تعهد الكثير من شركات النفط الرئيسية بتقليل استخراج الوقود الأحفوري الأساسي نتيجة الضغوط المتزايدة عليها، لكنها حذرت من أن النتيجة قد لا تكون انخفاضا في الانبعاثات العالمية.
وكتب بن فان بيوردن، المدير التنفيذي لشركة "شل"، الأسبوع الماضي على لينكد إن: "تخيلوا أن "شل" قررت التوقف عن بيع البنزين والديزل اليوم، فهذا بالتأكيد سيخفض انبعاثاتها الكربونية.. لكنه لن يساعد العالم إطلاقا، ولن يتغير الطلب على الوقود، وسيملأ الناس سياراتهم وشاحناتهم بالوقود في محطات خدمة أخرى".
وهذه ليست حجة جديدة، فقد ارتفع الطلب على النفط تاريخيا، وهو اتجاه استغله القطاع منذ فترة طويلة لتبرير سبب حاجته لمواصلة توريد البترول حتى مع تحوله إلى الطاقة النظيفة.
وهناك خطر حقيقي يتمثل أن تذهب الحصة السوقية التي تتنازل عنها شركات البترول العالمية العملاقة مثل "شل" إلى شركات البترول الوطنية الأقل شفافية في الإبلاغ عن الانبعاثات وأقل مساءلة أمام المستثمرين من القطاع الخاص، لكن هذه المرة قد تكون مختلفة مع تزايد عدد المقتنعين بأن ذروة الطلب على البترول قد تكون وشيكة.
كما أن بيئة الأعمال مواتية لخفض الانبعاثات، وتستفيد المرافق وشركات صناعة السيارات بالفعل من الانخفاض المستمر في تكاليف الكهرباء المولدة من مصادر متجددة وبطاريات الليثيوم أيون، ويتبنى المساهمون، مثل أولئك الذين صوتوا لصالح ثلاثة مديرين مهتمين بالمناخ في شركة "اكسون موبيل كورب"، والمحاكم، مثل المحكمة الهولندية التي أمرت "رويال داتش شل" بخفض الانبعاثات بنسبة 45% العقد الجاري، وجهة نظر تقول إن شركات النفط والغاز بحاجة لتنظيف أعمالها لتحسين الربحية ومساعدة العالم على تحقيق الأهداف المناخية.
خطوة للأمام
تأخذ شركات النفط خطوة أخرى للأمام ولكن على الجانب الآخر والمتعلق بالطلب، فقد كتب فان بيوردن: "نحتاج إلى العمل معا ومع المجتمع والحكومات وعملائنا لإحداث تغيير حقيقي وذو معنى في نظام الطاقة العالمي.. وينبغي أن يشمل هذا التغيير جانب الطلب على الطاقة القائمة على الكربون وليس فقط جانب العرض".
لذا ما الذي يمكن أن تفعله شركة البترول لتقليل الطلب على النفط؟.
هناك ثلاث خطوات على الأقل:
- الاستثمار في التكنولوجيات النظيفة.
- التحول نحو أعمال الطاقة النظيفة.
- الضغط من أجل سياسات المناخ.
تقول "برايس ووترهاوس كوبرز" إن شركات الطاقة تنفق - كحصة من الإيرادات - أقل الأموال على البحث والتطوير، وما يثير القلق هو أنه حتى إنفاق الحكومات على البحث والتطوير لم يزد بقدر كبير، حسبما تظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية، ومن شأن توفير الأموال أن يسرع الابتكار الذي بدوره سيسرع انتقال الطاقة.
أيضا يمكن أن تستثمر شركات النفط في أعمال الطاقة النظيفة، مثل توليد الكهرباء من المصادر المتجددة وتوزيعها، وشحن المركبات الكهربائية، ووقود الطائرات المستدام، والهيدروجين منخفض الكربون، وتكنولوجيات أسر الكربون وتخزينه.
الأمر لن يكون بمثابة تحول فوري، فعلى سبيل المثال لا تزال تعاني السيارات الكهربائية من انفجارات، وقد يستحسن بشركات البترول أن تعوض الإيرادات المفقودة من بيع البنزين إلى السيارات ذات محركات الحرق الداخلي من خلال تشغيل المركبات الكهربائية، لكن تكمن المشكلة في أن شبكات الشحن السريع من المحتمل أن تكون مسؤولة فقط عن أقل من نصف الطاقة التي تحتاجها المركبات الكهربائية، وفقًا لتقديرات "بلومبرغ NEF".
علاوة على ذلك، نظرا لأن المركبات الكهربائية عالية الكفاءة، فهي تحتاج نصف الطاقة التي تحتاجها السيارات التقليدية لقطع نفس عدد الأميال، ومن المعروف أن هامش أرباح الكهرباء أقل من أنواع الوقود الأخرى، وفقا لريان فيشر، المحلل في "بلومبرغNEF"، وهو ما يعني أن شركات النفط سينتهي بها الأمر لتورد طاقة أقل لكل سيارة كهربائية وتجني أرباحا أقل على الطاقة التي توردها.
الفرص التجارية للطاقة النظيفة
قد تبدو الحسابات محبطة لكنها ليست كلها سيئة، ويمكن أن تتمتع شركات النفط التي تدخل سوق شحن السيارات الكهربائية مبكرا بحصة من السوق أكبر من تلك التي كانت تخدم من خلالها سيارات محركات الحرق الداخلي، ويمكن إجراء حسابات مشابهة للكهرباء من المصادر المتجددة التي يمكن أن تحل محل محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، أو وقود الطائرات المستدام كبديل لأنواع الوقود التقليدية.
بالتأكيد، توفر تكنولوجيات مثل الهيدروجين منخفض الكربون تدفقات جديدة من الإيرادات، وسيكون مصنع الصلب الذي يستبدل الفحم بالهيدروجين هو عميل محتمل لشركة بترول، كما أن شركة الأسمنت التي تحتاج إلى مساعدة في نقل ودفن ثاني أكسيد الكربون هي بمثابة فرصة تجارية، ومع ذلك، لا تزال تلك الصناعات وليدة أو غير موجودة بعد، ويقول ديفيد دوهرتي، من "بلومبرغ NEF": "تلك هي المجالات التي يتعين على شركات النفط أن تستخدم قوة ضغطها فيها من أجل إيجاد سياسات تعزز تلك الأعمال".
فقد أثبتت شركات النفط الكبرى عبر التاريخ أنها تستطيع الضغط بنجاح على الحكومات لإبطاء تنظيمات خفض الانبعاثات، وليس من الصعب أن نتخيل أن بإمكانهم فعل العكس، وكما قال مارك فان بال، الذي أسس مجموعة الناشطين والمستثمرين "فولو ذيس" (Follow This"): "الناس لا تريد الوقود الأحفوري.. الناس تريد الطاقة، وخاصة الطاقة النظيفة".