تغير المناخ يرفع أسعار السوشي ويزيد حدة المنافسة على المياه في كاليفورنيا

time reading iconدقائق القراءة - 11
ضخ المياه من بئر إلى قناة ري في أحد مزارع مقاطعة يولو، ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
ضخ المياه من بئر إلى قناة ري في أحد مزارع مقاطعة يولو، ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

إذا سبق وتناولتَ طبق السوشي في أي مكان بـالولايات المتحدة، فعلى الأرجح، كان مصدر الأرز المستخدم في طبقك وادي ساكرامنتو، بولاية كاليفورنيا.

هناك، حيث يقوم فريتز دورست، وهو مزارع من الجيل السادس، بزراعة الحبوب والمحاصيل الأخرى في المنطقة، منذ أكثر من أربعة عقود. لكن هذا العام، ووسط حالة من الجفاف التاريخي، اضطر دورست إلى زراعة نصف المساحة التي اعتاد زراعتها من الأرز فقط.

كان المزارعون مثل دورست، سيواجهون عاماً أكثر صعوبة، لو لم يتم سحب المياه من نهر ساكرامنتو لري الحقول. مع ذلك، فإن هذه التحويلات في مسار المياه، تنتج عن عواقب وخيمة، تؤثر بشكل خاص على جزء آخر من سلسلة التوريد اللازمة لتحضير طبق السوشي، والذي يتمثل في صناعة السلمون. يقول مسؤولو الحياة البرية في الولاية إن انخفاض مستويات المياه والطقس الحار، تسببا في ارتفاع درجات حرارة الأنهار بدرجة كبيرة؛ إلى حدٍ باتت معه صغار سمك السلمون المهدد بالانقراض، مهددة بسخونة المياه حتى الموت، خلال الخريف القادم.

نزاع على الموارد

شدة الجفاف الذي يضرب المنطقة، دفعت الجهات التنظيمية في كاليفورنيا في وقت سابق من هذا الشهر، إلى التصويت لصالح تقييد قيام المزارعين بتحويل مسارات بعض الأنهار، وذلك بهدف حماية إمدادات مياه الشرب. لكن، من غير المرجح أن ينتهي هذا الخلاف حول حقوق المياه بين المزارع ومزارع الأسماك، في أي وقت قريب، حيث تستمر النزاعات في المحكمة بين الطرفين، منذ عقود عدة.

ونظراً إلى أن الطقس الأكثر حرارة وجفافاً يستنزف الخزانات ويذبل المحاصيل، فإن المعركة تزداد شراسة، ما يؤكد كيف يتسبب تغير المناخ في تغيير الصناعات، التي تقدر بمليارات الدولارات في جميع أنحاء العالم، ويزيد النزاعات بينها في معركة الحصول على الموارد التي تزداد ندرة؟

تقول جينين جونز، وهي مديرة الموارد المشتركة بين الولايات في إدارة الموارد المائية بكاليفورنيا: "يجب أن نحول تركيزنا من التفكير بالجفاف باعتباره حالة طوارئ تحدث من حين إلى آخر، إلى التفكير فيه كتحول طويل الأجل".

في ولاية كاليفورنيا، ولفترة طويلة، كان الاستهلاك الهائل للمياه في القطاع الزراعي، نقطة شائكة بالنسبة إلى مزارع الأسماك، والمجموعات البيئية، وأصحاب المصلحة الآخرين. وتستخدم المزارع حوالي 40% من مياه الولاية في المتوسط، وفقاً للمجموعة البحثية غير الربحية: "معهد السياسة العامة في كاليفورنيا".

