بلومبرغ
أصبح تشكيل حكومة بقيادة حزب الخضر في أكبر اقتصاد في أوروبا، قريباً إلى الحدوث. وذلك ما أن يتم إجراء الانتخابات في البلاد خلال سبتمبر المقبل. على الرغم من أن نتيجة ذلك قد تصيب النشطاء الذين يتوقعون إصلاحات مناخية بعيدة المدى، بالإحباط.
وبينما يقترح حزب الخضر الألماني إصلاح القوة الصناعية وتسريع تحقيق الأهداف البيئية للاتحاد الأوروبي، إلا أن الحزب يدرك أنه سيتعين عليه تقديم تنازلات.
ربما سيتعين على الخضر تقليص طموحهم بشأن حظر السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2030، فضلاً عن الإنفاق بقوة على البنية التحتية المحايدة مناخياً والتخلص تدريجياً من الفحم قبل ثماني سنوات مما هو مخطط له.
تحالفات داعمة
السيناريو الأقرب للحدوث، هو أن يتحالف حزب الخضر مع ورثة أنجيلا ميركل السياسيين في الكتلة المحافظة. وذلك تبعا لرحلته السياسية التي أخذته من مجرد حركة هامشية لتدفع به باتجاه الوسط، وفقد الحزب أثناء ذلك بعضا من حماسته، وتجاوز عقلية القضية الواحدة.
وفي مقابلة إذاعية مؤخراً، سعت مرشحة الخضر لمنصب المستشارية الألمانية إلى تهدئة مخاوف الصناعة، مستخدمةً السعي لإنتاج "صلب محايد مناخياً" كمثال.
قالت أنالينا بيربوك لمحطة "دويتشلاند فونك" الإذاعية: "إن ذلك أمر ضروري لحماية الوظائف في ألمانيا وأوروبا، وإذا لم نأخذ زمام المبادرة، فإن الآخرين سيفعلون ذلك". وقالت: "يتعلق الأمر بالحد من الاحتباس الحراري، أثناء قيادتنا الشركات المصنعة الأوروبية نحو المستقبل"، مضيفة أنها تريد منع خطر إغلاق المصانع بسبب الواردات الأرخص القادمة من الصين.
وحالياً، تحيط الخطط لفرض ضرائب على الأغنياء وإصلاح البنك المركزي الأوروبي، والتخلي عن أهداف إنفاق الناتو بسياسات الخضر البيئية. ويأتي تسليط الضوء على الخضر، وما يعتقدونه، بعد استطلاع صادم شهد تفوقهم على حزب يمين الوسط بزعامة ميركل ليصبحوا أكبر قوة سياسية في البلاد.
من شأن وصول الخضر إلى السلطة، أن يختبر عزم أوروبا على سن سياسات غير مسبوقة تهدف إلى جعل كل ركن من أركان الاقتصاد أكثر استدامة. على سبيل المثال، يريد الحزب تركيب الألواح الشمسية على سطح كل مبنى جديد وجعل الشركات تدفع ثمناً أعلى مقابل إطلاق انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
اختبار حقيقي للسياسات المناخية
لكن، هل ذلك ممكن حقا؟ بحسب استطلاعات الرأي، قد يدعم الناخبون تلك الأهداف على نطاق واسع، لكن قليلون منهم قد يرغبون في تحمل التكاليف الإضافية التي سينطوي عليها تطبيق هذه الإجراءات.
وقد قال رالف هارثان، كبير الباحثين في "معهد النظم التطبيقية البيئية" في برلين: "سيكون ذلك بمثابة اختبار للواقع، حيث سيتعين عليهم التغلب على الحواجز الموجودة في المجتمع"، مثل إقناع الناس باستبدال الغلايات التي تحرق الوقود الأحفوري.
وسيعتمد مقدار ما سيتمكنون من تقديمه في بيانهم الانتخابي على تحويل الاستطلاع الإيجابي إلى أصوات. ولطالما كان مشروع الغاز "نورد ستريم 2"، الذي يتم نقل الوقود عبره من روسيا إلى ألمانيا، مصدراً دائماً للاحتكاك عبر المحيط الأطلسي.
الأمر الذي يجعل الخضر يريدون التخلي عن المشروع، ما قد يصبح صعباً حال مشاركتهم الحكم مع الديمقراطيين المسيحيين، الذين دعموا "نورد ستريم 2" تحت قيادة ميركل.
ويتمتع سفين جيغولد، النائب في البرلمان الأوروبي وعضو الحزب الأخضر، برؤية واضحة بشأن حفظ التوازن. وقال جيغولد إنه بدعم قوي من الناخبين "سنحصل على الشرعية اللازمة لإجراء تغيير أساسي في سياسة المناخ الألمانية".
