بلومبرغ
أدت أسوأ أزمة مياه تمر بها البرازيل منذ ما يقرب من قرن، إلى زيادة التضخم الذي يتردد صداه عبر الاقتصاد في البلاد، بشكل بات يمثل تحدياً إضافياً للبنك المركزي، ولمحاولة إعادة انتخاب الرئيس جايير بولسونارو.
ارتفاع أسعار الكهرباء
ووفقاً لبيانات مؤسسة "فونداكو جيتاليو فارغاس" البرازيلية للأبحاث، فإن قيمة فواتير الكهرباء سترتفع بنسبة تصل إلى 15% خلال يوليو المقبل، حيث يجبر الانخفاض الخطير في مستويات المياه في الخزانات الكهرومائية، الحكومة على اللجوء إلى محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي أو الديزل أو الفحم وهي أكثر تكلفة. ذلك فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في ظل خسارة المزارعين جزءاً من محاصيلهم بسبب الجفاف.
اقتصاد مضطرب
ومجتمعةً، ستثير هذه المشكلات موجة من الاضطرابات في بلد يتخطى فيه معدل التضخم السنوي 8% بالفعل، وقد تسارع هذا المعدل بالبلاد خلال خمس سنوات، لأكثر من ضعف المعدل المستهدف له. وتقدر شركة "إكس بي إنفستمينتس" أن تلك المشكلات ستشكل نقطة مئوية واحدة من ارتفاع الأسعار هذا العام.
لكن الوضع في البرازيل أكثر تعقيداً، وذلك نظراً لتأجيل الحكومة جزءاً من الزيادات السنوية التي يحصل عليها موزعو الطاقة، في محاولة لتخفيف الأثر الاقتصادي للوباء.
والمحصلة النهائية هي أن الرئيس بولسونارو لن تكون لديه خيارات جيدة، فمن المؤكد أن بعض هذه الخيارات ستضر بشعبيته في الانتخابات الرئاسية خلال العام المقبل، وتضر بالاقتصاد بدرجة أكبر أو أقل.
قنبلة التضخم الموقوتة
يقول أدريانو بيريس، مدير "المركز البرازيلي للبنية التحتية"، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة: "لقد قامت الحكومة بما يشبه ضبط قنبلة موقوتة ستنفجر في عام 2022". وأضاف: "نحن بحاجة إلى أن نرى كيف سيتعاملون مع ذلك الوضع، حيث تميل الحكومات إلى الحفاظ على استقرار الأسعار لحين إجراء الانتخابات، ثم تنظر فيما يجب عليها فعله بعد ذلك".
الطاقة الكهرومائية
من جانبهم لا يزال خبراء الاقتصاد يفتقرون لأي تقديرات دقيقة بشأن مقدار زيادة أسعار الكهرباء خلال العام المقبل، إذ لن يعتمد ذلك على الطقس فقط، وهو أمر بالغ الأهمية في بلد يعتمد على محطات الطاقة الكهرومائية لتوليد ما يصل إلى 70% من الكهرباء، ولكن أيضاً على كيفية إدارة الحكومة لضغوط التكلفة المتزايدة الناتجة عن الانتشار المتزايد للكهرباء الحرارية.
يذكر أن هطول الأمطار في البرازيل خلال العام الحالي كان الأكثر ندرة منذ بدء تسجيل بيانات الأمطار في عام 1931. وكانت خزانات المياه في المناطق الجنوبية الشرقية والوسط الغربي من البلاد، حيث توجد أكبر محطات الطاقة الكهرومائية، دخلت موسم الجفاف الذي يبدأ في شهر مارس، بـ 35% فقط من طاقتها الاستيعابية. ووفقاً لتقديرات الحكومة، من المحتمل أن يكون معدل هطول الأمطار نحو 7% عند استئناف هطولها بحلول نوفمبر.
التحدي السياسي
تسعى حكومة بولسونارو لتجنب تقنين استهلاك الطاقة، بصورة مماثلة لما طبّقه فرناندو هنريك كاردوسو قبل عقدين من الزمن، لقاء أي ثمن. حيث كان قرار كاردوسو أحد العوامل التي ساهمت في تراجع شعبيته، وأدى لانتخاب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في عام 2002.
