بلومبرغ
في شهر مارس الماضي، عندما كشفت شركة "بي أم دبليو" عن الجيل القادم من سياراتها الكهربائية من طراز (i4)، وسيارتها من طراز الدفع الرباعي (iX)، أثار تصميم السيارتين حينها نقاشاً واسعاً لا يقلُّ عن النقاش حول إمكانياتها الكهربائية.
فقد ظهرت على مقدمة كلا الطرازين، السمة الأبرز لتصاميم "بي أم دبلو" المتمثِّلة بالشبكة الثنائية التي تشبه شكل كل واحدة منها الكلية. إلا أنَّ هاتين الشبكتين كانتا أكبر بكثير في نماذج السيارات العاملة بالوقود، كما أنَّ لدى الشبكتين الجديدتين زوايا حادة، وليست منحنية كالعادة.
كذلك حلَّت زخرفة شبكية لامعة، مكان القضبان العمودية التي تعرف بها العلامة التجارية. إلا أنَّ هذه التغييرات خلقت نوعاً من المفارقة. فمع عدم وجود محرِّك خلف هذا النقش الشبكي، أو مبرد لسحب الهواء، فلماذا إذاً تكلَّفت الشركة كل هذا العناء؟
على أنَّ دوماغوج دوكيك، المسؤول عن التصميم في شركة "بي أم دبليو" أوضح أنَّ: "الشبكات ذات شكل (الكلية) المميز، ليست مجرد نظام تبريد هوائي، بل هي السمة الأبرز التي تفرق بيننا وبين منافسينا".
إعادة تصميم
ولم تكن شركة "بي أم دبليو" الوحيدة التي قامت بهذه التغييرات. فمع انتقال شركات صناعة السيارات ذات التاريخ القديم والحافل إلى انتاج السيارات الكهربائية، برز توجُّه إعادة تصميم الشبكات الأمامية بطرق مألوفة وغريبة في الآن نفسه.
فمن المقرر أن يبدأ انتاج سيارة "هامر" الكهربائية الجديدة من شركة "جي إم سي"، على سبيل المثال، في الخريف القادم، وستتميَّز هذه السيارة كذلك، بشبكة جديدة، معاد تصميمها، ومستوحاة من الشبكة الأمامية ذات الفتحات السبع في سيارات الدفع الرباعي الشهيرة. وكانت شركة "جنرال موتورز" قد واجهت شركة "كرايسلر" في تحد قبل عقدين من الزمن، حول حقوق استخدام الفتحات السبع، التي تعدُّ أيضاً سمة مميزة لسيارة "جيب"، وقد نجحت "جنرال موتورز" في الحفاظ على حقِّها باستخدم هذه الشبكات حينها.
لكن اليوم، تخلَّت شركة "جنرال موتورز" عن الفتحات السبع في شبكاتها هذه المرة. واستخدمت بدلاً من ذلك حروفاً كبيرة من ستِّ قطع تمثِّل كلمة "هامر". وإذا تمعَّنت جيداً في الشكل، فيمكنك رؤية سبع فتحات بين قطع الحروف. ويقول ريتش شير، مدير التصميم لسيارة "هامر" الكهربائية: "إنَّنا نلعب على التصميم ونستمتع به، فهو نوع من أنواع الخداع البصري".
تصاميم استعراضية
ولا تستخدم سيارة "هامر" الجديدة، مثلها مثل سيارات "بي أم دبليو" الكهربائية، المساحة الموجودة فوق مضاد الصدمات لأغراض التبريد. إذ يقول شير: "هناك حجرة تخزين ضخمة خلف ما تظن أنَّه الشبكة. يمكنك أن تضخَّ الهواء هناك، إلا أنَّك تقوم حينها بتبريد مساحة فارغة". وفي حين تستخدم سيارتا "بي أم دبليو" من الطراز (i4) و(iX) شبكات جديدة لإخفاء الكاميرات وأجهزة الاستشعار الأخرى، فإنَّ الأحرف الموجودة في مقدِّمة سيارة "هامر"، هي لهدف الاستعراض فقط.
