بلومبرغ
أدى ظهور متحوِّر "أوميكرون" الفيروسي إلى اندفاع العالم نحو إعطاء الجرعات المُعزِّزة. ويرى العلماء والحكومات أن الجرعة الثالثة هي الاستراتيجية الأكثر ملاءمة ضد السلالة الجديدة التي يبدو أنها تُقلّص من حماية اللقاحات بشكلٍ ملحوظ.
في الأيام التالية للاكتشافات المُبكِّرة التي أظهرت تسبُّب "أوميكرون" في خسارة تحييد 25 إلى 40 ضعفاً من الأجسام المضادة بلقاح "فايزر- بيونتيك"، ثاني أكثر اللقاحات استخداماً في العالم، وسَّعت الولايات المتحدة جهود إعطاء المعزِّزات إلى المراهقين بينما قلّصت دول مثل بريطانيا وكوريا الجنوبية من فترة انتظار الحصول على الجرعة الثالثة بنصف المدة، أي إلى ثلاثة أشهر.
من المؤكد أن تحذو حذوها المزيد من الحكومات، في الوقت الذي تحاول فيه دول العالم النامي، التي تعاني من نقص اللقاحات، تأمين مخزون إضافي من الشركات المُصنِّعة.
قال أوغور ساهين، مؤسس شركة "بيونتيك"، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، إن اللقاح بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)"يجب أن يتكون من ثلاث جرعات"، لمحاربة السلالة الجديدة، ويُمكن أن تُعطى الجرعة الثالثة بعد ثلاثة شهور من الثانية.
لكن تظل هناك أسئلة حول ما إذا كان هذا الاندفاع نحو الجرعة المُعزِّزة هو الاستراتيجية الصحيحة ضد متغير "أوميكرون" الفيروسي.
اعتراض منظمة الصحة العالمية
أعربت منظمة الصحة العالمية عن تحفظها حول الأمر، مؤكدة على أن العالم يجب أن يعمل لضمان وصول اللقاح إلى الفئة التي لم تتلق جرعتها الأولى قبل قيام الحكومات الأغنى بتقديم المُعزِّزات لعامة السكان.
وقالت المنظمة الدولية إن هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع ظهور سلالات جديدة مثل "أوميكرون".
وأثرت الأنباء حول حصول مصابين جدد بـ"أوميكرون" على جرعة ثالثة في سنغافورة على الأسواق المالية، مما أدى إلى توقف الاتجاه الصعودي الذي أشعلته دراسات "فايزر-بيونتيك" في وقت سابق من الأسبوع.
يحذِّر الباحثون أيضاً من أن العلم لم يُظهر بشكلٍ قاطع قيام الفواصل الزمنية الأقصر للجرعات المُعزِّزة من المعيار الحالي الممتد لستة شهور بخلق حماية مناعية أعلى ضد متحوِّر "أوميكرون" الفيروسي أو المتحولات الأخرى.
قال جين دونغ يان، عالم الفيروسات بجامعة هونغ كونغ: "لا توجد بيانات حتى الآن حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى تلك الجرعات بعد ثلاثة أو ستة شهور، وقد يكون هناك فرق".
لكي نستعيد حياتنا الطبيعية.. علينا أن نتعايش مع كورونا
اتساع الفجوة
إلا أن ما يُعقِّد الأمور هو الأدلة الناشئة على أن الجرعات المُعزِّزة التي يجري إعطاؤها لاحقاً وليس عاجلاً يُمكن أن تكون أكثر فاعلية مقارنة باللقاحات المُثبطة مثل اللقاح الذي صنعته الشركة الصينية "سينوفاك بيوتيك".
ورغم أن لقاح "سينوفاك" أقل فاعلية ضد فيروس كورونا الأصلي وسلالة "دلتا" مقارنة باللقاح المُصنَّع بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، إلا أنه الأكثر استخداماً في العالم حيث يتم شحن 2.3 مليار جرعة، معظمها إلى البلدان النامية.
