كوفيد" في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ونقص الحقن في كينيا طرح اللقاحات. أما في زيمبابوي، التي تقدمت في البداية عن عديد من أقرانها، فقد أبطأت عوامل مثل الشعور بالرضا عن الأداء وتصور أن "أوميكرون" أقل خطورة من "كوفيد"، حملات التلقيح فتراجعت أعداد المصطفين لتلقيه.

قالت أغنيس ماهومفا، منسقة فريق عمل "كوفيد" الوطني في زيمبابوي: " لدينا عديد من اللقاحات، لكن الأمر يتعلق الآن بنظرة الناس للقاحات وحثهم على تلقيها".

فيما عانت مبادرة الوصول العالمي للقاحات "كوفيد-19" المدعومة من منظمة الصحة العالمية ويشار لها باسم "كوفاكس" (Covax)، من نقص الشديد في اللقاحات خلال معظم عام 2021، إلا أن عدد شحنات اللقاحات يداني الآن مليار جرعة. يشعر المسؤولون بالقلق من أن انتشار "أوميكرون" السريع قد يحفز ظهور مزيد من المتحولات المقاومة للقاحات، فيما يتحول التركيز إلى زيادة التحصين في الدول الأكثر فقراً في إفريقيا ومناطق أخرى من العالم.

معوقات التحصين

قدر سيث بيركلي، رئيس التحالف العالمي للقاحات والتحصين"غافي" (Gavi)، الذي يعد الشريك الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية في مبادرة "كوفاكس"، أن نحو 20 دولة تكافح لتتمكن من استخدام جرعاتها بسبب عقبات مثل سلاسل التوريد والتردد وعوامل أخرى.

قال بيكلي في مقابلة: "ليس لدينا كل ما نحتاج من جرعات، لكن لدينا الآن تدفق حقيقي للقاحات. ما بدأنا نشهده هو قيود الطلب ونعمل لمحاولة حل تلك المشاكل".

غير أنه توجد أولوية وحيدة، ألا وهي إعطاء الجرعات بطريقة أكثر موثوقية وقابلة للتنبؤ بها، حيث تصل اللقاحات المُتبرع بها في وقت ضيق لا يكفي للاستعداد لطرحها، كما تكون فترة صلاحيتها قصيرة، ما يصعب الأمر على الأنظمة الصحية المرهقة. على سبيل المثال، قال مسؤولو صحة نيجيريون أنهم تمكنوا من استخدام معظم الجرعات التي تلقوها، لكن صلاحية بعضها انتهت قبل أن يتم إعطائها للمواطنين.

قال أورين ليفين، مدير برامج التوصيل العالمية للقاحات "كوفيد-19" في مؤسسة "بيل وميليندا غيتس": "إن تلك الدول بحاجة لأن تكون على اطلاع بالتطورات قبل وصول اللقاحات بستة أشهر لتتمكن من التخطيط بشكل أكثر ذكاءً، خاصة عندما تكون بصدد تلقي كميات كبيرة من الجرعات".

ما يزال الوصول إلى اللقاحات شاغلاً ملحاً بعدما سارعت الدول الغنية لشراء معظم الإمدادات العام الماضي، كما يمكن لمتغير "أوميكرون" زيادة اتساع الفجوة في أعدد الملقحين في الدول الأفريقية مع توسيع تلك الحكومات لبرامج الجرعات التعزيزية. تضررت "كوفاكس" بسبب حظر التصدير وتأخير الإنتاج، كما أن بعض منتجي اللقاحات لم يلتزموا بعقودهم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

بيّن جيمس كريلينشتاين، المؤسس المشارك في منظمة "بريب4أول" (PrEP4All) في نيويورك، أنه على حكومة الولايات المتحدة بذل مزيد من الجهد لزيادة إتاحة اللقاحات القائمة على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال عالمياً . يقدر تقرير ساهم جيمس في إعداده أنه ستكون هناك حاجة إلى 22 مليار جرعة إضافية من لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال لإبطاء تطور الفيروس والسيطرة على الوباء.

التعلم من التجارب الناجحة

قال جيمس كريلينشتاين: "ما لم تدرك الولايات المتحدة أن التلقيح العالمي أمر حتمي لضمان الأمن القومي المحلي، فلن نخرج من هذا الوباء".

كما يشكل التوزيع مصدر قلق كبير آخر. وفقاً لجون نكينغاسونغ، مدير وكالة "المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها"، ترسل الوكالة مسؤولي صحة دوليين إلى المغرب ورواندا للتعلم من عمليات طرح اللقاحات الناجحة. كما شكلت الوكالة مجموعة من وزراء الصحة السابقين لتقديم المشورة للدول الأفريقية بشأن حملاتهم.

قال نكينغاسونغ: "تتجه كل جهودنا في 2022 نحو عنصر توصيل اللقاح. سنشهد زيادة في تدفق اللقاحات إلى القارة، بعد ذلك سيقع العبء على عاتق الجميع للعمل بشكل جماعي بغرض زيادة توزيعها".

