كما لو أنَّ 300 ألف قتيل في الولايات المتحدة الأمريكية من كوفيد-19 لم تكن مروِّعة بما فيه الكفاية. لقد فكروا فقط في عدد الذين ماتوا من الآثار غير المباشرة للوباء، إذ تشير الدلائل المستمدة من مراكز السيطرة على الأمراض إلى أنَّ معدل الوفيات في عام 2020 أعلى مما كان متوقعاً لأسباب تتجاوز عدوى فيروس كورونا. ومعظم الوفيات الزائدة مرتبطة بالصحة، لكنَّها تمتد حتى حوادث السيارات.
كما أظهر تحليل حديث يعتمد على بيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، أنَّ 40 ألف أمريكي ماتوا هذا العام بسبب أمراض السكري، والزهايمر، وارتفاع ضغط الدم، والالتهاب الرئوي.
وقد تكون بعض هذا الوفيات ناجمة عن الفيروس، وتمَّ تسجيلها بشكل غير صحيح. ولكن قد تعكس نسبة كبيرة لتأثير حصول الناس على رعاية طبية أقل. وفي حين انخفضت الرعاية الطبية غير الخاصة بكوفيد؛ منعت التفويضات الحكومية الإجراءات التقديرية، فضلاً عن تزايد خوف المرضى من الإصابة في المستشفيات.
40 ألف أمريكي ماتوا هذا العام بسبب أمراض السكري، والزهايمر، وارتفاع ضغط الدم، والالتهاب الرئوية
إذا كانت الرعاية المفقودة لها عواقب صحية سلبية، فسيكون من العدل اعتبارها تكاليف غير مباشرة للوباء. وتشير الأدلة منذ فترة طويلة إلى أنَّ النظام الصحي في الولايات المتحدة يعاني من أوجه قصور كبيرة؛ إذ يمكن تقليل مقدار الرعاية دون تدهور النتائج الصحية. لكنَّ نوع الرعاية التي يتلقاها الناس أثناء الوباء، قد لا يمكن تجاهلها دون الإضرار.
وتشير الوفيات الزائدة إلى أنَّه كان هناك القليل جداً من الرعاية غير المتعلِّقة بكوفيد هذا العام. وهناك الحاجة إلى المزيد من التحليل الدقيق لمعرفة مقدار الوفيات الناجمة عن كوفيد نفسه بدلاً من انخفاض الرعاية الصحية الأخرى، على أنَّه في كلتا الحالتين يكون الوباء هو الجاني.
آثار تدابير البقاء في المنزل
لعلَّ الأكثر إثارة للدهشة هي بيانات تلف السيارات. لعقود من الزمان، فقد كانت الوفيات الناجمة عن الحوادث المرتبطة بالمسافة المقطوعة تنخفض بشكل حادٍّ. قبل خمسين عاماً، سجَّلت الولايات المتحدة 5.3 حالة وفاة لكل 100 مليون ميل سفر. ومع حلول عام 2019، انخفض هذا المعدَّل إلى أقل من 1.1 حالة. وساهمت عوامل متعددة في هذا الانخفاض بما في ذلك انخفاض حالات القيادة في حالات السكري، وانخفاض عدد السائقين المراهقين، والسيارات أكثر أماناً، وزيادة استخدام حزام الأمان.
لكن في الربع الثاني من عام 2020، قفز معدل وفيات السيارات فجأة إلى 1.4 لكلِّ 100 مليون ميل يتمُّ قطعها. وخلصت الإدارة الوطنية لإدارة لسلامة المرور على الطرق السريعة إلى أنَّ الزيادة من مارس إلى يونيو 2020 ترجع في المقام الأول إلى آثار تدابير البقاء في المنزل المرتبطة بالوباء.
ليس لديَّ أدنى فكرة كيف يمكن للإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة أن تستنج بالفعل أنَّ تدابير البقاء في المنزل تفسر زيادة معدل الوفيات ؟
قد تكون بعض هذه البيانات مفيدة -بما في ذلك احتمال أنَّ مزيج الأميال المقطوعة قد تحول بين السيارات والدراجات النارية، إذ يزيد معدل وفيات الدراجات النارية عن 20 ضعفاً مقارنةً بالسيارات؛ لذلك فإنَّ هذه التغييرات المتواضعة في نسبة أميال المركبات المنسوبة إلى كل منها، قد تسبب حركة ملحوظة في الأرقام الإجمالية. ولكن على افتراض أنَّ الإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة لديها سبب وجيه للوصول إلى استنتاجها؛ فهذا دليل آخر على التأثير غير المباشر المميت للوباء.
كوفيد-19 يمكن أن يخفض متوسط العمر المتوقع عندة الولادة لمدة عام
وبالنظر إلى كل هذا معاً، يبدو من المحتمل جداً أن يكون عام 2020 عاماً آخر ينخفض فيه متوسط العمر المُتوقَّع في الولايات المتحدة بمقدار كبير. إذ يشير أحد التقديرات إلى أنَّ كوفيد-19 يمكن أن يخفِّض متوسط العمر المتوقَّع عند الولادة مدة عام، وهو تأثير كبير.
ومع احتمال حدوث وفيات إضافية بسبب تأثر الرعاية الصحية، وربما بسبب حوادث الطرق؛ تصبح التكاليف غير المباشرة للوباء هائلة. ومن المرجَّح أن تقع الوفيات الإضافية في الغالب على الأمريكيين الأفارقة، والأمريكيين اللاتينيين، مما يزيد من تفاقم المخاوف بشأن التدرجات العرقية، والاجتماعية الاقتصادية في متوسط العمر المتوقَّع.
على مدى السنوات القادمة ستحتاج إدارة الرئيس المنتخب جو بايدين إلى القيام بمجموعة متنوعة من الاستثمارات في البنية التحتية للصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبمجرد انتهاء الوباء، سيكون من الممكن إجراء حساب أفضل لآثاره المدمرة المباشرة، وغير المباشرة على الوفيات. لكن ما نعرفه بالفعل أنَّ الاستثمارات الكبيرة لتحسين الصحة العامة؛ ستُنفق بشكل جيد.