إذا كنت تريد أن تفهم لماذا يبدو أنَّ إندونيسيا تدير ظهرها للوقود الأحفوري، بشكل أسرع من جارتها أستراليا الأكثر ثراءً، فيمكنك أن تفعل ما هو أفضل من النظر إلى ذكاء وحكمة مغني الروك الأمريكي "ديفيد لي روث".
من المفترض أنَّ مغني "فان هيلين" الذي قاسى الأمرين قال ذات مرة: "كنت أعاني من مشكلة مخدرات. الآن أنا أكسب ما يكفي من المال".
هذا درس حول السياسة المالية، بقدر ما هو حول موسيقى "الروك أند رول".
وقف محطات كهرباء الفحم
لا تمتلك البلدان متوسطة الدخل، مثل إندونيسيا ببساطة الأموال التي تهدرها على الانغماس في العادات المكلفة، مثل دعم صناعة الوقود الأحفوري التي أصبحت على شفا الانحدار السريع. كما يمكن للدول الأكثر ثراء، مثل أستراليا، أن تكون أكثر تساهلاً.
على النقيض من بعض الإعلانات الصادرة عن أكبر مصدرين للفحم في العالم في الأشهر الأخيرة. قال مسؤول كبير في جلسة برلمانية يوم الخميس (27 مايو)، إنَّ اندونيسيا ستوقف تطوير محطات توليد الطاقة بالفحم، باستثناء تلك التي تمَّ تمويلها بالفعل، أو هي قيد الإنشاء.
وقيل، إنَّ شركة المرافق الحكومية "بي تي بيروساهان ليستريك ناغارا" ستغلق جميع مصانع الفحم الخاصة بها بحلول عام 2056، في جلسة الاستماع نفسها.
ضريبة كربون
ليس هذا كل شيء. تدرس الدولة فرض ضريبة الكربون التي ستُطبَّق على وقود السيارات، والمنشآت الصناعية الكبرى، وهو بعيد كل البعد عن الوضع الحالي، الذي يدعم الكربون من خلال فرض سعر أقل للطاقة المتجددة مما يُدفع للمولِّدات التي تعمل بالفحم.
بدأ سوق الكربون التجريبي العمل في مارس. وضع رئيس إندونيسيا "جوكو ويدودو" في بداية مايو خططاً لخفض انبعاثات 2030 بنسبة 29% عن مستوى عام 2010.
الإنفاق على الطاقة في أستراليا
لا يمكن أن يكون الوضع في أستراليا أكثر اختلافاً. خلال الشهر الماضي وحده، أعلنت "كانبيرا" عن 4.9 مليار دولار أسترالي (3.8 مليار دولار) لإنفاق جديد على الطاقة، بما في ذلك ما يصل إلى 2.4 مليار دولار أسترالي لترقية وضمان الحدِّ الأدنى من الأسعار لمصافي النفط المتبقية في البلاد، و 600 مليون دولار أسترالي للدولة، والمملوكة لمحطة طاقة غازية لا يحتاجها السوق.
سيذهب 69 مليون دولار أسترالي فقط من الإجمالي إلى مشاريع تمَّ تحديدها بوضوح على أنَّها خالية من الكربون.
هناك مزيد من الإعانات التبادلية في المستقبل القريب. قال وزير الطاقة "أنغوس تايلور" في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء، إنَّ تصميم سوق الكهرباء في البلاد يجب تغييره لتشجيع المولِّدات التي تعمل بالفحم والغاز على الاستمرار في العمل، وضمان "طاقة موثوقة" للشبكة.
بعد بضع ساعات، أدت سلسلة من الأحداث الناجمة عن حريق في محطة "كاليد" (Callide) للفحم في ولاية "كوينزلاند" إلى استنزاف 3.1 غيغاواط من التوليد، مما أثَّر على 470 ألفاً من مستخدمي الطاقة، وأغلقت إحدى وحدات التوليد الأربع بالمحطة لمدة عام. يجب أن يكون الحل هو المزيد من طاقة الفحم، وفقاً لوزير الموارد السابق مات كانافان، الذي قال في تغريدة:
يبدو أنَّه سيكون هناك "فصل للأحمال" في بريسبان الليلة لإبقاء الأضواء مضاءة. هذا يعني أنَّه سيتمُّ إطفاء الطاقة بشكل عشوائي. هذا غير مقبول. يجب بناء محطة جديدة لتوليد الطاقة بالفحم الآن!.
جفاف موارد دعم الفحم
تمثِّل إحدى طرق النظر إلى ما يحدث في أنَّ إندونيسيا ببساطة، لا تستطيع دعم قطاع الوقود الأحفوري ببذخ، مثل أستراليا.
