الرجل الذي هزم "شل".. كيف ربح محام غير معروف دعوى تاريخية؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
المحامي البيئي، روجر كوكس. - المصدر: بلومبرغ
المحامي البيئي، روجر كوكس. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

للدفاع عنها ضد نشطاء البيئة، استعانت شركة "رويال داتش شل" بفريق من كبار المحامين ممن يتقاضون أتعاباً باهظة. وبالرغم من ذلك، خسرت الشركة في محكمة هولندية. وربما يكون كتاب صدر قبل عشر سنوات، بسعر لا يتجاوز الـ22 دولاراً، قد ساهم بزيادة فرصة النشطاء في ربح هذه القضية.

كتاب بسيط ولكنه مؤثر

الكتاب الذي يحمل عنوان: "الثورة مبررة: لماذا يمكن للقانون فقط أن ينقذنا الآن؟"، لا يصنف من بين أكثر الكتب مبيعاً في متجر "كيندل" على موقع "أمازون" لبيع الكتب. إذ يسبقه قرابة 650 ألف كتاب آخر، إلا أنَّ هذا الكتاب الذي ألَّفه المحامي البيئي روجر كوكس، يعرض الحجج التي كانت جزءاً لا يتجزأ من انتصاره التاريخي على شركة النفط الأنجلو هولندية العملاقة، في 26 مايو الماضي.

إذ يشير الكتاب إلى ركيزتين معتمدتين في القضايا البيئية مثل الدعوى المرفوعة ضد شركة "شل". تتمثَّل الركيزة الأولى بوجود دليل قاطع على أنَّ ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية سينتج عواقب وخيمة على كوكب الأرض. وأنَّ أي شركة تتجاهل هذه الحقيقة، فهي تفعل ذلك بوعي، في حين ترتكز الحقيقة الثانية على تحمُّل الشركات لمسؤولية واضحة في ضمان بيئة صحية لمواطني العالم.

عواقب وخيمة

يقول كوكس، إنَّ الحاجة الملحة لخفض الانبعاثات تتفاقم، لأنَّه حتى إذا توقَّفنا عن إصدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون اليوم، فسوف يعاني الكوكب من العواقب الوخيمة الناتجة عنه على مدى عقود قادمة.

وبحسب المحامي البيئي، فإنَّ: "الضرر الذي ألحقته الدول والشركات متعددة الجنسيات بالمناخ أكبر بكثير مما يمكننا رؤيته الآن". كما يؤكِّد كوكس أنَّه سعى إلى جعل كتابه واضحاً بما يكفي لجذب اهتمام عامة الناس، ولكنَّه مقنع أيضاً بما يكفي ليسُتشهد به في المحكمة. وتابع: "إنَّ فهم هذا الموضوع ينطوي على أهمية قضائية كبيرة، ويجعل تدخل المحاكم أمراً ضرورياً".

قضية لاهاي

وبعد أربعة أيام من المجادلات، قبلت محكمة في لاهاي طرح كوكس للدلائل. وقضت أنَّه يتعين على شركة "شل" خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2019. وهي زيادة حادَّة تفوق نسبة الـ 20% التي كانت الشركة قد تعهدت بها سابقاً.

وقالت القاضية لاريسا ألوين أثناء إعلانها الحكم: "حتى لو لم تفعل الدول شيئاً أو لم تفعل سوى القليل؛ فإنَّ الشركات تتحمَّل مسؤولية احترام حقوق الإنسان".

من جهتها، تقول شركة "شل"، إنَّها ستستأنف الحكم، لأنَّها تشعر أنَّه خصها دون غيرها بصورة غير عادلة. لكنَّ الرئيس التنفيذي للشركة، بن فان بيردن، قال في التاسع من يونيو، إنَّ "شل" ستتخذ خطوات "جريئة لكن محسوبة" لتسريع منحى تحوُّل الطاقة لديها.

نصر كامل

مايكل برغر، المدير التنفيذي لمركز "سابين لقانون تغيُّر المناخ" التابع لكلية الحقوق بـ"جامعة كولومبيا"، الذي يقدِّم المشورة في الدعاوى القضائية ضد شركات النفط، يقول عن الدفاع الذي قام كوكس بإعداده: "يبدو أنَّه كان بمثابة النصر الكامل للمدَّعين، وكانت طبيعة المحكمة وطموحها في إلزام شركة "شل" بتقليل انبعاثاتها أمراً رائعاً".

يضيف برغر، أنَّه يتوقَّع من المحامين الذين يرفعون دعاوى قضائية مماثلة في الولايات المتحدة، الاستشهاد بالقضية ضدَّ "شل" كسابقة.

استراتيجية الدفاع

المحامي كوكس، 53 عاماً، استند في استراتيجيته الدفاعية إلى قضية رفعها في عام 2015. وكانت حينها ضد الحكومة الهولندية لصالح مؤسسة "أورغيندا"، وهي منظمة بيئية غير ربحية. وفي الحكم، ألزمت المحكمة حينها، الدولة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 25% عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2020. لكن هولندا لم تحقق الهدف. وهدَّدت مؤسسة "أورغيندا" برفع دعوى أخرى ضد الحكومة. يقول كوكس: "لولا قضية "أورغيندا"، لما استطعنا الانتصار على شركة "شل". إذا كنت لا تستطيع تحميل دولة المسؤولية عن تغيُّر المناخ، لما كان من الممكن تحميل تلك المسؤولية لشركة".

