بعد 50 عاماً من البحث.. اكتشاف "التحدي الأكبر" في علم الأحياء

time reading iconدقائق القراءة - 6
اكتشاف جديد علم الأحياء - المصدر: بلومبرغ
اكتشاف جديد علم الأحياء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

على مدار نصف قرن ، كانت إحدى أكبر المشكلات في علم الأحياء تتمثل في التنبؤ بالبنية التي تقوم عليها البروتينات، بناءً على سلاسل أحماضها الأمينية، خاصة أنه يمكن للتنبؤات الجيدة أن تسرِّع من التقدم في عملية تصميم الأدوية بشكل خاص. وفي إعلان لها مؤخراً، قالت شركة "ألفابيت إنك" (Alphabet Inc)، وهي الشركة الأم لـ"جوجل"، إنَّ نظام الذكاء الاصطناعي الذي تمتلكه، قد حلَّ هذه المشكلة بشكل أو بآخر.

وجاء ذلك عن طريق المنتج "ألفا فولد 2" (AlphaFold 2)، وهو من إنتاج وحدة خاصة بشركة "ألفابيت" معروفة باسم " DeepMind Technologies Ltd" في لندن، وحاز الابتكار على المركز الأول في مسابقة للتقييم النقدي لتنبؤات بنية البروتين "CASP"، وتعرف هذه المسابقة باسم أولمبياد بنية البروتين. وأعلنت وحدة "ديب مايند" (Deep Mind) أنَّ منتجها "ألفا فولد" سجَّل 92.4 نقطة على مقياس من 0 إلى 100 في سلسلة من الاختبارات.

ما هي البروتينات؟

وتعدُّ البروتينات اللبنات الأساسية لبناء الحياة، وهي تتكون من أحماض أمينية مرتبة مثل الخرز في الخيط. والطي (ترتيب البنية الذي تتخذه البروتينات) عبارة عن عملية تتشابك خلالها سلاسل الأحماض الأمينية في بنية ثلاثية الأبعاد، لتستطيع أداء وظيفتها. وتقول وحدة "ديب مايند": "في خطاب قبوله لجائزة نوبل للكيمياء عام 1972، كان افتراض "كريستيان أنفينسنط الشهير، بأنَّ تسلسل الأحماض الأمينية للبروتين هو الذي يحدد هيكله بالكامل." هو الأمر الذي قضى العلماء نصف القرن الماضي تقريباً في محاولة معرفة كيفية حدوث ذلك.

وكما أوضحت "بلومبرغ نيوز" أنَّ البنيات المختلفة التي تتخذها البروتينات, هي التي تحدِّد كيفية تفاعلها مع الجزيئات الأخرى، وفهم هذه العملية له آثار على اكتشاف كيفية غزو أمراض جديدة مثل فيروس (كوفيد-19) لخلايانا، وفهم أثر ذلك على تصميم الإنزيمات التي تحطم الملوِّثات، ويمكن أيضاً دراسة كيفية تحسين المحاصيل.

ويعدُّ تحقيق علامة تزيد عن 90 ، وهو ما لم يحصل من قبل، "حلاً للمشكلة" بشكل ما, وذلك بناءً على ما قاله "جون مولت"، مدير معهد العلوم البيولوجية وأبحاث التكنولوجيا الحيوية الذي تديره "جامعة ميريلاند". وكان "مولت" قد شارك في تأسيس مسابقة التقييم النقدي لتنبؤات بنية البروتين " CASP" في عام 1994.

التفوق على الأنظمة السابقة

ومنذ أن بدأت هذه المسابقة في 2004 حتى عام 2016، كانت العلامات المتصدِّرة تقبع عند الـ60. وفي عام 2018، قام منتج "ألفا فولد 1" بتحطيم حاجز هذه العلامات محققاً علامة 70. أما خليفة هذا المنتج الذي صدر هذا العام, فقد حقق علامة 92.4 متجاوزاً حاجة الـ90. ويعدُّ "ألفا فولد 2" قد حقق تقدماً كبيراً متفوقاً على بقية أنظمة الذكاء الاصطناعي، بناءً على إحصاءات مركز تنبؤ بنية البروتين.

ويعدُّ هذا النجاح أمراً عظيم الشأن بالنسبة لعلماء الأحياء. و قدكتب محمد القريشي، وهو عضو برنامج الجينوم الرياضي في "جامعة كولومبيا" على تويتر: "النتائج كانت "مذهلة!"، إلا أنه حذَّر في تغريدة لاحقة أنَّ الاختبارات كانت لأجزاء من البروتين، وليست لبروتينات كاملة، وأنَّ هناك بعض التوقُّعات السيئة، وبالتالي "بقيت بعض الحالات الغامضة". ولكن، وبشكل عام، قال القريشي: "يبدو أنَّ المشكلة الأساسية قد تمَّ حلها".

واقتبست وحدة "ديب ماند" في مدونتها من حديث "مولت" الذي قال: "إنَّ رؤية وحدة "ديب ماند" تنتج حلاً لهذا، خاصة بعد أن عملت شخصياً على هذه المشكلة فترة طويلة، وفي ظل العديد من مرَّات التوقف عن العمل، والبدء فيه من جديد، والتساؤل عما إذا كنا قد نصل إلى شيء ما، فإنَّ هذه اللحظة مميزة جداً ".

وفي إشادة أخرى على مدونة وحدة "ديب ماند" من "فينكي راماكريشنان"، الحائز على جائزة نوبل للكيمياء، ورئيس الجمعية الملكية البريطانية، قال فيه: "يعدُّ هذا العمل تقدماً مذهلاً في فهم مشكلة بنية البروتين، وهو تحدٍ كبير عمره 50 عاماً في علم الأحياء. ولقد جاء هذا العمل في وقت توقَّع الناس فيه أن يحدث بعد عقود من الزمن على الأقل، وإنه من المثير للاهتمام رؤية الطرق العديدة التي سيغيِّر فيها هذا العمل البحث البيولوجي بشكل أساسي".

أوجه الاستفادة

يذكر أنَّ واحداً على الأقل من البروتينات المشاركة في المنافسة، المعروفة باسم "أوه أر أف 8" (Orf8)، هي من فصيلة فيروس "سارس-كوفيد-2" (SARS-CoV-2) المسبب لـ(كوفيد-19). وفي فقرة مسجلة ظهرت على "اليوتيوب"، قالت المهندسة العلمية "كاثرين تونياسوفوناكول" عن المسابقة: "لقد حاولنا فعلاً، حاولنا بجد حقاً، وقد يكون الوقت الذي قضيناه على هذا العمل أكبر من أيِّ وقت آخر قضيناه لتحقيق هدف واحد".

ومن التطبيقات الواضحة لهذا التقدم هو تطوير الأدوية، والتطبيق الآخر، هو تصميم الأنزيمات التي يمكن أن تفكك نفايات البلاستيك إلى مكونات غير ضارة. وهناك مئات الملايين من البروتينات التي لا يفهم العلماء تركيبها. وتقول وحدة "ديب مايند" في مدونتها: "من بين البروتينات غير المحددة، قد يكون هناك بعض البروتينات ذات الوظائف الجديدة والمثيرة، وهذه الاكتشافات تشبه تماماً وظيفة التلسكوب الذي يساعدنا على النظر بشكل أعمق في الكون المجهول، وتقنيات مثل "ألفا فولد" قد تساعدنا في العثور عليها".

تصنيفات