بلومبرغ
دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن، أربعين من قادة العالم للمشاركة في قمة مناخ افتراضية دامت ليومين، من أجل إيصال رسالة مفادها أنَّ الولايات المتحدة عادت، وهي مستعدة للقيادة في قضايا المناخ، في حين ينتظر العديد من هؤلاء القادة من الولايات المتحدة القدرة على إثبات رسالتها.
وتعهد بايدن، في افتتاح القمة يوم الخميس، بخفض انبعاثات بلاده من الغازات الدفيئة بحلول عام 2030، بنسبة 50% على الأقل من مستويات 2005. وهو
ما يوضِّح أنَّ المناخ هو محور جدول أعماله. وكان القيام بهذا الإعلان أمام الرؤساء ورؤساء الوزراء من دول العالم أمراً يظهر نفوذ البيت الأبيض في جمع قادة العالم سوياً.
قيادة جديدة تضع المناخ في أولوياتها
وكان الهدف من هذه القمة أيضاً إظهار الاختلاف الكبير بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، الذي أقر َّ بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، ورفض بشكل منهجي مخاطر تغيُّر المناخ. ولعل الإنفراجة الكبرى جاءت عندما وعد بايدن بمضاعفة إنفاق بلاده على أهداف المناخ الدولية، إذ سيرفع الإنفاق السنوي إلى 5.7 مليار دولار بحلول عام 2024، وذلك على افتراض أنَّ باستطاعته إقناع الكونغرس بالمضي قدماً في الأمر.
ومع ذلك، لم يكن ذلك كافياً له لتغيير الآراء.
فيما يعدُّ مؤشراً على مدى تغيُّر التوقُّعات المنتظرة في الأشهر التي انقضت منذ فشل الرئيس ترمب في تطبيق بعض هذه الالتزامات، التي كانت تعدُّ ذات يوم جريئة بالنسبة للولايات المتحدة، وكان انسحاب أمريكا من هذه الالتزامات السابقة مؤثِّراً خاصة بالنسبة لقادة البلدان الأكثر عرضة لخطر تغيُّر المناخ.
فهناك إندونيسيا، على سبيل المثال، التي تواجه فيضانات مدمِّرة في عاصمتها، وقد قال رئيسها جوكو ويدودو، إنَّ الدول النامية قد تنظر في تشديد أهدافها المتعلِّقة بالانبعاثات فقط إذا التزمت الدول الغنية بتقديم المزيد من المساعدات.
ولفت الرئيس الصيني شي جين بينغ الانتباه أيضاً إلى فكرة "المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة" الواردة في اتفاقية باريس، التي تضع عبئاً مالياً أكبر على الدول الأكثر مسؤولية عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقال ديفيد فيكتور، خبير سياسة المناخ في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، إنَّ القمة سيكون لها دور مختلف تمام داخل الولايات المتحدة وخارجها، فبايدن يخوض معركة على جبهتين، ويعمل على حشد الدعم في الداخل لوضع سياسات صارمة، وإثبات إمكانية نجاحه في ذلك أمام العالم.
وأوضح فيكتور: "إذا عدت، فأنت بحاجة إلى إظهار ذلك. وهذا الحدث صُمم لإثبات ذلك، واستطاع إثباته بالفعل".
وإليك ثلاثة نقاط سريعة يمكن استخلاصها من قمة المناخ الافتراضية، وهي كالآتي:
أولاً: بايدن لم يحقق كل آماله
في الفترة السابقة لانعقاد القمة، اقترح مسؤولو الإدارة الأمريكية أنَّ مقياس نجاح الحدث سيتمثَّل في عدد التعهدات الجديدة لخفض الغازات الدفيئة، وبالتالي وفقاً لهذا المقياس لم تحقق القمة النجاح المطلوب.
وبعد أسابيع من تجنُّب الحديث عن مشاركته في القمة، كرر الرئيس الصيني بينغ في الغالب خططه المعلنة سابقاً لتحقيق ذروة الانبعاثات الكربونية مع حلول عام 2030، والوصول إلى حالة الحياد الصفري بحلول عام 2060. لكن كان هناك وعد جديد واحد فقط، وهو خفض استهلاك الفحم الصيني بين عامي 2026، و 2030، لكنَّه لم يوضِّح أي تفاصيل عن ذلك.
وبالرغم من الدبلوماسية القوية السابقة التي اتبعها جون كيري، المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشئون تغيُّر المناخ، كشف اثنان فقط من حلفاء الولايات المتحدة عن خطط جديدة لتعزيز التعهدات السابقة. فقد رفع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو هدف بلاده لخفض الغازات الدفيئة بحلول عام 2030 من 30% إلى 45% عن مستويات 2005. كما رفع رئيس الوزراء الياباني يوشيهيد سوجا هدف بلاده بحلول عام 2030 من 26% في السابق إلى 46% استناداً إلى مستويات عام 2013، مما يعادل خفضاً بنسبة 41% استناداً إلى خط أساس عام 2005.
