بلومبرغ
"ما إن توظِّف رأس المال، حتى تبدأ في خلق الوظائف"، هذه ليست كلمات الرئيس جو بايدن الذي كشف يوم الأربعاء الماضي من بيتسبورغ عن خطَّة إدارته المتعلِّقة بالبنية التحتية، ولا كلمات وزير النقل بيت بوتيجيج الذي وقف عند منصة للقطار للإعلان عن توسيع الخدمات، ولا حتى كلمات أي مسؤول اقتصادي حكومي مكلَّف بالترويج لخطَّة الإنفاق الحكومية المقدرة قيمتها بـ2.25 تريليون دولار.
كان صاحب هذه العبارة مايكل موريس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة الكهرباء الأميركية American Electric Power في أوهايو، الذي كان يتحدَّث قبل نحو عقد من الزمن في اجتماع للمستثمرين.
في ذلك الوقت، كانت شركة الكهرباء الأميركية تحارب ضد مقترح وكالة حماية البيئة القاضي بخفض معدَّلات الزئبق وغيره من الملوِّثات في كافة معامل الطاقة، فقد تذرَّعت الشركة بالتكلفة التي ستتكبَّدها نتيجة خلق وظائف جديدة من أجل تركيب أجهزة غسل الغاز في المداخن أو بناء معامل صديقة للبيئة.
موريس الذي سعى ليكون على قدر ثقة المستثمرين، حذَّر من أنَّ هذه الوظائف الجديدة ستحمِّل شركة الكهرباء الأميركية المزيد من التكاليف، وبالتالي ستكون سيئة للأعمال. ولكن ما لم يشكِّك به، هو أنَّ المزيد من الاستثمارات ستؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل، وهو على حق في ذلك.
أهمية خطة الإنقاذ
مثل تلك الخطوة اعتبرت مهمة في العام 2011، بما أنَّ الاقتصاد الذي كان يخرج ببطء من تحت وقعة الركود الكبير، كان لا يزال يفتقر لفرص العمل. في حينها، شهد الخبير الاقتصادي جوش بيفنز من معهد السياسات الاقتصادية لصالح تشديد القيود على المواد السامة في الهواء التي تفرزها شركة الكهرباء الأميركية، وقال "لا يوجد أي وقت أفضل من الوقت لحالي من أجل تطبيق هذه القواعد على صعيد خلق الوظائف".
واليوم، يفتقر الاقتصاد مجدداً لفرص العمل، مما يؤكِّد على أهمية خطة الإنقاذ الأميركية البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، التي تمَّ التصويت عليها في الشهر الماضي. كما يلقي الضوء على ضرورة تمرير "رزمة" البنية التحتية الآن، وإنفاق الأموال قريباً.
كثيراً ما كان هناك نوع من المواجهة بين خلق الوظائف وحماية البيئة. وبالفعل توجد مفاضلة بين الاثنين، فمثلاً، حين يُمنع قطع شجرة من أجل حماية طائر "بوم الشمال المخطط" مثلاً، فإنَّ قاطع الشجرة يصبح بلا عمل، ولكن الوضع يختلف مع المناخ.
خسارة الوظائف
ولا يتطلَّب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وقف الأنشطة الاقتصادية، وهذا ما أثبته الإغلاق الناجم عن فيروس كورونا في العام الماضي. فحتى الإغلاق شبه العام في أبريل الماضي لم يؤدِ إلى خفض انبعاثات الكربون إلا بنسبة لا تتجاوز الـ17% بالمقارنة مع الفترة عينها من العام 2019، وبنسبة 7% فقط على امتداد العام، إذ يُتوقَّع أن تعود معدَّلات الانبعاثات للارتفاع مجدداً هذا العام. إلا أنَّ توجيه قوى السوق نحو اقتصاد خالٍ من الكربون سوف يعني المزيد من النشاط الاقتصادي، والمزيد من الوظائف، وليس أقل.
ولا يعني ذلك أنَّ الوظائف سوف تبقى كما هي، بل سوف تتغيَّر، وهذا ما يجب أن تكون عليه الأمور. وبالفعل، يُتوقَّع أن تؤدي خطَّة بايدن للبنية التحتية إلى خسارة نحو 130 ألف وظيفة في قطاعات النفط، والفحم، والغاز، ولا بدَّ من توفير بديل حقيقي لأولئك العمال الذي سيفقدون وظائفهم، كجزء من أيِّ تحول نحو الطاقة النظيفة. وهذا ما تحرص عليه خطة بايدن من خلال تخصيص مبلغ 16 مليار دولار لتوظيف العاملين في قطاع الوقود الحيوي في مجال إقفال آبار النفط والغاز المتروكة، وتنظيف مناجم الفحم المهجورة.
يضاف ذلك إلى مبلغ 10 مليارات دولار مخصصة لإنشاء فيلق مناخي مدني يتولى تدريب الأجيال المقبلة، إلى جانب العديد من البرامج الأخرى ذات الأهداف المناخية الخاصة، من أجل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأيضاً لتدعيم البنية التحتية الأميركية حتى تصبح أكثر قدرة على التعامل مع التغيرات المناخية القائمة.
مستقبل أقل تلوثاً
يحمل المستقبل الأقل تلوثاً المزيد من التغييرات الواسعة. مثلاً، صنع مركبة كهربائية يتطلَّب ثلث عدد العمال اللازم لصنع مركبة مستهلكة للوقود، إلا أنَّ هذه المقارنة الفردية لا تأخذ في عين الاعتبار التأثيرات الديناميكية والمنافسة الدولية. فمعظم التأثير على الوظائف لا ينجم عن تلك المقارنة، بل بسبب الجهة التي تصنع المركبات الكهربائية، إذ تسيطر الصين اليوم على السوق العالمي في مجال بطاريات أيون الليثيوم، بفضل توفر المواد الأولية الخام لديها، ولكن أيضاً بفضل السوق المحلية الضخمة للبطاريات. ومن شأن خلق سوق مماثلة في الولايات المتحدة أن يسهم في بناء سلسلة امداد محلية.
كذلك، تضمُّ خطَّة البنية التحتية بعض الأجزاء الأخرى التي ترتبط ارتباطاً مباشراً في خلق فرص العمل، بالأخص في قطاع البناء، وهي وظائف لا يمكن نقلها إلى الخارج.
ولهذا السبب، تعدُّ رزمة البنية التحتية هذه السياسة المناخية الأكثر استدامة. ففي حادثة شهيرة، قام البيت الأبيض في عهد ريغان بإزالة الألواح الشمسية التي كانت قد ركَّبتها إدارة كارتر في خطوة رمزية، ولكنَّ الاستثمارات الفعلية في البنية التحتية سوف تظلُّ قائمة.
وتلعب هذه الخطة دوراً مهماً جداً، بالأخص في حال تعذُّر الوصول إلى اتفاق غالبية عظمى بين الحزبين على خفض انبعاثات الكربون، فالإدارات المقبلة لن تجرِّد المنازل من "التشميس الجيد"، ولن تقتلع الجسور وسكك القطارات. وبالطبع، فإنَّ تجهيز المنازل للتعامل مع الظروف الجوية، سوف يترافق مع خلق المزيد من الوظائف.