بلومبرغ
شكّلت الشوارع الخالية من السيارات في بداية الوباء مؤشراً مخيفاً لعالم مضطرب. ولكن بعد أن حوّلت عشرات المدن بعضاً من تلك الشوارع إلى مساحات صديقة للمشاة، وقيّدت حركة مرور السيارات فيها، تحوّل الموضوع تماماً. فباتت هذه التغيرات مضرب مثل على مدى سهولة إعادة استخدام المساحات الحضرية لأغراض مختلفة تفسح المجال أمام الحركة واللعب، وأيضاً على مدى سرعة استعادة النشاط البشري ما أن تُزال السيارات.
مدن ما بعد "كوفيد"
اليوم، يدرس المسؤولون المحليون إمكانية الاحتفاظ بهذه الإجراءات المؤقتة التي تعرف باسم "الشوارع الآمنة" أو "الشوارع المفتوحة" أو "الشوارع المحافظة على الصحة" على المدى الطويل. وقد وجد مسح أجرته الرابطة الوطنية لمسؤولي النقل في المدن أن 22 مدينة تخطط لجعل التغييرات المرورية التي تم اتخاذها في فترة الوباء دائمة، فيما تدرس 16 مدينة أخرى ذلك. وفي نهاية أبريل، وافقت مدينة نيويورك على مشروع قانون يجعل برامج الشوارع المفتوحة فيها، التي تعتبر الأوسع في الولايات المتحدة، أمراً دائماً. فيما تدرس كاليفورنيا تشريعاً يسهّل هذه الإجراءات.
إلا أن إعادة تصميم الشوارع لتصبح صديقة للمشاة غالباً ما تواجه معارضة أصحاب المؤسسات التجارية الذين يخشون من فقدان بعض الإيرادات بسبب الإزعاج الذي تسببه هذه الإجراءات للسائقين. ويسلط تحليل بيانات جديد صادر عن منصة "يلب" (Yelp) الضوء على ما يحصل فعلاً لحركة التجارة المحلية عند منع مرور السيارات.
أين توجد الأماكن الممتازة؟
تناول المستخدمون المحللون في منصة "يلب" المتخصصة بإدراج المؤسسات التجارية، مطاعم في منطقة ليتل إيتالي في بوسطن، ومقاطعة ميشن في سان فرانسيسكو، وسوق ويست فولتون في منطقة لوب المركزية في شيكاغو، والشارع الثامن في وسط مدينة بويسي، وبولفار سان فيرناندو في بيربانك، وكلّها تبنت برامج شوارع بطيئة منعت مرور السيارات في عام 2020.
وقام المحللون بقياس الفارق في نسبة اهتمام الزبائن بالعينة المختارة من المطاعم في الشوارع البطيئة في كلّ مدينة وإجمالي المطاعم في هذه المدينة، ومقارنة ذلك بوقت بداية الوباء (حوالي 15 مارس 2020)، حين لم تكن البرامج الحضرية قد طبقت بعد، وبين أوقات مختلفة خلال العام حين بدأ التنفيذ الفعلي لهذه البرامج. وظهر أن المطاعم في المناطق الخالية من السيارات حصلت على مزيد من الاهتمام (استناداً إلى عدد المشاهدات والصور المنشورة وتعليقات المستخدمين على منصة "يلب") حين كانت الشوارع حيث تقع هذه المطاعم، تقتصر على المشاة والدراجات.
وقال نائب رئيس شركة "يلب" لشؤون علوم البيانات: "نريد من المجتمعات أن تفهم أين توجد أماكن ممتازة لإجراء الأعمال وأين تستفيد المؤسسات من هذه المنافع". وأضاف: "بشكل أوسع، فيما تُعِدُّ الحكومات المحلية والجهات المعنية سياسات لإنشاء شوارع أكثر أماناً، نأمل أن تضفي هذه المعلومات المزيد من القيمة على ذلك".