واعترف كيري أنَّ الآمال تعظمت في مؤتمر صحفي انعقد في منتصف النهار، كما أنَّه صنَّف المكاسب المتواضعة على أنَّها مكاسب كبيرة.
وقال، إنَّ عشرين من أكبر الملوثين في العالم رفعوا مستوى التزاماتهم، في حين بدا أنَّ تعريفهم للالتزام" كان تعريفاً فضفاضاً". واستشهد بخطوة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للانخراط في شراكة جديدة للطاقة النظيفة، على سبيل المثال، متغاضياً عن سفره إلى الهند (قبل أسبوعين فقط) على أمل إقناع مودي بوضع هدف انبعاثات صفرية صافية.
ومع ذلك، تجنَّب مودي إلى حدٍّ كبير الالتزامات الجديدة يوم الخميس، وركَّز ملاحظاته، بدلاً من ذلك، على الانطلاق القوي لبلاده فيما يتعلَّق بتوليد الطاقة النظيفة.
وجدير بالذكر أنَّ الهند تعاني أيضاً من ارتفاع حالات الإصابة بوباء "كوفيد-19"، كونها تسجّل أكثر من 300 ألف حالة إصابة جديدة يومياً.
وبدون تحقيق تقدُّم كبير، يصبح اجتماع يوم الأرض مجرد خطوة نحو مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي الشديد الأهمية، الذي من المقرر انعقاده في نوفمبر في جلاسكو؟. وقال كيري: "الدبلوماسية المتبعة خلال الأشهر الستة المقبلة ستكون حاسمة للغاية لجعل جلاسكو بالوضع الذي تحتاج أن تكون عليه فعلياً. أعتقد أنَّ جلاسكو ما تزال آخر وأفضل أمل لنا لنتمكَّن من توحيد جهود العالم في الاتجاه الصحيح".
ثانياً: تمويل المناخ هو نقطة حساسة رئيسية
إذا كان التزام الدول الملوثة أقل من مستوى التعهدات المتعلِّقة بالمناخ، فربما تكون الدول الغنية قد أخفقت في الوفاء بوعودها المالية. و تميل عادةً الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى إلى التركيز على انبعاثاتها السنوية، لكنَّ الصين، والهند، والبرازيل، ودولاً أخرى عديدة أكَّدت أنَّ الانبعاثات التاريخية هي الأهم، وأنَّ العالم المتقدِّم ما يزال أمامه طريق طويل لمحو إرثه الكربوني.
واستخدمت مجموعة من الدول مناشدات يوم الخميس للمطالبة بأموال إضافية لتمويل تحول الطاقة.
وفي مؤتمر صحفي بعد تصريحات الرئيس الصيني، انتقد نائب وزير الخارجية الصيني، ما تشاوشو، الولايات المتحدة بشأن تمويل المناخ. وأوضح أنَّ الاقتصادات المتقدِّمة يتعين عليها "اتخاذ خطوات ملموسة لمساعدة البلدان النامية على رفع قدراتها في التصدي للتغير المناخي"، و "تجنُّب وضع حواجز التجارة الخضراء".
وفي الوقت نفسه، أكَّد الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو على موقف بلاده السابق المتمثِّل في أنَّ جهود المناخ في البلاد (بما في ذلك التعهد بإنهاء الإزالة غير المشروعة للغابات بحلول عام 2030) لابدَّ أن ترتبط بشكل صريح بالمساعدة المالية التي تقدِّمها الدول الأكثر ثراءً. وقد لاقت تصريحات بولسونارو سخرية من قبل العديد من مراقبي الغابات المطيرة.
تمويل المناخ الجديدة
وبهذا الصدد، قالت ليلى سالازار لوبيز، المديرة التنفيذية للمنظمة غير الربحية "أمازون ووتش"، في بيان حول الخطاب: "لا يمكن الوثوق في بولسونارو، لذا فإنَّ أي اتفاق مع البرازيل يجب أن يتمَّ بقيادة المجتمع المدني، والشعوب الأصلية والتقليدية، وليس بولسونارو".
وحتى يتم الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة تجاه تمويل المناخ الجديدة، من المقرر أن يتطلَّب الأمر قيام المشرِّعين الأمريكيين بتخصيص الأموال اللازمة لذلك. وأكَّد البيت الأبيض أنَّه سيطلب 1.25 مليار دولار لصندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة، وهو جزء رئيسي من اتفاقية باريس، في حين يحثُّ أيضاً على الاستثمار الخاص لما يسميه "أوَّل خطة تمويل دولية للمناخ في الولايات المتحدة".
ومع ذلك، اصطف الجمهوريون في الكونغرس على الفور تقريباً ضد مثل هذه الخطة. فقد قال غاريت جريفز، العضو الجمهوري البارز في لجنة المناخ في مجلس النواب: "فيما يتعلَّق بالانبعاثات العالمية، إذا لم تضع الصين حدَّاً لنموها غير المقيد للانبعاثات، فإنَّ أي شيء نقوم به سينتهي بتعويضه بمقدار أربعة أضعاف من قبل الصين".
