قد يكون أحد أكبر إنجازات استراتيجية المناخ للاتحاد الأوروبي هو إجبار المستثمرين على النظر إلى الاحتباس الحراري على أنه تهديد وشيك، بدلاً من كونه تهديداً بعيد المدى.
وفي الواقع، تشمل الصفقة الخضراء الطموحة للاتحاد الأوروبي، التي أعلن عنها يوم الأربعاء، كل شيء، بدءاً من السيارات ووصولاً إلى الأسمنت، وهي مصممة لخفض التلوث بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 عن مستويات عام 1990. وعلى الرغم من أنها لا تذكر بشكل مباشر سوى القليل عن قطاع التمويل، فإن ما تُسمى بالحزمة "الملائمة لـ55" (Fit for 55) لها تداعيات كبيرة على مديري الأموال من خلال جعلهم يفكرون في الآثار الاقتصادية قصيرة المدى لمناخ الأرض المتغير، وذلك بحسب دانييل كيلير، الرئيس العالمي السابق للتمويل المستدام في "إتش إس بي سي هولدينغز"، والرئيس التنفيذي الحالي لشركة البيانات البيئية والاجتماعية والحوكمية "أرابيسك إس ريه" (Arabesque S-Ray).
تعليقاً على الموضوع، قال كيلير: "حوّلت هذه الصفقة النقاش الذي كان يبدو بعيد المنال إلى شيء ملموس سيحدث في هذا العقد، كما حوّلت ما كان بالنسبة إلى العديد من الأشخاص محادثة حول العالم في عام 2050 إلى شيء من شأنه أن يُترجم في الواقع إلى تأثير حقيقي في الربح والخسارة في غضون السنوات الخمس المقبلة".
بهدف تحقيق انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 (يقول العلماء المعنيون إنه يجب الوصول إلى الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية) فإنه ينبغي خفض تلوث غازات الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن أعداداً متزايدة من الشركات والشركات المالية قد أعلنت أهدافها الصفرية، فقد تعرض كثير منها لانتقادات بسبب فشلها في إظهار كيف ستصل إلى هذا الهدف.
زيادة أحواض الكربون
الجدير بالذكر أن هدف الاتحاد الأوروبي لعام 2030 يشكّل جزءاً من مهمته الأوسع لجعل أوروبا أول قارة خالية من الكربون. وتشمل الحزمة الضخمة التي أعلن عنها يوم الأربعاء توسيع أكبر سوق للكربون في العالم لتشمل شركات الشحن، وإلغاء السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق، وفرض ضريبة على واردات الصلب والأسمنت والألمنيوم. وفي حين ركّز الإعلان بشكل أكبر على الاقتصاد الحقيقي أكثر من القطاع المالي، فإنه يتبع مجموعة من القواعد الجديدة التي اقتُرحت في وقت سابق من هذا الشهر لجعل عالم التمويل يتماشى مع هدف حيادية الكربون.
بالنسبة إلى أندرو جاكسون، رئيس قسم الدخل الثابت في شركة "فيديريتد هيرميز"، فإن أحد العناصر الأكثر إثارة للاهتمام، والذي جرى التغاضي عنه إلى حد ما في الصفقة الخضراء واسعة النطاق، هو مطالبة البلدان بزيادة ما يسمى بأحواض الكربون، مثل الغابات والأراضي العشبية، لامتصاص مزيد من ثاني أكسيد الكربون، إذ أشار إلى أن الأحواض يمكن أن تكون ذات قيمة للمستثمرين لأنها توفر نوعاً من تعويض الانبعاثات، على الرغم من ضرورة مراعاة المعايير العالية.
مشكلة كبيرة حقاً
كما أوضح جاكسون قائلاً: "ما يقوله الاتحاد الأوروبي هو أننا ندرك أن مشكلة كبيرة حقاً قادمة بسرعة، ونحن بحاجة إلى القيام بشيء ضخم إزاءها. نحن بحاجة إلى استخدام بعض الروافع المالية الكبيرة حقاً، إذ رأينا على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية أنه عندما يكون ذلك ضرورياً يمكنهم سحب الروافع، وهي بالنسبة إلي إشارة على أنهم سيستخدمون الأسواق لتمويل كثير من هذه الأمور، وهذا داعم للأسواق بشكل عام".
من جهتها، تقول عائشة ماستاني، مديرة محفظة في نظام تقاعد المعلمين في كاليفورنيا، إن الصلة بين تغير المناخ والتمويلات المالية للشركات أصبحت واضحة بشكل متزايد. وأضافت: "هناك اعتراف من السوق الأوسع برغبتها حقاً في التأكد من أن الشركات التي تشكل جزءاً من المحافظ ستكون مرنة في عالم متغير".
في الوقت نفسه، أدى السعي وراء الأصول الخضراء إلى تحذيرات متقطعة من أن فقاعة استثمارات "البيئة والمجتمع والحوكمة" تتشكّل، إذ تزداد تكلفتها. ولكن حتى مع أخذ نوبات الوفرة المنتظمة بعين الاعتبار، فإن مسار قطاع "البيئة والمجتمع والحوكمة" قوي جداً لدرجة أنه من غير المرجح أن يختفي الطلب فجأة، وفقاً لأندرياس أوسترهيدين، كبير محللي الاستثمار في "نورديا بنك".
يضيف أندرياس: "كثير من رأس المال يلاحق عدداً قليلاً نسبياً من الشركات" لأن "مزيداً من المستثمرين يريدون صورة بيئية صديقة للبيئة"، إلا أن الاتجاه "موجود ليبقى، ولهذا السبب أنا لست قلقاً، فعندما ننظر إلى جوانب (البيئة والمجتمع والحوكمة) بشكل عام، فإننا نرى فقاعة تتشكّل".