يذكر أن حقوق المياه في كاليفورنيا، تخضع لنظام معقد يعود تاريخه إلى عصر "حمى الذهب". وتشمل قائمة أصحاب الحقوق الكبار في المياه طبقاً لهذا النظام: الشركات، والمزارعين، والمدن التي حصلت على مطالباتها قبل عام 1914، بالإضافة إلى ملاك الأراضي الذين تقع ممتلكاتهم على ضفاف نهر، وهم آخر من شهد تقليص حصتهم من الإمدادات. كذلك لن يتأثر هؤلاء بالإجراءات التي تمت الموافقة عليها في وقت سابق من أغسطس الحالي، والتي تهدف إلى تقييد التدفقات على بعض المزارعين.

مع ذلك، فإن المنافسة على المياه ليست فريدة من نوعها في ولاية كاليفورنيا. ففي البرازيل، يعاني حوض نهر بارانا من أسوأ أزمة مياه منذ 91 عاماً، ما يجعل المزارعين الذين يعتمدون على النهر في منافسة حامية مع محطات الطاقة الكهرومائية، التي توفر الكهرباء والمياه للجنوب الصناعي للبلاد.

أيضاً، يُعد الأرز، الذي يُزرع عادةً في الحقول المغمورة، من بين أكثر المحاصيل استهلاكاً للمياه في العالم. وتكشف البيانات الحكومية عن التأثير الذي يُلحقه الجفاف بمزارعي الأرز في كاليفورنيا، وهم يوفرون أكثر من 5 مليارات دولار، و25 ألف وظيفة للولاية سنوياً، وفقاً للجنة الأرز في كاليفورنيا، التي يمولها القطاع. وفي العام التقليدي، تنتج الولاية حوالي ثلثي إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من الأرز المتوسط،​​ وقصير الحبة، وهو النوع المستخدم في السوشي. وأظهر تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، أنه بحلول أواخر يونيو الماضي، كانت الزراعة في كاليفورنيا أقل بنسبة 19% عن مستوياتها قبل عام، والأقل منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

من المرجح أن يترجم انخفاض الإنتاج الزراعي، إلى ارتفاع في الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين. وقالت وزارة الزراعة الأمريكية إن مزارعي كاليفورنيا يمكن أن يتوقعوا الحصول على 22 دولاراً لكل 100 رطل من الأرز المتوسط ​​والقصير الحبة، لعام 2021-2022، وهو أعلى معدل للأسعار خلال 13 عاماً.

الجفاف في البرازيل يهدد محاصيل البرتقال والقهوة عالمياً

ارتفاع أسعار الغذاء

يقول توني جنتيل، الشريك في ملكية "مجموعة مطاعم فلاغ شيب" (Flagship Restaurant Group)، التي تمتلك 16 مطعم سوشي، منتشرة في 6 ولايات، إن الشركة رفعت أسعار قوائم الطعام في كل مطاعمها خلال الأسابيع الأخيرة، وسط ارتفاع تكلفة الأرز والمأكولات البحرية، والزيادة الكبيرة في تكاليف العمالة. وعلى الرغم من أن "فلاغ شيب" تستخدم أرز كاليفورنيا، إلا أنها تفكر في شراء الحبوب من اليابان، أو من أسواق أخرى خارج الولايات المتحدة، حسب ما قاله جنتيل.

وأضاف: "الأسعار تتقلب الآن، وهي تختلف من يوم إلى آخر بشكل أكثر من أي وقت أتذكره، وأنا أعمل في مجال المطاعم منذ أكثر من 20 عاماً". وتابع: "إنه أمر مخيف".

الأرز ليس المحصول الوحيد الذي تعرض للهلاك بسبب الجفاف بالطبع، حيث كان للظروف الجافة تأثير مدمر على القطاع الزراعي عبر كاليفورنيا بأكملها، والتي توفر أكثر من ثلث إنتاج الخضار في الولايات المتحدة، وثلثي حجم إنتاج البلاد من الفاكهة. وبعد سنوات مما يبدو وكأنه جفاف دائم، بدأ المزارعون في اقتلاع أشجار اللوز، والتي عادة ما تكون استثماراً لمدة 25 عاماً.

