بلومبرغ
ساهمت خطَّة أوروبا للتخلُّص التدريجي من السيارات العاملة بمحرِّكات الاحتراق بوضع المنطقة في صدارة الجهود المبذولة لحماية المناخ. إلا أنَّه بدون إحراز تقدُّم على صعيد تنظيف طرق الدول الأكثر فقراً كذلك؛ فإنَّ هذه الجهود لن تكون كافية لإبقاء الاحتباس الحراري العالمي دون المستويات الخطيرة.
على سبيل المثال، يتضاعف في مدينة نيروبي أسطول السيارات في العاصمة الكينية كل ثمانية أعوام، ويعتمد سكانها البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة تقريباً على حافلات أجرة صغيرة تعرف باسم "الماتاتو" للتنقل، التي على الرغم من كونها رخيصة الثمن، إلا أنَّها تميل إلى أنْ تكون أقدم، وغالباً ما تعمل بوقود الديزل المُلوّث.
تضاعف الانبعاثات في الدول النامية
في حين أنَّه من المتوقَّع أن تتركَّز كل أشكال النمو السكاني في العالم تقريباً بحلول عام 2050، في الدول النامية؛ فإنَّ آلاف المدن في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية ستستمر باستخدام الشاحنات، والحافلات، والدراجات النارية العاملة بالوقود الأحفوري لعقود من الزمن، وذلك وفقاً لروب دي جونغ، الذي يرأس وحدة التنقل في برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وفي كينيا، تضاعفت الانبعاثات الكربونية تقريباً منذ عام 2005، وكان قطاع النقل مسؤولاً عن معظم هذه الزيادات.
يقول دي جونغ: "إذا لم نستطع إدخال السيارات الكهربائية إلا إلى الولايات المتحدة، وفنلندا، وهولندا؛ فإنَّنا لن نستطيع تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ". وأضاف في مقابلة عبر الهاتف: "نحن بحاجة أيضاً إلى سيارات منخفضة الانبعاثات، وعديمة الانبعاثات في البلدان ذات الدخل المنخفضة والمتوسطة ".
حالياً، تُباع معظم المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، إذ يُقبل العملاء على التخلي عن سياراتهم المزوَّدة بمحرِّكات الاحتراق، بفضل الحوافز التي تقدِّمها الحكومات، والاستثمارات في البنية التحتية لشحن المركبات. ولكنَّ الوضع مختلف في المناطق الأخرى، لأنَّ الافتقار إلى الإنفاق الحكومي القوي والبنية التحتية غير المكتملة، يشكِّلان عقبات رئيسية أمام مثل هذا التحوُّل في كثير من الدول النامية.
وخلال يونيو الماضي، اقترح الاتحاد الأوروبي توقُّف الدول الأعضاء عن بيع السيارات التي تصدر أي انبعاثات بحلول عام 2035 على أقصى تقدير. وهي خطوة من المتوقَّع أن تسرِّع تبني القارة للمركبات الكهربائية، وأن تساعد المنطقة على خفض الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل التي قفزت بمقدار الثلث منذ عام 1990.
المسؤولية الأكبر
مما لا شكَّ فيه أنَّ الدول الأكثر ثراء هي التي تتحمَّل المسؤولية عن معظم الاحتباس الحراري الناتج عن الممارسات البشرية، إذ يرجع مصدر ثلاثة أرباع الانبعاثات الصناعية في العالم، إلى أمريكا الشمالية، وأوروبا، والصين، وذلك بحسب بحث أجرته "جامعة أكسفورد". في حين لا تسهم إفريقيا إلا بـ3% فقط من إجمالي الانبعاثات العالمية. لكن، من المتوقَّع أن ترتفع هذه الحصة سريعاً نظراً للنمو السكاني في القارة.
دراسة: الاحتباس الحراري قد يقتل 83 مليون شخص في الـ80 عاماً القادمة
يُذكر أنَّه عندما تمَّ تبني اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، تعهدت الدول بالحفاظ على الاحترار العالمي عند أقل من درجتين مئويتين. في حين بات الباحثون يعتقدون الآن أنَّ فرض حد أقصى لارتفاع الحرارة بـ1.5 درجة مئوية، يعدُّ أمراً ضرورياً كي نتجنَّب بعضاً من أكثر العواقب كارثية لتغيُّر المناخ، وهو ما يشكِّل أمراً يزيد الضغط على الغرب، ليقوم بمساعدة الدول الفقيرة أيضاً في مساعيها لكبح جماح الانبعاثات.
