بلومبرغ
حماية كوكب الأرض تُعد هدفاً عالمياً، لا ينجح إلا بتوافق الدول على اتخاذ إجراءات جماعية. وإذا حكمنا من خلال النظر إلى سير مفاوضات قضايا المناخ الأكثر أهمية هذا العام، فإن الأمور لا تسير على ما يرام.
في عام 2024، فشلت المحادثات الرامية إلى وقف التلوث البلاستيكي وحماية التنوع البيولوجي وإنهاء التصحر. وفي الوقت نفسه، فإن الصفقة التي تم التوصل إليها في قمة (COP29) لم تلق رضى الدول النامية بشأن حجم الأموال المتفق عليها لمساعدتها في مكافحة الاحتباس الحراري العالمي، كما تجنبت الصفقة ذكر الحاجة إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
"أصبح من الصعب بشكل متزايد التوصل إلى اتفاق طموح، وفي نفس الوقت قابل للتنفيذ ويعالج المشكلة المطروحة"، بحسب ماريا إيفانوفا، مديرة كلية السياسات العامة والشؤون الحضرية بجامعة نورث إيسترن، مضيفةً "أن قضايا مثل تغير المناخ والتلوث البلاستيكي هي بطبيعتها شاملة ومتعددة القطاعات ومتضمنة في البنى الاقتصادية".
لم تكن الاتفاقيات البيئية العالمية بسيطة أبداً. لكن الاستقطاب السياسي والتأثير المتزايد للشركات متعددة الجنسيات والميزانيات الحكومية المرهقة جعلت الدول أقل استعداداً للتنازل.
قال خوان كارلوس مونتيري غوميز، الممثل الخاص لبنما بشأن تغير المناخ، الذي حضر جميع مفاوضات المناخ الدولية الأربع الرئيسية هذا العام: "في الوقت الذي نصل فيه إلى نص أو اتفاقية تحوز على الإجماع، فإنها تكون في النهاية مخففة للغاية لدرجة أنها لا تحتوي على أي تغيير تقريباً".
إليكم نظرة على أداء بعض المحادثات العالمية الرئيسية حول قضايا المناخ والبيئة في عام 2024.
تغير المناخ
وافقت نحو 200 دولة في باكو، عاصمة أذربيجان، على مضاعفة الأموال المخصصة لمساعدة البلدان النامية على مواجهة سريعة لارتفاع درجات الحرارة في مؤتمر قمة المناخ (COP29) الذي انعقد في نوفمبر. لكن المحادثات كانت في بعض الأحيان صدامية بشكل علني، وأنتجت اتفاقاً اعتبره العديد من المؤيدين غير كافٍ ومخيب للآمال.
تعهدت الدول الغنية بتوفير ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 من خلال التمويل العام، بالإضافة إلى الصفقات الثنائية ومتعددة الأطراف. تدعو الاتفاقية أيضاً الدول إلى تقديم ما مجموعه 1.3 تريليون دولار سنوياً، ومن المتوقع أن يأتي معظمها من خلال التمويل الخاص.
وقال مونتيري غوميز، خلال تواجده في باكو، إن المحادثات أبقت "النظام متعدد الأطراف على قيد الحياة". ومع ذلك، "فإن الفشل في الوفاء بالوعود الرئيسية يعني موت الجهود الرامية إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية".
التلوث البلاستيكي
رغم الدعم الشعبي والتجاري الساحق، فشل المفاوضون في بوسان بكوريا الجنوبية في التوصل إلى إجماع بشأن خفض إنتاج البلاستيك والتخلص التدريجي من المواد الكيميائية الخطرة، فيما كان من المفترض أن يكون التوصل إلى اتفاق تتويجاً لعامين من المحادثات بشأن معاهدة عالمية للبلاستيك. لكن الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك السعودية وروسيا، لم تكن مؤيدة لمثل هذا الاتفاق، حيث يمثل تعزيز إنتاج البلاستيك المصنّع من الوقود الأحفوري، مجال نمو حيوي لقطاع البترول، وسط تراجع الطلب على الخام نتيجة التحول نحو المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة.