قضايا المناخ

تقول لورا برغرز، الأستاذة المساعدة في "جامعة أمستردام"، التي تدرس التقاضي المتعلِّق بتغيُّر المناخ، إنَّ تلك الدعاوى تسلِّط الضوء على الصعوبة التي تواجه السياسيين في معالجة هذه القضية. وبدلاً من ذلك، كان لا بدَّ للنظام القضائي في مختلف الدول، من التدخُّل لضمان أن تحظى المشكلة بالاهتمام الذي تحتاجه. تتابع برغرز: "تعتبر القضايا المعروضة على المحاكم دليلاً على فشل الحكومات".

بالنسبة إلى كوكس، الذي درس القانون في "جامعة لايدن" وعمل لاحقاً في مكتب محاماة كبير في روتردام القريبة؛ فإنَّ الانتصارات القانونية تعدُّ تتويجاً لرحلته الشخصية من اللامبالاة نحو القضايا البيئية إلى الفعالية بشأنها. كوكس، الذي انتقل من روتردام منذ عشرين عاماً، ليسكن في قرية أكثر هدوءاً في جنوب هولندا مع أسرته، يقول: "لقد كنت مهووساً بالسيارات فعلاً. وكنت أحد هؤلاء الأشخاص الذين يقولون إنَّ تغيُّر مستوى سطح البحر بمقدار سنتيمتر ارتفاعاً أو انخفاضاً لن يكون مهماً".

فيلم يصنع التغيير

وكانت رحلة كوكس نحو قضايا المناخ، بدأت مع فيلم قدَّمه آل غور بعنوان "حقيقة مزعجة". وكان وراء تحفيز إدراك كوكس نحو القضية. فبعد مشاهدة الفيلم الوثائقي الذي سلَّط الضوء على أخطار الاحتباس الحراري. تحمَّس المحامي للعمل، وقام بتنظيم عروض مجانية للفيلم عبر هولندا. ثم أنشأ مؤسسة غير ربحية تركِّز على قضية الاحتباس الحراري. وبعد دراسة السوابق القانونية في هذا الصدد، أدرك أنَّه كمحامٍ يمكنه إحداث التغيير الأفضل في الموضوع عبر ساحات القضاء، وقال: "إذا كان بإمكاني أن أتغيَّر، فبإمكان أي شخص أن يتغيَّر".

وبعد فوزه على الحكومة الهولندية في قضية "أورغيندا"، طلبت منظمة محلية ناشطة تدعى "الدفاع البيئي" من كوكس اتباع استراتيجية مماثلة ضد شركة "شل". فقبل المحامي البيئي القضية، وذلك بتمويل جزئي من المجموعة. ولدعم قضيته، سرعان ما وجد خطاباً في عام 2014، موجه من رئيس علاقات المستثمرين في شركة "شل" يعد فيه بأنَّ الشركة لن ينتهي بها الأمر إلى ما يسمى بـ"الأصول العالقة". وهي تلك المرافق والاحتياطيات التي لا يمكن استغلالها، بسبب انخفاض الاستهلاك أو بسبب الحواجز القانونية التي لا يمكن التغلُّب عليها.

ويقول كوكس، إنَّه من خلال القراءة بين السطور؛ كان واضحاً أنَّ "شل" تشير إلى أنَّها ستقرر وتيرة انتقالها إلى مصادر الطاقة المتجددة وفقاً لرؤيتها، وبغض النظر عن الاتفاقات الدولية بشأن أهداف خفض الانبعاثات. وأضاف أنَّ وجهة النظر تلك تعرِّض الشركة لانتهاك واجبها في الدفاع عن حقوق باقي المواطنين، وهو مبدأ قانوني مهم في العديد من الدول.

الرؤساء التنفيذيون يتحملون مسؤولية

بعد ذلك بعامين، وعقب مرور فترة وجيزة على توقيع اتفاقية باريس للمناخ، شكَّك فان بيردن، الرئيس التنفيذي لشركة "شل"، في إمكانية الحدِّ من الاحترار العالمي بمقدار درجة ونصف أو حتى درجتين. وفي حديثه أثناء استضافة له في البرنامج الإخباري الهولندي "ساعة الأخبار"، شدَّد بيردن على أنَّ شركته "ستضخُّ أكبر قدر ممكن من النفط لتلبية الطلب".

من جهته، يقول كوكس إنَّ جبهة المعركة التالية في التقاضي بشأن تغيُّر المناخ ستصبح على مستوى شخصي على الأرجح. وخلال الاجتماع السنوي لشركة "شل" الذي عقد في مايو، تمَّ تقديم اقتراح من مجموعة مساهمين بأن تسعى الشركة إلى تحوُّل أكثر قوة عن الوقود الأحفوري، وقد حصل حينها على دعم 30% من المساهمين فقط، على الرغم من أنَّ خطةً من الإدارة حظيت بدعم 89% من المساهمين.

وبحسب تصوُّر عملاق النفط المقترح للتحوُّل نحو الطاقة النظيفة؛ فإنَّ الشركة تعمل على توسع كبير في مجال الطاقة النظيفة. ولكن أيضاً ستستمر بإنتاج النفط والغاز لعقود أكثر.

وبالنسبة إلى كوكس، فقد حان وقت العمل الآن. وإذا لم يقم رؤساء "شل" ومسؤولو شركات النفط الأخرى بذلك؛ فإنَّه يجب تحميلهم المسؤولية الشخصية عن فشلهم في معالجة تغيُّر المناخ، ذلك بحسب ما قاله المحامي البيئي.

وتابع كوكس: "يجب أن يتحمَّل الرؤساء التنفيذيون المسؤولية ليشرحوا للمساهمين عن سبب وجوب تسريع عملية التحوُّل هذه"، وتابع: "يتمُّ تضييق الخناق عليهم يوماً بعد يوم".

تصنيفات

قصص قد تهمك