ويقول شير: "تعاملنا مع عنصر الإضاءة العلوي في المقدِّمة على أنَّه عرض رائع في التصميم". إذ تضيء كلمة "هامر" في المقدِّمة عندما يقترب السائق حاملاً مفتاح السيارة. وكانت الفكرة، كما يقول شير، هي جعل السيارة الأمامية تعمل كهاتف "أيفون"، إذ تبدو فارغة وباهتة عندما لا تستخدمها، ومرحبة ومشرقة عند اقترابك منها.
وتتمثَّل الوظيفة الأساسية للشبكات في سيارات "بي أم دبليو"، و"هامر" الكهربائية، بدعم العلامة التجارية للشركتين، التي في كلتا الحالتين، هي علامة تجارية أسست سمعتها من السيارات ذات محرِّك الاحتراق.
أفضلية سيارات "تسلا"
وبما أنَّ شركة "تسلا" كانت أول من يبيع مئات الآلاف من المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة، فقد حصلت على امتياز تحديد توقُّعات المستهلك بشأن الشكل المفترض أن تبدو عليه السيارة الكهربائية. إذ لم يضطر مصمِّموها للقلق بشأن الشبكات المعروفة التي عهدها المستهلكون في السيارات الأخرى.
وفي عام 2016، عندما قامت شركة "تسلا" بترميم وتغيير تصميم سيارتها من الطراز "إس"، أو إجراء عملية تجميل لها كما يعرف بين ملاك هذه السيارة، استبدلت الشركة الشكل البيضاوي الأسود اللامع في المقدِّمة بتصميم ينساب مع كامل هيكل السيارة.
كما أنَّ الواجهة الجديدة للطراز "إس" تشبه الواجهة الخاصة بالطراز "إكس" الذي تمَّ إطلاقه مؤخراً، والطراز 3 الذي سيتمُّ إطلاقه قريباً. في حين يعدُّ تصميماً جمالياً متناسقاً وواضحاً يدل على العلامة التجارية. إذ يظهر المكان الذي يخصص عادة للشبكات بشكل أملس ومتسق مع تصميم السيارة، في حالة "تسلا". وينطبق ذلك على طراز "واي" كذلك. وعن ذلك يقول إريك نوبل، رئيس شركة "كار لاب" لاستشارات السيارات: "لا يتعلَّق الموضوع بعدم وجود شبكة، بل برفض وجودها".
الحاجة إلى الشبكات
ويتناسب التصميم المنساب بشكل جيد مع هوية "تسلا" المبتكرة. فصانع السيارات المعادي لصناعة السيارات، صمم سيارات معادية للشبكات الأمامية كذلك. وهو ما ساعد في إعطاء انطباع أنَّ السيارات الكهربائية لا تحتاج إلى شبكات. وفي حين أنَّ مجموعات نقل الحركة الكهربائية لا تولِّد قدراً كبيراً من الحرارة، مثل محرِّكات الاحتراق الداخلي، إلا أنَّ المركبات الكهربائية ما تزال بحاجة إلى امتصاص الهواء لتبريد المحرِّكات والبطاريات، خاصة في النماذج عالية الأداء.
ويقول غوردون بلاتو، المصمم الرئيسي لسيارة "فورد موستانغ ماك-إي" الكهربائية الجديدة: "لقد أدهشني حقاً مقدار التبريد الذي تحتاجه السيارة". ولكن مع وضع البطاريات والمحركات عادةً على طول الجزء السفلي من السيارة، فمن المنطقي سحب هذا الهواء من الأسفل (انظر عن كثب إلى أيِّ سيارة "تسلا"، وسترى شبكة مخفية تحت مضاد الصدمات). كما أنَّ نعومة التصميم من الأمام وانسيابه يساعدان في دعم الديناميكا الهوائية، الذي يعني بشكل مباشر سرعة أكبر للسيارة.