اعترفت الدول التي تدفع باتجاه إبرام معاهدة ملزمة قانوناً بأنها بحاجة إلى المزيد من العمل. قالت كاميلا زيبيدا، كبيرة المفاوضين المكسيكيين بشأن المناخ والتنوع البيولوجي، في بوسان: "كان ينبغي لنا تحسين التنسيق بيننا، ندرك أننا بحاجة إلى جذب اهتمام الجميع".
يعتزم المفاوضون إعادة إجراء المحادثات في العام الجديد. هناك دعم متزايد بين غالبية البلاد للحد من إنتاج واستهلاك البلاستيك، وتقليل المواد الكيميائية الضارة، والتخلص التدريجي من المنتجات التي تُستخدم لمرة واحدة مثل أدوات المائدة.
انحسار التنوع البيولوجي
انتهى اجتماع مؤتمر المناخ (COP29) في كالي بكولومبيا دون التوصل إلى اتفاق يقضي بالمضي قدماً في ميثاق تاريخي لحماية التنوع البيولوجي تم تبنيه قبل عامين. حدث خلاف بين الدول بشأن إنشاء صندوق عالمي جديد للطبيعة، وبدأ المندوبون في المغادرة بعد امتداد الاجتماع إلى وقت إضافي.
رغم ذلك، حقق المؤتمر بعض أهدافه. ستمضي الدول قدماً في إنشاء صندوق مالي جديد لحماية الطبيعة، وسيتم تمويله من قبل الشركات التي تبيع المنتجات، مثل الأدوية ومستحضرات التجميل، بناءً على البيانات الجينية التي تم جمعها من الطبيعة.
لكن ما أُطلق عليه في البداية "مؤتمر كوب للتنفيذ" لا يزال أقل من الطموحات. فشلت غالبية الدول المشاركة في تقديم خططها التي تلبي ميثاق 2022، فيما تعهدت الدول الغنية بتقديم القليل من الأموال الجديدة فقط.
التصحر
سعى مؤتمر (COP29)، الذي عُقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية في ديسمبر، إلى مكافحة التصحر، لكن الوفود فشلت في الاتفاق على آلية عالمية لمعالجة الجفاف.
استهدفت المحادثات توفير تمويلات لأنظمة الإنذار المبكر والبنية الأساسية المرنة في البلدان الأكثر فقراً والأكثر عرضة للخطر. حذر العلماء من أن أكثر من 75% من مساحة اليابسة على وجه الأرض أصبحت أكثر جفافاً بشكل دائم خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب النشاط البشري وتغير المناخ.
ماذا بعد؟
يقول جان فريدريك مورين، أستاذ بجامعة لافال في كندا، إن معدل إبرام الاتفاقيات البيئية الدولية تباطأ بشكل كبير من ذروته في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن هذا من المرجح أن يكون بسبب وجود العديد من الاتفاقيات بالفعل، وليس لأن المحادثات أصبحت أكثر تحدياً، ما يعني أن المفاوضين سيحتاجون إلى تحويل تركيزهم من إبرام معاهدات جديدة إلى تحسين وتعزيز الصفقات القائمة.
أضاف مورين: "نميل إلى النظرة القصيرة، نرى التحديات الأخيرة بشكل أكثر وضوحاً، بينما ننسى تحديات الماضي". وتابع "المفاوضات كانت صعبة، ولا تزال كذلك".
وبحسب مونتيري غوميز، الممثل الخاص لبنما بشأن تغير المناخ، فإن إحدى الطرق لبدء اتفاقيات بيئية أكثر طموحاً تتمثل في تحفيز التصويت بين البلدان بدلا من محاولة التوصل إلى توافق في الآراء وقت إجراء المفاوضات، وأشار إلى أن العديد من الاتفاقيات التاريخية تم إتمامها من خلال تصويت الأغلبية البسيطة أو ثلثي الأصوات.
قالت إيفانوفا، من جامعة نورث إيسترن، إن هناك بديلاً آخر يتمثل في تشكيل مجموعات صغيرة من الدول وتحالفات متعددة القطاعات للوصول إلى توافقات تعالج الأولويات المشتركة.
وأضافت: "تنشأ التعددية الأضيق كبديل أو على الأقل كمكمل للتعددية الواسعة. إنها أكثر رشاقة ويمكنها خلق زخم لتبنٍّ أوسع للأهداف المشتركة".