عن طريق الصدفة.. شركة أمريكية تتوصل لحل مشكلة مُخلفات الأزياء

time reading iconدقائق القراءة - 7
التأثير المناخي الإيجابي، يعد نقطة بيع رئيسية عند تسويق المنسوجات المعاد تدويرها. - المصدر: بلومبرغ
التأثير المناخي الإيجابي، يعد نقطة بيع رئيسية عند تسويق المنسوجات المعاد تدويرها. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يمكن القول إن أعمال هذه الشركة قد بدأت بطلب ارتجالي.

حيث كان كل من رائدا الأعمال، بيتر ماجيرانوفسكي وكونور هارتمان، يختبران إعادة تدوير مخلفات زراعة التبغ من السيقان الليفية، باستخدام الضغط الحراري المائي، وذلك لتحويلها إلى مادة لب الورق.

ثم تلقيا اتصال من شركة سويدية لتجارة السلع، التي طرحت عليهما فكرة أخرى. فيتذكر ماجيرانوفسكي سؤال الشركة بوضوح: "مرحباً، هذا اللب الذي تقومان بصناعته رائع، ولكن هل تستطيع الآلة ذاتها إعادة تدوير قميص؟".

مزيج الأقمشة

وبالفعل، نفذ هارتمان وماجيرانوفسكي العمل على طلب الشركة. ولحسن الحظ، نجح الأمر.

والأهم من ذلك، أن التجربة نجحت في إعادة تدوير مزيج قماش من البوليستر والقطن، وهو النسيج الأكثر شيوعاً في صناعة الأزياء العالمية. وحتى وقت قريب، كان من شأن أي عملية إعادة تدوير تحافظ على بوليمرات البوليستر أن تؤدي إلى تدهور ألياف القطن، والعكس صحيح. وقد أدى ذلك إلى تراكم كبير في مخلفات الأقمشة.

ووفقاً لتقرير أصدرته مؤسسة "إلين ماك آرثر" عام 2017، فإنه في كل ثانية، يتم إحراق حجم شاحنة كبيرة من الملابس والمنسوجات، أو يتم رميها في مكب للنفايات.

وتمكنت شركة هارتمان وماجيرانوفسكي، ومقرها فيرجينيا، من القيام بذلك. وقال ماجيرانوفسكي إن العمل تغير بين عشية وضحاها: "فجأة، أصبح لدينا عملاء محتملون في صناعة الأزياء من العلامات التجارية التي تراها في أي مركز تجاري في أي مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهم الذين ينشدون حلاً مستداماً لإعادة تدوير المنسوجات المزدوجة".

حلٌ مستدام

وتنطوي عملية شركة "سيرك" على استخدام مزيج يجمع بين الماء والحرارة والضغط والمواد الكيميائية التي تكسر وتنقي ألياف النسيج، وتستعيد 90% من المواد الأصلية. ولقد أعادت الشركة حتى الآن، تدوير حوالي 12 طناً من نفايات الملابس، لكن المؤسسين المشاركين يقولان إن لديهما القدرة على تدوير طنين يومياً بمجرد تكثيف شراكاتهم. وتعد شركتا "باتاغونيا" لصناعة ملابس الرياضات الخارجية وشركة "ماروبيني" التجارية اليابانية من بين المستثمرين، حيث تقوم "باتاغونيا" بتدوير بعض ملابسها البالية من خلال ماكينات شركة "سيرك" بالفعل.

من جهة أخرى، يتوقع الشريكان البدء في إنتاج الملابس المعاد تدويرها بالكامل في وقت لاحق من هذا العام. وذلك من خلال التعاون مع مؤسسة "فاشون فور غود"، التي تعمل مع العلامات التجارية الكبرى وتجار التجزئة مثل "كيرينغ غروب" و"تارغت" لتعزيز الممارسات والتقنيات المستدامة في المجال.

وقال غريغ كيرتس، المستشار الاستثماري العام لشركة "باتاغونيا"، إن الشركات الأخرى تستخدم عمليات مماثلة تنطوي على استعمال الكيمياء الحيوية أو الضغط الحراري لإذابة المواد القديمة، لكن تميز "سيرك" يأتي من قدرتها على التعامل مع الأقمشة المختلطة. وأضاف: "عندما تنظر إلى إجمالي سوق الأزياء السريعة القابل للمعالجة، والنفايات متعددة الأقمشة الممزوجة الناتجة عنه، فترى أن هذه النقطة هي ما يميز الشركة حقاً".

بداية بعيدة عن عالم الأزياء

يذكر أن "سيرك" قد بدأت في عام 2010، عندما انتهى عمل ماجيرانوفسكي السابق مع مجموعة استثمارية خارجية بسبب انهيار السوق. ليصبح مهتماً بعدها بالوقود الحيوي. ثم التقى لاحقاً بهيلاري كوبروفسكي، وهو عالم المناعة البولندي المعروف بعمله الرائد في تطوير لقاح ضد شلل الأطفال.