مساهمة صناعة السيارات في المشكلة
ومن جهتها، كانت دول مثل أوغندا والمغرب قد وضعت بالفعل بعض القواعد لرفع جودة مئات الآلاف من السيارات المستعملة التي تستورد من الغرب إلى البلاد سنوياً. ويتراوح أعمار معظم هذه المركبات بين 16 و20 عاماً، مما يشير إلى أنَّ الصناعة قد أسهمت في تفاقم تلوث الهواء في المنطقة على مدى سنوات.
يوضِّح دي جونغ، أنَّ جزءاً من المشكلة يكمن في أنَّ الجهات العالمية المصنِّعة للسيارات، تصمِّم سياراتها، وشاحناتها، ودراجاتها النارية، لاجتذاب العملاء الأثرياء في الغرب، وتتجاهل بشكل كبير احتياجات المشترين المحتملين في الأسواق الفقيرة. مضيفاً: "لا نريد سيارة "تسلا إس"، بل إنَّنا بحاجة إلى سيارة حضرية صغيرة بقيمة 10 آلاف دولار". ويضيف: "لا نريد "هارلي ديفيدسون"، أو "فيسبا"، بل دراجة نارية كهربائية قوية بقيمة ألف و500 دولار، يكون بإمكانها حمل ثلاثة أشخاص وماعز".
الدراجات الكهربائية
في خضم هذا، بدأت شركات المركبات الكهربائية الناشئة بالظهور محلياً في جميع أنحاء إفريقيا، بهدف الاستفادة من الإمكانات المتاحة هناك، إذ يتفوَّق الطلب على المركبات العاملة بالبطاريات بالفعل على العرض بشكل كبير، وذلك في دول مثل رواندا، التي يوسع فيها صانع الدراجات النارية "أمبرساند" (Ampersand) شبكة دراجاته، ومحطات تبديل البطاريات المتوفِّر.
كذلك، تبيع شركة "بي واي دي" الصينية شاحناتها الكهربائية في كينيا، عبر موزِّع محلي يهدف لاستيراد ما يصل إلى 100 وحدة بحلول نهاية العام.
كما أنفقت شركة إنتاج الكهرباء التابعة للحكومة الكينية مئات الملايين من الدولارات لاستخلاص الطاقة الحرارية الأرضية من الوادي المتصدِّع الكبير، وهي تستخلص الطاقة هذه لتكون مخصَّصة للشبكة التي تخطط الشركة الناشئة "إيه آر سي رايد" (ARC Ride) لاستخدامها في شحن أسطولها من الدراجات النارية، وعربات النقل الكهربائية.
ومع ذلك، دون أي دعم مؤسسي إضافي، ومن دون الموارد الكبيرة التي تمتلكها شركات صناعة السيارات الكبرى؛ قد يظل توسيع نطاق التصنيع المحلي، وكهربة أساطيل المركبات أمراً بعيد المنال في هذه الدول.
النقل النظيف
في الوقت نفسه، تعتزم شركة "فولكس واجن"، ثاني أكبر صانع سيارات في العالم، تسريع طرح المركبات الكهربائية في أوروبا. وهي دفعة يمكن أن تساهم في تلاشي ارتباط محرِّكات الاحتراق بعلامتها التجارية في المنطقة بين عامي 2033، و2035. لكنَّ عملاق الصناعة يقوم أيضاً باختبار الإيثانول الحيوي في البرازيل، كما تقترح الشركة العملاقة احتمالية بقاء الوقود الأحفوري في بعض أجزاء العالم لفترة أطول.
عمالقة التكنولوجيا ينافسون "تسلا" و"أبل" في حلبة السيارات الكهربائية
من جهتها، تحاول "ايه آر سي رايد" تسريع التحوُّل نحو الدراجات الكهربائية. وتهدف الشركة الناشئة إلى تقديم وسائل نقل أنظف في العديد من المدن الإفريقية، كما أنَّها تركِّز حالياً على مدينة نيروبي، فقد ساعد أسطولها من الدراجات النارية في عمليات التسليم التابعة لتطبيق "أوبر إيتس". كما أنَّها تخطط أيضاً لطرح مركباتها للعمل كسيارات أجرة في رواندا اعتباراً من العام المقبل.
ختاماً، يقول الرئيس التنفيذي لشركة "ايه آر سي رايد"، جوزيف هيرست كروفت: "هذه المدن تنمو سريعاً، وسيكون كارثياً بالنسبة للمناخ إذا كان هذا النمو مثقلاً بالكربون". وأضاف: "يمكننا حقاً، بل ونحن نحتاج سريعاً، أن نتجاوز أعمال أنظمة الطاقة كافة، لإنشاء نظام نقل أكثر نظافة من البداية إلى النهاية".