بلومبرغ
أصبح لدى مشغّلي النقل الجماعي لحظة مفاجئة ونادرة للاستثمار في المستقبل، بفضل العودة البطيئة في حركة المسافرين، واتجاه الكونغرس لاتخاذ قرار يقضي بضخِّ مبالغ ضخمة في وسائل النقل العام، إلا أنَّه بالنظر إلى حجم المشكلات الرهيبة، بدءاً من البنية التحتية القديمة، وتراكم الإصلاحات، والحاجة إلى إعادة بناء حركة الركَّاب في عالم يعاني من آثار كورونا، يثير الأمر تساؤلاً مهماً هو: كيف سيُقرر مدير ما في المنظومة، ما هو الذي يجب معالجته أولاً؟.
بالاستناد إلى دراسة حالة مُتعمِّقة صادرة عن هيئة النقل في خليج ماساتشوستس، توصَّل بعض الباحثين إلى معادلة خاصة من أجل تحديد أولويات الإصلاحات، وفتحت هذه المعادلة آفاقاً جديدة من خلال إضافة متغيّرين لم يفكر فيهما مديرو المنظومة بشكل دائم، وهما؛ التهديدات الخاصة بتغيُّر المناخ، وجعل الأنظمة أكثر إنصافاً، لكي تحمي المستخدمين الأكثر ضعفاً.
وقال جيسي كينان، الأستاذ في جامعة "تولين" والمؤلف المشارك للتقرير، إنَّ المدن تعاملت تاريخياً مع إدارة البنية التحتية من منظور هندسي، مما يعني تقوية أضعف النقاط في النظام ضد الأحداث الكارثية، أما المرونة بالنسبة لعلماء الاجتماع، فتعني ضمان استمرار تقديم الخدمة إلى المجتمعات الأكثر ضعفاً. من هنا، تهدف هذه الورقة البحثية الأخيرة إلى مساعدة مديري المدينة على تحقيق التوازن بين الشقّين.
تحديد الأولويات
قال كينان: "من المهم للغاية تحديد أولويات احتياجات المجتمعات المُهمَّشة تاريخياً، لأنَّهم لا يُشكِّلون فقط حجماً كبيراً من الركُّاب؛ بل لأنَّهم أكثر من يتضرر من فشل النظام، حتى وإن حدث ذلك لمدة ساعة أو ساعتين فقط..فإنَّ هذا يتسبَّب في خسارة الرواتب، وتكبُّد تكاليف إضافية لرعاية الأطفال".
على سبيل المثال، يعني تفاقم الفيضانات الساحلية إثر تغيُّر المناخ في بوسطن أنَّ عاصفة كبيرة قد تُعطِّل نصف نظام مترو الأنفاق نهائياً بحلول نهاية العقد، إلا أنَّ هذا التهديد يتضاءل أمام احتمالية انقطاع الخدمة الروتينية، والتأخير الناجم عن الارتفاع المُطَّرد في مستوى سطح البحر بالمناطق الساحلية، وفقاً لنموذج الفيضانات الذي تمَّ تطويره للدراسة.
كما تخدم الأجزاء العديدة الأكثر عرضة للفيضانات في نظام النقل في بوسطن، المجتمعات ذات الدخول المنخفضة، وهي التي تعتمد بشكل خاص على الخدمة الجيدة للتنقُّل من أماكن العمل ومراكز رعاية الأطفال وإليها.
ولم تملك هيئات النقل البلدية الكثير من الأموال المجانية لإنشاء مشاريع جديدة في السنوات الأخيرة، لكن ذلك قد يتغيَّر، فقد تلقَّت هيئات النقل إغاثات من الوباء وصلت إلى 30.5 مليار دولار من خلال خطة الإنقاذ الأمريكية التي تمَّ إقرارها في شهر مارس الماضي. وفي الشهر الحالي، صوَّتت لجنة النقل والبنية التحتية في مجلس النواب لصالح مشروع قانون نقل رئيسي، من شأنه أن يوفِّر للهيئات مبلغاً قدره 109 مليار دولار أخرى، كجزء من خطة دعم البنية التحتية من قبل الرئيس جو بايدن.