وقد كانت المناقشة شائكة للغاية لدرجة أن رئيس مجلس النواب، آرثر ليرا، وهو حليف للحكومة، قد غير رأيه حول الموضوع. فبعد أن قال في يونيو إن البرازيل ستحتاج إلى تطبيق نوع من تقنين الطاقة هذا العام لتجنب انقطاع التيار الكهربائي، قام بتعديل تصريحاته بعد ساعات فقط، موضحاً أنه ستوجد بدلاً من ذلك "حوافز لاستخدام الطاقة بكفاءة من قبل المستهلكين، على أساس تطوعي".
وتم تعزيز هذه الفكرة من قبل نائبة وزير الطاقة، ماريسيت دادالد، حيث قالت في مقابلة: "نحن لا نتحدث عن التقنين، نحن نعمل بجهد لضمان توفير الكهرباء لمن يحتاجونها". وتابعت دادالد إن أحد البدائل التي تمت دراستها هي توقيع اتفاقيات مع قطاع الصناعة لإعادة توزيع الإنتاج خلال أوقات اليوم التي يقل فيها الطلب على الكهرباء.
تقنين الطاقة
في الوقت الحالي، لا تحتاج البرازيل إلى تقنين الطاقة. على عكس ما حدث في عام 2001، تتمتع البلاد بقدرة على توليد طاقة حرارية كافية لتعويض خسائر الطاقة الكهرومائية. ولكن المشكلة تكمن في سعرها، حيث تتجاوز تكلفة الطاقة الكهروحرارية ثلاثة أضعاف تكلفة الطاقة التي تولدها محطات الطاقة الكهرومائية.
ويقدر أدريانو بيريس أن محطات الطاقة الحرارية قد تظل قيد الاستخدام حتى أبريل 2022 على الأقل، عندما تعيد الحكومة تقييم ما إذا كان هطول أمطار كافية يستطيع إعادة خزانات المياه إلى مستوياتها الآمنة قبل موسم الجفاف في العام المقبل.
الفواتير المرتفعة والعلامة الحمراء
وهذا يعني أن ما يسمى بـ"رسوم العلامة الحمراء الإضافية" على فواتير الكهرباء ستظل سارية على الأرجح حتى ذلك الحين. في الوقت الحالي، ترفع "العلامة الحمراء" سعر الطاقة الذي يدفعه المستهلكون بنحو 10%، وفقاً لأندريه بارز، الخبير الاقتصادي والمتخصص في أبحاث التضخم بمؤسسة "فونداكو جيتاليو فارجاس". لكن وكالة تنظيم الكهرباء البرازيلية "أنيل" تستعد لزيادة الرسوم الإضافية للعلامة الحمراء، مما قد يعني توقيع زيادة إضافية بنسبة 15% في فواتير الكهرباء، كما قال بارز.
وقالت وكالة تنظيم الكهرباء البرازيلية إن السيناريو الأساسي الخاص بها درس نشر محطات الطاقة الحرارية حتى أكتوبر، دون استبعاد تمديد لاحق. وقال مديرها العام، أندريه بيبيتون، إن كل شيء سيعتمد على كمية الأمطار، التي كانت أقل من المتوسط خلال السنوات السبع الماضية. واعتبر الحديث عن قنبلة موقوتة لعام 2022 "مثيراً للقلق"، قائلاً إن هناك أدوات يمكن استخدامها لتخفيف الزيادة في تكاليف توليد الطاقة. وقال بيبيتون في مقابلة: "بحسب السيناريو الخاص بنا لن تجلب 2022 مفاجآت إضافية".
سعر الفائدة
من المتوقع أن ينتهي المطاف بالتضخم في البرازيل إلى 5.9% في عام 2021، و3.78% في عام 2022، وهو ما يفوق أهداف 3.75% و3.5% لكل عام على التوالي، وفقاً لخبراء اقتصاديين شملهم مسح البنك المركزي. وفي محاولة لتقليص مثل هذه التوقعات، ترك صانعو السياسة الباب مفتوحاً لزيادة أكبر في سعر الفائدة المرجعي في أغسطس، بعد ثلاث ارتفاعات متتالية بلغت 75 نقطة أساس.
ومع ذلك، لا تزال درجة عدم اليقين بشأن التضخم في العام المقبل مرتفعة، وسط مخاوف من بقاء هطول الأمطار أقل من المتوسطات التاريخية مرة أخرى. وقال بارز: "أسعار الكهرباء في عام 2022 تعتمد على هطول الأمطار، والتشاؤم يتزايد" مضيفاً: "سيكون تقنين الطاقة الآن طريقة ذكية للتعامل مع الأزمة لتجنب انقطاع التيار الكهربائي إذا ساء الوضع".