تدفع الحكومة 6.4% على ديونها لأجل 10 سنوات، مقارنة بـ 1.7% في أستراليا. بعد ما يقرب من عقد من العجز في الحساب الجاري، فإنَّها تعتمد على رأس المال الأجنبي لتمويل البنية التحتية الرئيسية؛ لكن اليابان وكوريا الجنوبية، وهما من أكبر الممولين لمحطات الطاقة العاملة بالفحم الإندونيسي، تنسحبان من هذا المجال.
قال أديتياني بوتري، المدير التنفيذي للوبي تحويل الطاقة المحلي "سيرا" (Cerah): "إنَّ التغيير الدراماتيكي في الرواية السياسية ناتج حقاً عن إدراك أنَّ تمويل الوقود الأحفوري، خاصة لمحطات توليد الطاقة بالفحم، وكذلك تمويل تعدين الفحم، آخذ في الجفاف" بسرعة. بدأ الشعور بكل هذا الضغط على الفحم داخل دوائر النخبة".
تراجع تكلفة الطاقة المتجددة
علاوةً على ذلك؛ فإنَّ تكاليف الطاقة المتجددة التي كانت لسنوات من بين أقل التكاليف تنافسية في العالم بدأت أخيراً في تقليص أسعار الفحم المحلي الرخيص.
كما ستنخفض تكلفة الطاقة من محطات الطاقة الشمسية الجديدة إلى أقل من تكلفة مولِّدات الفحم الجديدة العام المقبل، وستنخفض بمقدار الثلث تقريباً بحلول عام 2025، وفقاً لتوقُّعات "بلومبرغ إن إي إف".
من خلال إظهار الاقتصاديات المنهارة للقوة الأحفورية الإندونيسية على أنَّها طموح مناخي، يمكن لـ"ويدودو" أن يدَّعي فوزاً دبلوماسياً دون الاضطرار إلى إزعاج العديد من المصالح الخاصة.
استخدام الفحم يتراجع أيضاً في أستراليا
في الحقيقة، ربما يكون البَلدان أقرب مما يبدو عليهما. وبغضِّ النظر عن تبجُّح السياسيين الأستراليين في استخدام الفحم؛ فإنَّ التحوُّل المتجدد في البلاد يميل إلى التقليل من الوعود، والإفراط في التسليم.
انخفضت حصة الوقود الأحفوري من توليد الكهرباء على الشبكة الرئيسية بنحو 8.4 نقطة مئوية منذ وصول الحكومة الحالية إلى السلطة في عام 2013، وتمثِّل أقل من 2% من 5.3 غيغاواط من قدرة التوليد الملتزمة أو الموسَّعة الجارية.
وعودٌ تحتاج إلى الفعل
في غضون ذلك، تميل إندونيسيا إلى المبالغة في الوعود وعدم الوفاء بها. فمِن بين 35 غيغاواط من الطاقة التي تعمل بالفحم في الغالب؛ تعهَّد "ويدودو" في عام 2015 بالربط في غضون خمس سنوات، ولم يتم بناء أي شيء تقريباً. كما يولِّد أسطول الوقود الصلب الطاقة نصف الوقت تقريباً، وهي المستويات التي تكافح فيها محطات الطاقة فيها لكسب المال.
بدون إدراج خطط إزالة الكربون في القانون، ليس هناك ما يضمن أنَّ طموحات "ويدود" الجريئة ستستمر على المدى الطويل.
إندونيسيا هي واحدة من الأماكن القليلة على وجه الأرض، إذ يمكن لطاقة الفحم الجديدة أن تتنافس بشروط تجارية بحتة مع مصادر الطاقة المتجددة باعتبارها أرخص مصدر للكهرباء.
في وقت لاحق من هذا العقد، عندما يرتفع الطلب على الكهرباء إلى درجة الحاجة إلى قدرة توليد جديدة مرة أخرى، ليس هناك ما يضمن أنَّ طاقة الفحم لا تشهد نهضة متأخرة، في ظلِّ غياب إجراءات دولية متضافرة لدعم البدائل.
وبرغم جميع الاختلافات الخطابية، يتمُّ دفع كلا البلدين في النهاية في الاتجاه نفسه من خلال الاقتصاد الخام.
تكافح الأعمال التجارية القائمة على التعدين، وسحب وحرق الصخور الثقيلة لبثِّ الإلكترونات من أجل البقاء في كلِّ مكان تتمكَّن فيه مصادر الطاقة المتجددة الخالية من الوقود من ترسيخ جذورها على نطاق واسع.
أولئك الذين يأملون في مستقبل الفحم على المدى الطويل يجب أن ينتبهوا لذلك. كما أنَّ أكثر المدافعين قوة في الصناعة، يكافحون أيضاً للحفاظ على اللهب مشتعلاً.