وعلى الجانب الآخر، كانت الأرقام الدولارية المعروضة من البيت الأبيض أقل بكثير مما يجب بالنسبة لدعاة حماية البيئة. فقد قال جو ثويتس، الزميل في مركز التمويل المستدام التابع لمعهد الموارد العالمية، إنَّ خطة تمويل المناخ الجديدة: "تبدأ في اللحاق بالركب بعد غياب الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير خلال الأعوام الأربعة الماضية"، وهي الفترة التي رفعت فيها دول أخرى عديدة طموحاتها بشكل كبير.
وأضاف: "هذا غير كافٍ لتلبية الاحتياجات التي أعلنت عنها الدول الضعيفة اليوم، و
لا يقترب من التوازن في ظلِّ تمويل التخفيف من حدَّة الانبعاثات الذي تدعو إليه اتفاقية باريس".
ثالثاً: مراجعات متباينة للغاية لتعهدات أمريكا الجديدة
وأنهت القمة الافتراضية شهوراً من التكهنات، بدعم من الحملة الرئاسية لعام 2020، حول كيفية إعادة الولايات المتحدة إلى المجموعة الدولية. وكان الجواب النهائي هو قفزة هائلة لسياسة المناخ الأمريكية مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الأعوام الأربعة الماضية، لكنَّها كانت خطوة متواضعة على نطاق العمل العالمي.
وكانت حركة "تمرد ضد الانقراض" (Extinction Rebellion)، التي ألقت عربات معبأة بروث البقر أمام البيت الأبيض، من ضمن المجموعات المناخية العديدة التي أعربت عن خيبة أملها.
وقد لا يكون خفض الانبعاثات الكربونية بحلول نهاية العقد بنسبة 50% عن مستويات عام 2005 متوافقاً مع اتفاقية باريس، بحسب تحليل نشرته منظمة "تعقب العمل المناخي". فقد قالت منظمة البحث المستقلة، إنَّ "هدف خفض الانبعاثات بحلول عام 2030 بنسبة تتراوح بين 57% إلى 63% عن مستويات 2005 سيكون متسقاً مع منع أسوأ عواقب تغير المناخ، وفتح المجال أمام فجوة محتملة مع هدف بايدن المميز".
الطموح المناخي وإمكانية الوصول إليه
وثمة سؤال محوري تواجهه الولايات المتحدة يدور حول ما إذا كان باستطاعة بايدن حشد الدعم اللازم لبلوغ هدفه المناخي.
وبهذا الصدد، أكَّد مبعوث المناخ كيري، أنَّ أجزاء كثيرة من الخطة يمكن تنفيذها من خلال إصدار أمر تنفيذي، في حين يرى المراقبون أنَّ هناك أسباباً كثيرة تستمر في إثارة شكوكهم.
ويقول روبرت ستافينز، مدير "مشروع هارفرد لاتفاقيات المناخ": "برغم أنَّ التحليلات العديدة أظهرت إمكانية تحقيق ذلك، إذا تمَّ تنفيذ جميع السياسات المعلنة والمنصوص عليها بنجاح وبمثالية، إلا أنَّ السؤال يبقى يدور حول ما إذا كان سيتمُّ تحقيق ذلك".
ولم يشعر الجميع بخيبة أمل تجاه الجهود الأمريكية، فقد أعربت شيريل بليزر، مديرة سياسة المناخ الدولية في مؤسسة "سييرا كلوب"، عن عدم شعورها بالقلق تجاه وجود التزامات كبيرة جديدة اليوم. وأوضحت: "إذا كان رفع الطموح المناخي هو
ما أرادوه، فأعتقد أنَّ هذا ما حدث بالفعل".
ومن جانبه، أشاد جيك شميدت، كبير مديري برنامج المناخ الدولي التابع لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، بالقمة في ثناء على الأهداف، قائلاً: "سأمنحها درجة B".
وإلى جانب الإعلانات الأخرى خلال الأشهر الستة الماضية، ساعدت قمة المناخ بالفعل في تضييق فجوة الانبعاثات لعام 2030 بنسبة تبلغ 14%، بحسب منظمة "تعقُّب العمل المناخي".
وكانت أكبر المساهمات من أكبر الدول المسببة للانبعاثات، بما في ذلك الصين، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، لكنَّ الباحثين التابعين لمنظمة "تعقُّب العمل المناخي" حذَّروا من استمرارية وجود فجوة كبيرة تتراوح بين 20 غيغاطن إلى 24 غيغاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لوضع العالم على المسار الصحيح، لتوقيف الاحترار العالمي عند درجة حرارة عند 1.5 درجة مئوية كأقصى حد، وهو الهدف الرئيسي لاتفاقية باريس.
وقال نيكلاس هون، من معهد "نيو كلايمت"، وهي منظمة شريكة لمنظمة "تعقُّب العمل المناخي": "من الواضح أنَّ الولايات المتحدة عادت إلى لعبة المناخ، وللمرة الأولى تستعد لتكون رائدة بها".