في نفس الوقت، وجدت دراسة منشورة في مجلة "لانسيت" الطبية هذا الأسبوع أن لقاح "سينوفاك" لا ينتج زيادة في الأجسام المضادة الوقائية بشكل ملحوظ لدى الحاصلين على جرعة ثالثة بعد شهرين من الجرعة الثانية، مقارنة بأولئك الذين حصلوا على الجرعة بعد ثمانية شهور.
رغم عدم اليقين المستمر، تتسع الفجوة بين غير المُلقَّحين والحاصلين على الجرعات الُمعزِّزة فعلياً في جميع أنحاء العالم وداخل كل دولة بشكلٍ منفرد.
يصطف الأشخاص الذين جرى تطعيمهم بالكامل للحصول على الجرعات المُعزِّزة الثالثة في الولايات المتحدة بسبب القلق من "أوميكرون"، بينما وسعت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية وصول الأطفال بين 16 و17 عاماً إلى الجرعات هذا الأسبوع.
ويؤدي ذلك إلى حدوث فجوة بين الذين تم تطعيمهم ثلاث مرات والذين لم يتلقوا أي جرعات على الإطلاق.
كما عمدت كوريا الجنوبية يوم الجمعة إلى تقليص الفاصل الزمني للجرعات المُعزِّزة لثلاثة شهور بعدما واجهت واحدة من أكثر الدول الآسيوية المُحقِّقة لنسب التلقيح ضربة مزدوجة من حيث عدد الإصابات القياسية واكتشاف متحوِّر "أوميكرون" بين المرضى.
وعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كذلك بتقليص مدة الانتظار، البالغة ستة شهور بين الجرعتين الثانية والثالثة، بمقدار النصف الأسبوع المقبل وسط مؤشرات على انتشار "أوميكرون" بين البريطانيين.
معيار ثلاثي الجرعات
لكن ما تزال دول أخرى، لا سيما بعض الدول النامية، تعاني لشراء مخزون كافٍ من اللقاحات ويتزايد القلق بشأن وصول الجرعات المُعزِّزة.
ففي فيتنام، التي تعاني من موجة طويلة من انتشار الفيروس أدت إلى تعطيل اقتصادها المعتمد على الصادرات، أعلنت الحكومة هذا الأسبوع هدف إعطاء المُعزِّزات لجميع السكان في الشهور الستة الأولى من العام المقبل، رغم تلقي أقل من 60% من سكانها التطعيمات الكاملة حالياً.
تدعو الجمعيات الطبية في الهند، التي لم تبدأ بعد حملة الجرعة الثالثة بعد تلقي 36% فقط من سكانها جرعتين، إلى إعطاء المُعزِّزات للعاملين في الصفوف الأمامية من القطاع الصحي بهدف الحفاظ على سلامتهم.
وقالت جنوب أفريقيا، التي جرى اكتشاف متحوِّر "أوميكرون" فيها لأول مرة، إنها ستبدأ في طرح المُعزِّزات من أوائل الشهر المقبل.
"بيونتيك": تعديل لقاح كوفيد قد يزيد المناعة في مواجهة "أوميكرون"
سباق عالمي
بصرف النظر عن "فايزر" و"بيونتيك"، لم يُصدر أي صانع لقاح آخر نتائج حول كيفية صمود جرعاتهم أمام "أوميكرون" حتى الآن، والآثار المترتبة على استراتيجية الفاصل الزمني الأقصر للجرعات المُعزِّزة.
ولا يُعرف سوى القليل عن كيفية التفاعل مع السلاسة الجديدة من قبل لقاحات ناقلات الفيروس التي طورتها "أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" والجرعات المُثبطة التي تنتجها الشركات الصينية، مقارنة مع الجرعات بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA).
بالنظر إلى الخوف من أن متحوِّر "أوميكرون" قد يؤدي إلى ارتداد عكسي في المجهودات العالمية للخروج من الوباء، من المرجّح أن يتسارع السباق بشأن الجرعات المُعزِّزة في الأسابيع المقبلة.
وقال جين من جامعة هونغ كونغ: "يعني التطعيم الكامل ثلاث جرعات. من المُرجّح أن يصبح هذا مطلباً عالمياً من قبل الحكومات في جميع أنحاء العالم".