اهتمام متزايد بالمطاعم البعيدة عن السيارات
على سبيل المثال، تم إغلاق شارع فالنسيا جزئياً أمام حركة المرور لأربع ليال في الأسبوع بين يوليو وديسمبر 2020. وبالمقارنة مع إجمالي المطاعم في سان فرانسيسكو، ارتفع اهتمام الزبائن بالمطاعم في شارع فالنسيا بنسبة 18% في الأيام الخالية من السيارات مقارنة مع فترة بداية الوباء. وبدا أن مبادرة الشارع الآمن، التي تم تعديلها وتوسيعها قليلاً منذ حينها، زادت الاهتمام الإجمالي للزبائن في المنطقة. فحتى في الأيام التي كان فيها الشارع مفتوحاً أمام المركبات، سجل الاهتمام بالمطعام الواقعة في فالنسيا ارتفاعاً بنسبة 17% في حصتها من اهتمام المستهلكين على صعيد المدينة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن منصة "يلب" تناولت نشاط المطاعم وليس المؤسسات الأخرى. كما أن مستخدمي هذه المنصة هم بالإجمال من الفئة الشابة والأكثر تعلماً وثراءً من المواطنين الأمريكيين العاديين، ما يعني أن القياس الذي استندت إليه لا يعكس كامل النشاط الاستهلاكي. كذلك، من الصعب الحسم بأن إغلاق الشوارع هو نفسه السبب الذي أسهم في زيادة شهية المستهلكين، إذ يمكن لعوامل أخرى فريدة بحقبة "كوفيد" أن تكون قد أسهمت في ذلك، من بينها توفر أماكن للجلوس في الخارج، بحسب جيني ليو، أستاذة الدروس الحضرية والتخطيط في "جامعة بورتلاند" المختصة باقتصادات النقل.
مع ذلك، فإن استنتاج أن طمأنة المشاة ومستخدمي الدراجات، أمر مشجع للأعمال ينسجم مع نتائج عدد كبير من الدراسات التي كانت قد أجريت في فترة ما قبل الوباء. وكانت ليو قد نشرت في أبريل الماضي دراسة هي الأولى من نوعها على الصعيد الأمريكي، تناولت التأثير الاقتصادي لتحسين الشوارع لصالح راكبي الدراجات والمشاة على امتداد 14 موقعاً في ستّ مدن أمريكية. فعلى عكس المخاوف التي يرددها أصحاب المتاجر بأن استبدال مواقف السيارات سيؤدي إلى الحدّ من حركة المستهلكين، وجدت ليو آثاراً إيجابية (وفي بعض الأحيان لا تأثير يذكر) على البيع والتوظيف في المؤسسات التجارية، بالأخص المطاعم.
وقالت ليو: "هذه البنية التحتية تشكل ترقية على صعيد التنقل، بالنسبة لراكبي الدراجات والمشاة، وأعتقد أن ذلك يسهم في تنشيط المنطقة".
بعض الانتقادات
يتوافق تحليل "يلب" مع الإحصاءات حول شارع مفتوح واسع الشعبية في مدينة نيويورك. فقد أفادت المطاعم في جادة فانديربيلت في حيّ بروسبيكت هايتس في بروكلين، عن زيادة في عدد زيارات الزبائن بنسبة 54% بعد الشهر الأول من تطبيق البرنامج، بحسب مجلس تنمية حيّ بروسبيكت هايتس.
مع ذلك، في مدينة واحدة على الأقل، رأى المسؤولون المحليون أن تحسن الأعمال بشكل كبير قد يكون أمراً سيئاً. فأعضاء "مجلس بريكينريدج" في كولورادو قلقون حيال تزايد الإرهاق في صفوف موظفي المطاعم بسبب تصاعد الطلب وغيرها من الأسباب، وقد صوتوا في الشهر الماضي ضد اقتصار الشارع الرئيسي على المشاة فقط، على الرغم من حصول الاقتراح على دعم 86% من السكان و83% من المؤسسات التجارية.
وعلى الرغم من كلّ الفوائد، إلا أن مبادرات الشوارع الخالية من السيارات تعرضت لبعض الانتقادات أيضاً في عام 2020، فبعض المجتمعات رفضت القيود المرورية حيث اعتبرت أنها لا تحافظ على المساواة بين مكونات المجتمع وتفصل بين أبناء المجتمع المحلي. وفي نيويورك وسان فرانسيسكو، تم تحميل حظر السيارات مسؤولية زيادة المرور عند المسالك المجاورة، على الرغم من عدم توفر ما يكفي من الأدلة التي تثبت ذلك.
قالت ليو إن البرامج المماثلة لتقييد المرور ربما أدت إلى زيادة عدد الأشخاص الراغبين بركوب الدراجة أو المشي. وتابعت: "الأمر يتعلق بجعل المستخدم يشعر بالراحة والأمان، أياً كان ما يقوم به"، وأردفت: "كلما تحسن ذلك، كلما جذبت الناس أكثر للخروج والمشاركة".