لكن لن يكون تحقيق هذا الهدف سهلاً، إذ تحتاج الدول للتغلب على عوامل مثل انتشار المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي تمنع الناس تلقي اللقاح، والتمويل غير الكافي، والعقبات التي تحول دون إرسال اللقاحات إلى المناطق النائية. كتبت منظمة الصحة العالمية، رداً على أسئلة تلقتها في نوفمبر، أن أربع دول في إفريقيا، بما فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون، استخدمت باستمرار أقل من نصف الجرعات التي تلقتها.

ضعف التواصل

يؤدي ضعف التواصل بشأن اللقاحات وأماكن الحصول عليها لإحباط محاولة حماية أعداد أكبر من الناس. في أوغندا، أُعطي حوالي 12 مليون جرعة رغم أن الحكومة حصلت على ما يقرب ثلاثة أضعاف ذلك، بينما لم يتلقى سوى 3.5% من السكان اللقاح بشكل كامل.

في حين تعيش سارة بيرييري، وهي امرأة مسنة من قرية كاسوكوي شرقي العاصمة كمبالا، على بعد ميلين فقط من مركز صحي حكومي، إلا أنها لا تعرف متى يقوم المركز بإعطاء اللقاحات. قالت سارة: "كنت لأتقبل تلقي اللقاح بسرور نظراً لسني المتقدمة".

في الوقت نفسه، كان يُعطى أكثر من 400 ألف جرعة لقاح يومياً خلال ذروة برنامج التطعيم في زيمبابوي، بينما تظهر بيانات وزارة الصحة أن ذلك المعدل انخفض لأقل من 17 ألف جرعة في الخامس من يناير.

أحصت ممرضة في عيادة خاصة في أفونديل بالعاصمة هراري عدد الجرعات المحفوظة في صندوق تبريد أزرق، ونظرت إلى ساعتها وأخبرت زملائها أنه بحلول نهاية اليوم سيكون لديهم لقاحات لم يتم استخدامها مجدداً.

بينما قالت ممرضة أخرى، طلبت عدم ذكر اسمها لأنها غير مصرح لها بالتحدث إلى وسائل الإعلام: "يحدث الأمر نفسه كل يوم، فقط أعداد قليلة تتقدم لتلقى اللقاح. والناس يتصرفون وكأن (كوفيد) انتهى".

"مجرد عملية تسليم"

وضعت منظمة الصحة العالمية، تقديراً منها للتحدي، قائمة تضم 20 دولة في القارة معرضة بشدة لخطر عدم تحقيق هدف تطعيم 70% من سكانها في وقت لاحق من هذا العام، وهو أمر صعب بالنظر لتطعيم 9.5% فقط من سكان إفريقيا حتى الآن، والبالغ عددهم حوالي 1.3 مليار نسمة.

قال آلان بوي، رئيس برنامج منظمة الصحة العالمية للأمراض التي يمكن الوقاية منها في إفريقيا، أنه من المقرر نشر الخبراء في دول من بينها نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، اللتين يبلغ مجموع عدد سكانهما حوالي 300 مليون نسمة. لقحت جمهورية الكونغو الديمقراطية بتلقيح 0.1% فقط من مواطنيها، ونيجيريا، أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، 2.2% فقط من إجمالي تعداد سكانها.

في حين كانت معدلات إصابات "كوفيد" والوفيات أعلى في الدول الأكثر ثراءً، إلا أن عوامل مثل النظم الصحية الهشة وسوء جمع البيانات في إفريقيا تشير إلى أن عدد الوفيات كان على الأرجح أكثر خطورة من الأرقام المعلنة. بلغت زيادة الوفيات في جنوب إفريقيا، التي يُنظر إليها على أنها طريقة أكثر دقة لتقييم تأثير "كوفيد"، أكثر من ثلاثة أضعاف العدد الرسمي، فيما تشير الدراسات إلى أن إصابة واحدة بفيروس "كوفيد" من كل 80 إصابة اكتُشفت في أوغندا.

قال سولومون زودو، نائب مدير مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" في إفريقيا، فإن الدول الأفريقية بحاجه إلى تسهيل حصول الأشخاص على اللقاحات، خاصة أولئك الذين يقلقون بشأن إضاعة الوقت والأجور. كانت المؤسسة قد وافقت في نوفمبر على تقديم حوالي 4 ملايين دولار لمساعدة مصنع كيني على إنتاج أكثر من ثلاثة أضعاف إنتاجه من اللقاحات.

قال زودو: "في خضم الحالة الملحة لمحاولة الحصول على اللقاحات، كان ينظر إليها على انها مجرد عملية تسليم. فنحن نحصل على أكبر عدد ممكن من الإمدادات، ونقوم بتوصيلها إلى الدول الأفريقية، وبعد ذلك تمضي الدول قدماً في عملية التلقيح. لكن الحال ليست كذلك. ما يزال هناك قدر هائل من الموارد التي ينبغي تسخيرها لإزالة كل هذه الحواجز".

تصنيفات