وفي ذلك الوقت، كان كوبروفسكي يبحث فيما إذا كانت نباتات التبغ، التي تنمو بسهولة وتتمتع بجينات معروفة جيداً، يمكن تعديلها وراثياً لإنتاج أجسام مضادة لصنع لقاح. (في عام 2014، استخدم علماء الهندسة الوراثية نباتات التبغ لابتكار لقاح "زيماب" للإيبولا، على الرغم من عدم مشاركة كوبروفسكي).

وأثناء عمله في المختبر، بدأ كوبروفسكي في البحث عن إجابة لسؤال آخر، وهو إذا ما كان من الممكن تعديل نباتات التبغ وراثياً بطريقة ما لإنتاج أجسام مضادة، فهل يمكن تعديلها بطرق أخرى، على سبيل المثال، لإنتاج بدائل كيميائية للوقود الأحفوري؟

وفي عام 2011، أنشأ ماجيرانوفسكي و كوبروفسكي شركة "تايتون بايوساينسز" لتحقيق دخل من أبحاثهم. ثم انضم هارتمان لقيادة العمليات في عام 2013. (بعد وفاة كوبروفسكي في عام 2013، أعيدت تسمية الشركة لتصبح "سيرك" في عام 2020). وكان هارتمان قد عمل سابقاً في السياسة الدولية مع منظمات مثل "مركز كارتر"، وكان قد أعلن عن رغبته الشديدة في إيجاد طريقة جديدة لتطوير الوقود وخلق الوظائف دون الإضرار بالبيئة. وحول ذلك، قال هارتمان: "أردنا ابتكار شيء بإمكانه بث الحياة في المجتمعات الريفية".

من الوقود الحيوي إلى قمصان البوليستر

ما تبع ذلك كان فترة من البحث والتجديد.

وفي حدود عام 2016، فقد المستثمرون الاهتمام بالوقود الحيوي، لذلك بدأ ماجيرانوفسكي وهارتمان في البحث عن طرق جديدة لتطبيق التكنولوجيا التي طوروها. وقادتهم محادثة مع مزارعي ولاية "كنتاكي" إلى فكرة لب الورق، فقرر الشريكان أن يلعبا دوراً في صناعة التعبئة والتغليف. ثم جاءت تجربة القميص. وقال ماجيرانوفسكي: "لم يكن اللب يقدم حلاً لحاجة ماسة. "ماكدونالدز" كانت تريد مناديل مصنوعة من الورق المعاد تدويره، لكن حاجتها إليه ليست بقدر الضغط الذي تتعرض له صناعة الملابس والأزياء".

وقال روب كابلان، مؤسس شركة "سيركيوليت كابيتال"، التي تستثمر في تقنيات إعادة التدوير المشابهة لما تقوم به شركة "سيرك"، إن الطلب على البوليستر هو المحرك الرئيسي لاستخراج البتروكيماويات. ولكن نظراً لأن البوليستر الجديد أرخص من كل من البوليستر المعاد تدويره والألياف الطبيعية، لم يكتشف أحد كلمة السر لجني الأموال من المواد المعاد تدويرها".

من جانبها، لم تكشف شركة "سيرك" عن سعر أقمشتها المعاد تدويرها بعد. وبالمثل، لم تعلن أقرب منافسيها، وهي إحدى الشركات التابعة لـ "إتش آند إم" لأزياء الموضة السريعة، عن أسعارها أيضاً. لكن كلاهما يقول إن تكلفة المنسوجات المعاد تدويرها يجب أن تكون مماثلة للجديدة.

ملابس مستدامة

وفيما قد يكون التأثير المناخي الإيجابي نقطة بيع رئيسية عند التسويق للمنسوجات المعاد تدويرها تجارياً. فإن إثبات ذلك سيكون صعباً. نظراً للنقص الكبير جداً في بيانات صناعة الأزياء البيئية، فلا يوجد خط أساس مقبول بشكل عام يمكن القياس عليه. وقالت ماكسين بدات، مؤسسة "نيو ستاندرد"، التي تنشر موارد الاستدامة للمصممين: "ما نحتاج حقاً إلى رؤيته من هذه الشركات هو الإفصاحات. نحتاج إلى معرفة مدى روعة هذا الابتكار من حيث الأرقام الخاصة بانبعاثات الغازات الدفيئة، وحتى الآن لم نحصل على ذلك".

في الوقت الحالي، تركز شركة "سيرك" على النمو. ووصف ماجيرانوفسكي وهارتمان الوضع الحالي في مجال عملهم بكونه أشبه بمن يأتي أولا "الدجاجة أو البيضة"، حيث لا ترغب أي شركة في جمع وفرز نفايات الملابس لإعادة تدويرها، حتى تضمن مشترٍ للمنسوجات التي تنتجها. وعن ذلك، قال ماجيرانوفسكي: "الحل الذي نطرحه الآن، هو توسيع نطاق الأعمال، بشكل يصبح معه العمل منطقياً".

وتابع: "إن الأمور تسير بسرعة. كنا نمزح سابقاً حول إعادة تدوير القمصان وأهميتها". ولكن الآن هما على يقين من أهمية الأمر.

تصنيفات

قصص قد تهمك