رغم ذلك، تجادل مزارع الأسماك وبعض الجماعات البيئية، بأن تأثير الجفاف على أسماك السلمون كان أكثر حدة. وعادة ما يتم إطلاق صغار السلمون من الحاضنات إلى الأنهار، حيث تشق طريقها من هناك إلى المحيط الهادئ. لكن درجات حرارة المياه في بعض الأنهار ارتفعت إلى حد كبير؛ لدرجة أن مسؤولي الولاية باتوا ينقلون الأسماك بالشاحنات إلى مناطق أكثر برودة، إلى أن تتحسن الظروف الجوية. ويسهم صيد سمك السلمون البحري لأغراض تجارية وترفيهية بأكثر من 900 مليون دولار سنوياً في اقتصاد ولاية كاليفورنيا، وفقاً لوزارة الأسماك والحياة البرية بالولاية.

تغيُّر المناخ يهدد أسماك السلمون

قطاع صيد الأسماك

يقول جون روزنفيلد، العالم البارز في مجموعة "سان فرانسيسكو باي كيبر" البيئية، إن الطقس الحار، وتحويل مسار المياه لأغراض الزراعة، يعرضان مزارع الأسماك التجارية للخطر. ويضيف روزنفيلد: "كانت مدن مثل سان فرانسيسكو، وأوكلاند، ذات يوم موانئ كبيرة لصيد الأسماك في الساحل الغربي، لكن بسبب قيامنا بتحويل مجرى المياه من أنهارنا، وتدميرنا للبيئة الحاضنة للأسماك في الأنهار والخليج؛ انهارت مصايد الأسماك هذه".

وقد تسبب الانهيار السابق لعدد أسماك السلمون في عام 2008، بإجبار مصايد الأسماك على الإغلاق بشكل جماعي. لدرجة أن سارة بيتس، التي كانت تصطاد في منطقة خليج سان فرانسيسكو لمدة 15 عاماً، اضطرت إلى شغل وظيفة مكتبية بشكل مؤقت بعد ضياع مصدر دخلها. وقالت إن بعض أقرانها انتقلوا ليعملوا في قطاع البناء، وبقوا فيه.

تصطاد بيتس من 300 إلى 500 ألف سمكة سلمون في العام الجيد، وتبيعها بسعر 13 دولاراً للرطل، لكنها قالت إن فكرة إغلاق مصايد الأسماك مرة أخرى "تجعلني مستيقظة في الليل".

كذلك، تقول مجموعات بيئية إن التغييرات التي أجرتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب للحد من نطاق الحماية القانونية للأنواع المهددة بالانقراض، يمكن أن تزيد من حدة المخاطر التي تتعرض لها أسماك السلمون. وتقوم إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بمراجعة هذه التغييرات.

من جهتها، تجادل الجماعات البيئية بأن نظام حقوق المياه في كاليفورنيا، ينحاز ليفيد القطاع الزراعي بشكل غير عادل. ويقولون إنه كان بالإمكان تجنب الضرر الذي لحق بأسماك السلمون، بغض النظر عن الجفاف وموجات الحرارة وتغير المناخ؛ فيما لو تمت إدارة مخصصات المياه بشكل أفضل.

لكن مزارعي الأرز، يؤكدون أن صناعتهم ضرورية لاقتصاد الولاية، وأن حقول الأرز التي تغمرها المياه توفر الغذاء، وهي أيضاً تشكل مكاناً لراحة ملايين الطيور المهاجرة.

ختاماً، هناك شيء واحد مؤكد، وهو: أن تفاقم أزمة الجفاف، سيزيد حدة المنافسة على المياه، ما يجبر الجهات التنظيمية على تخصيص الإمدادات التي تزداد ندرة. تقول بيتس أخيراً: "سيتعين على مجتمعاتنا أن تقرر الأمور الأكثر أهمية لنا".

تصنيفات

قصص قد تهمك