خطط مناخية
ويرى جون كارنيغي، المدير التنفيذي لمركز النقل "ألان إم فورهيس" Alan M. Voorhees ، بجامعة "روتغيرز" والخبير في مرونة النقل أنَّ جميع أنظمة النقل في المدن الكبيرة تقريباً بدأت في تنفيذ خطط مناخية، تتجاوز حتى ارتفاع مستوى سطح البحر.
وقال: "إنَّ الأمر يتعلَّق بعدة أشياء، مثل أجهزة التكييف، والتأثيرات على القوى العاملة المتنقّلة"، كما تبذل العديد من الهيئات جهوداً لوضع المجتمعات المُهمَّشة في عين الاعتبار، من خلال استخدام الظروف الاجتماعية والاقتصادية كمعايير لتحديد أولويات الاستثمارات، والعمل مع الشركات والمؤسسات المحلية على التوعية العامة.
وعلى نقيض تلك الجهود، لم تستثمر الأنظمة الأصغر إلا القليل في المرونة المناخية، وقد "تشير دعوات إدارة بايدن للعدالة البيئية إلى المزيد من التمويل مع التركيز على الإنصاف، تزامناً مع خروج الولايات المتحدة من وباء كورونا، وفقاً لقول "كارنيغي"، الذي أضاف أنَّ "الوباء كشف عن بعض الأنماط الظالمة السائدة في جميع أنحاء البلاد منذ عقود". وقال، إنَّ"هناك فرصة فريدة الآن لفهم أماكن وجود تلك الأنماط، وكيفية انعكاسها على أنماط الوصول إليها، أو أنماط غيابها."
هذا ما قاله "كينان" وزملاؤه، ولهذا يُصبح عملهم ملحاً بشكل كبير. وفي حالة بوسطن، وجد هؤلاء الباحثون أنَّ الأموال المُخصَّصة حالياً للتوسُّع، ستُستخدم بشكل أفضل في تحسين نظام تصريف الفيضانات حول محطات محدَّدة ذات حركة مرورية كثيفة في مناطق منخفضة، مثل محطة "يوماس/جيه إف كيه" في دورشيستر، التي يقطن بها السكان أصحاب الدخول المنخفضة.
قضايا مُربكة
وردَّاً على ذلك، قال جو بيساتورو، المتحدِّث باسم هيئة النقل في خليج ماساتشوستس بمدينة بوسطن، إنَّ الهيئة "كانت تعطي الأولوية لمرونة المناخ في برامج تمويل رأس المال لديها، ولبناء المرونة في جميع المشاريع،" مضيفاً أنَّها عملت عن كثب مع "ترانزيت لاب" في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على تطوير أداة نمذجة لتغيُّر المناخ، التي ستساعدها في تقييم نقاط الضعف.
ورأى بيساتورو أنَّه "من خلال هذه التقييمات، سنكون قادرين على تحديد التحسينات التي تعالج التأثيرات بشكل أفضل، لكي نضمن التصدّي إلى اعتبارات الإنصاف لدى ركَّابنا".
وتواجه هيئات النقل، وفقاً لـ"كارنيغي"، قضايا مربكة تتعلَّق بكيفية حلِّ المطالب المتنافسة على تقوية البنية التحتية، وتوسيع النظام، لكنَّه يشير أيضاً إلى حقيقة أكبر تتعلَّق بالتغلب على تأثيرات تغيُّر المناخ؛ ليس فقط من قبل هيئات حكومية معينة أو سلطات قضائية، بل من قبل مناطق بأكملها.
قال كارنيغي: "يجب أن تساهم هيئات النقل في إيجاد حلول لأمور مثل الغمر الناتج عن المياه، ولكنَّ المسألة الحقيقية تتعلَّق بكيفية قدرة بوسطن بأكملها على الصمود أمام ارتفاع مستوى سطح البحر.. إنَّ الأمر لا يتعلَّق فقط ببرنامج رأس المال التابع لهيئة النقل في خليج ماساتشوستس وحدها".