وفي حين أنَّ شركة "تسلا" أخفت الشبكات في تصاميم سياراتها، فقد قام بعض صانعي السيارات القدامى فعلياً بتغطية فتحات الشبكات في إصداراتهم الكهربائية. فمثلاً، إصدارات المركبات الكهربائية بدأت من "كونا" التابعة لشركة "هيونداي"، و"نيرو" من "كيا"، و"إكس سي 40" الرباعية الدفع من "فولفو"، تتميز جميعها بألواح تغطي المساحة التي توجد فيها الشبكات عادة.
فقد صممت هذه السيارات، لتقول مقدِّمتها بوضوح للمستهليكن: هنا، لا يوجد محرِّك يستهلك الكثير من الوقود!.
دوافع المستهلكين
ويعدُّ هذا النوع من الإشارات مهماً بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين يمكن وصفهم بالمقتنين الأوائل. وهم ممن إذا اشتروا سيارة كهربائية سواء لكونها حديثة الإصدار ، أو بدافع مسؤوليتهم اتجاه الكوكب، يريدون أن يعرف الجميع بذلك، وهو أمر غالباً ما يُحقق من خلال التصميم.
ولكن، نظراً إلى أنَّ التكنولوجيا أصبحت أكثر رسوخاً، فإنَّه بناءً على ما أفادته بحوث المستهلكين من شركة "كار لاب"، فإنَّ أسباب شراء المركبات الكهربائية باتت أكثر مادية وعادية. فالناس الآن، يقومون بشراء السيارات الكهربائية لتوفير تكاليف الوقود، أو لاستخدام المسارات المخصصة لنظام مشاركة السيارات، أو لأنَّها ممتعة في القيادة. وبالتالي لا يهم بشكل خاص، بالنسبة لهؤلاء العملاء، ما إذا عرف الأشخاص الآخرون أنَّ لديهم سيارة كهربائية أم لا. ويقول نوبل: "قبل عشر سنوات، أراد المستهلكون ممن يقتنون سيارات كهربائية، أن تلفت سياراتهم النظر بشكل كبير. إلا أنَّنا وجدنا اليوم أن هذه الحاجة تتضاءل بسرعة".
ويقول كلٌّ من دوكيك في شركة "بي أم دبليو"، وشير في شركة "جنرال موتورز"، وبلاتو في شركة "فورد"، إنَّهم لم يحاولوا بالضرورة الإشارة إلى مجموعة نقل الحركة الكهربائية من خلال تصميم الشبكات الجديد. ولكن الهدف كان صنع شيء يستحضر الاسم المألوف لعلاماتهم التجارية، وإعداده بأحدث التقنيات.
ويقول دوكيك: "إذا كان لديك محرِّك مختلف، فلا ضرورة لأن يبدو التصميم مختلفاً. ليس علينا أن نختبئ ونقول: حسناً، بما أنَّ سيارات "تسلا" ليس لديها شبكات - وذلك لأنَّها تفتقر للماضي والتراث – فإنَّ هذا هو السبيل الوحيد لصنع السيارات الكهربائية. فبالنسبة لشركة "تسلا" كان هذا التصميم طريقة واضحة للتعبير عن "الاختلاف". ولكن، بالنسبة لنا، فلا يتوقَّع عملاؤنا أن نكون مختلفين. هم يتوقَّعون فقط أن نقدِّم أفضل منتج للتنقل، بغض النظر عن نوع المحرِّك".
وصحيح أنَّ المقدِّمة الأمامية لسيارة "موستانغ ماك-إي" من "فورد" تشبه مقدِّمة "تسلا" في طرازها الأساسي، إلا أنَّها تتميز بشريط من الزخارف السوداء بدلاً من الشبكات، بالإضافة لشعار حصان في الوسط، لتذكير الجميع بأنَّها ما تزال سيارة “موستانغ".
ويقول بلاتو: "لقد حاولنا تصميم هذا المظهر المميز مع ما نسميه طوق الحصان، وذلك في المكان الذي كان يحوي الشبكات عادة". وأضاف أخيراً: "عملاؤنا لا يريدون قيادة مشروع علمي، هم يريدون سيارة ذات مظهر جميل، وتمثِّل العلامة التجارية بالشكل الصحيح".