وقال أيضاً: "بالطبع، لن يكون من الممكن تنفيذ البرنامج الأخضر بكل تفاصيله". وإنما سيكون الهدف السياسي هو محاسبة صناعات السيارات والطاقة والزراعة عن التلوث الناتج عن عملياتهم بصورة أكبر.
مستقبل أكثر تحدياً لاقتصاد كثيف الانبعاثات
وبالرجوع إلى سجل حزب الخضر، بما في ذلك 10 سنوات كانوا خلالها على رأس إدارة بادن فورتمبيرغ، وهي مركز صناعي قوي في جنوب غرب ألمانيا، يمكن الاستخلاص أن حكومة الحزب ستكون عملية. كما أن الهيكل السياسي للبلاد سيعزز الاستقرار، من خلال فرض تحالفات واسعة النطاق مثل التحالف الحالي بين كتلة الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي التابعة لميركل، والديمقراطيين الاشتراكيين المؤيدين للعمال.
ويشارك السياسيون الخضر حالياً في 11 حكومة من حكومات الولايات الألمانية. وقد كان الحزب هو الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم في عهد المستشار السابق جيرهارد شرودر.
ويبدو أن لدى الخضر خيارات للشراكة أكثر من مجرد التحالف مع كتلة الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، والذي يبدو غير قادر على الوقوف على قدميه بعد عقدين من قيادة ميركل.
وبينما تسعى دول مثل المملكة المتحدة إلى تحقيق أهداف طموحة مماثلة لخفض الكربون، يمكن القول إن المستقبل يمثل تحدياً أكبر لألمانيا، بسبب القاعدة الصناعية الأكبر للاقتصاد، ومن المحتمل أن يعني تنفيذ سياسات الخضر المقترحة مزيداً من الاضطراب للشركات والعاملين.
من جهة أخرى، يواجه العمود الفقري الاقتصادي للبلاد بالفعل مجموعة من المشاكل بدءاً من تداعيات أزمة فيروس كورونا إلى اشتداد المنافسة مع الصين، وارتفاع التزامات المعاشات التقاعدية. ومن شأن المزيد من التكاليف البيئية أن تقوض شركات التصدير الألمانية الكبرى كونها تنافس الشركات الدولية التي تتمتع بلوائح تنظيمية أقل إرهاقاً.
أنالينا بيربوك: المرأة التي قد تصبح مستشارة ألمانيا المقبلة
وتأتي الزيادة في دعم الخضر في ظل اتفاقية الاتحاد الأوروبي لتقليل صافي الانبعاثات الدفيئة بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 1990، والقضاء عليها تماماً بحلول عام 2050.
وقد توصل المشرعون والحكومات في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مبدئي هذا الأسبوع لجعل الأهداف المناخية ملزمة قانوناً.
ويمهد الاتفاق الأوروبي الطريق أمام الكتلة لاقتراح أكثر من اثنتي عشرة لائحة لتعزيز الاستدامة. وستتطلب الإجراءات دعماً من الحكومات الوطنية لتدخل حيز التنفيذ، الأمر الذي من شأنه أن يضع الحكومة الألمانية الجديدة في دائرة الضوء.
ويبقى السؤال هو ما إذا كان حزب الخضر، الذي كان يدعو إلى وضع أهداف أكثر طموحاً، سيكون قادراً على حشد الإصرار المطلوب من الأحزاب لترجمة الطموح إلى واقع في الداخل ومن ثم قيادة الاتحاد الأوروبي من خلال تقديم القدوة.
وعلى ذلك، ستكون أنالينا بيربوك، المهندسة الرئيسية لاستجابة الخضر لهذه التحديات. وقد تصبح المرشحة البالغة من العمر 40 عاماً، والتي تفتقر إلى الخبرة الحكومية، أقوى زعيم مناخي في العالم.
ويذكر أن بيربوك شاركت في مظاهرات مناهضة للأسلحة النووية عندما كانت طفلة، ودرست القانون في كلية لندن للاقتصاد وعملت في البرلمان الأوروبي، كما أنها تنحدر من الجناح البراغماتي للحزب.
وتقول سونيا بيترسون، الباحثة البارزة في "معهد كيل للاقتصاد العالمي"، وهو معهد اقتصادي في ألمانيا: "لقد أصبح حزب الخضر أكثر احترافاً وأكثر تحفظاً مما كان عليه من قبل، وهو ما غيّر الطريقة التي ينظر بها الألمان إليهم".