صناعة الطاقة النظيفة في الصين تواجه تحديات رغم كرنفال شنغهاي

شركات الدولة تسيطر على أكثر من 80% من القدرة الإنتاجية في كل خطوة من سلسلة التوريد

time reading iconدقائق القراءة - 17
ألواح شمسية معروضة في جناح شركة \"كلينرجي تكنولوجي\" في المعرض الدولي لتوليد الطاقة الكهروضوئية ومعرض الطاقة الذكية في شنغهاي - الشرق/بلومبرغ
ألواح شمسية معروضة في جناح شركة "كلينرجي تكنولوجي" في المعرض الدولي لتوليد الطاقة الكهروضوئية ومعرض الطاقة الذكية في شنغهاي - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يمكن أن يُعذر زوار أكبر معرض للطاقة الشمسية في العالم على عدم إدراكهم للظروف المزرية التي تواجهها صناعة الطاقة النظيفة الرائدة في الصين.

توافد مئات الآلاف من الأشخاص إلى أكبر مركز للمؤتمرات في شنغهاي الأسبوع الماضي لحضور التجمع السنوي للطاقة الشمسية في المدينة، حيث سادت أجواء كرنفالية. وكان في استقبالهم مسؤولي الشركة متنكرين في زي باندا ورواد الفضاء، ومقدمين يرتدون فساتين سهرة ويستضيفون عجلات الحظ. كما تواجدت أكشاك تقدم المثلجات والفشار والمشروبات، بجانب مسابقات ألعاب الفيديو على شاشات ضخمة ترتفع نحو أسقف غائرة.

وراء الكواليس، كان القلق يساور المسؤولين التنفيذيين إزاء الأزمة التي تجتاح القطاع. فقد تهاوت الأسعار في السوق المحلية بعد توسع سريع أنشأ قدرات أكبر مما ينبغي، مما أجبر العديد من الشركات على البيع بخسارة. وفي السوق الخارجية، تتعرض هيمنة الصين على سلاسل التوريد العالمية للاختبار بفِعل انفجار التدابير الحمائية. ويواجه الانتقال السريع نحو الطاقة الشمسية، الذي يعد أفضل قصة في مكافحة تغير المناخ، الآن مقاومة من شبكات الكهرباء التي تكافح للتعامل مع فيضانات الطاقة المتوفرة نهاراً ثم تختفي ليلاً.

قالت إيمي سونغ، نائبة رئيس شركة تصنيع المواد الشمسية "جي سي إل تكنولوجي هولدينغز" (GCL Technology Holdings)، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" يوم الجمعة: "ندخل في دورة ركود عميقة"، و"بالكاد هناك من يكسب المال الآن".

نمو الطاقة الشمسية

شهدت الطاقة الشمسية نمواً مذهلاً على مدى العقدين الماضيين، فقد تحولت من قطاع متخصص لنشطاء البيئة إلى أكبر مصدر للطاقة الجديدة على كوكب الأرض. وأضاف العالم ألواح شمسية قدرتها 445 غيغاواط العام الماضي، أي أكثر من كافة مصادر الكهرباء الأخرى المجتمعة في أي عام من تاريخ البشرية، وصُنع أغلبها في الصين.

ساهم هذا الأمر في تعزيز نمو الشركات البالغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي أصبحت الآن قابلة للمقارنة مع عمالقة صناعة النفط والغاز. لكنها أثارت أيضاً ظروفاً أربكت أسواق السلع عبر العصور. وازدهرت شركات الطاقة الشمسية في الصين، والآن هي في طريقها نحو ركود قد يفوق فترات الانكماش السابقة في تاريخ الصناعة.

وارتفعت الأسعار بفضل زيادة الطلب التي بدأت قبل ثلاثة أعوام، مما أطلق العنان لخطط توسع طموحة زادت من المعروض بشكل كبير. وأنهت الشركات الصينية عام 2023 بقدرة إنتاجية لوحدات الطاقة الشمسية تقدر بـ1154 غيغاواط، أي أكثر من ضعف القدرة المسجلة في نهاية 2021. وتشير التوقعات إلى أن الطلب لن يتجاوز 585 غيغاواط هذا العام، بحسب "بلومبرغ إن إي إف".

نهوض الصناعة

في الوقت نفسه، يعد التوسع السريع مأساة الموارد المشتركة.

وقال غاو جيفان، رئيس شركة "ترينا سولار" (Trina Solar)، ثالث أكبر مُصنع للألواح الشمسية في العالم، إن الشركات بحثت عن مصالحها الخاصة دون النظر في التأثير الشامل إذا تصرف كافة منافسيها بنفس الطريقة. وأضاف أنهم تلقوا المساعدة من الحكومات المحلية الحريصة على تحقيق أهداف النمو والبنوك الراغبة في تقديم القروض.

كان غاو واحداً من المسؤولين التنفيذيين الذين دعوا الأسبوع الماضي الحكومة المركزية للتدخل لمساعدة الصناعة على النهوض مجدداً. وتضمنت قائمة الخيارات المطروحة تنظيم المصانع الجديدة التي يمكن بناؤها، واتخاذ إجراءات صارمة ضد المرافق الأقل كفاءة، ووضع حدود لتخفيضات الأسعار، وتعزيز الاندماج.

في الوقت نفسه، تقدمت العديد من المصانع بعروض لتوريد عدد قليل من المشاريع، مما أدى إلى هبوط الأسعار إلى مستويات قياسية. ومن غير المرجح أن تتعافي الصناعة حتى 2025 أو 2026، حسب يورو تان، المحلل لدى "بلومبرغ إن إي إف". كما حذر المسؤولون التنفيذيون في الصناعة من اقتراب حالات الإفلاس.

بكين داعم أكبر للطاقة الشمسية

تعد بكين أكبر داعم للطاقة الشمسية. وتعتبر الصناعة إحدى "القوى الإنتاجية الجديدة" للحكومة والتي تأمل أن تسمح للاقتصاد بالتحول من عقود من النمو المدفوع بسوق العقارات والتصنيع المنخفض والاستثمار الذي تقوده الدولة. وتتمتع قطاعات الطاقة النظيفة الأخرى مثل البطاريات والسيارات الكهربائية بنفس الاستقرار.

ساعد الدعم الحكومي، الذي شمل إعانات مالية سخية في الأعوام الماضية، في تقديم صناعة رائدة عالمياً. وتسيطر الشركات الصينية على أكثر من 80% من القدرة الإنتاجية في كل خطوة من سلسلة التوريد. وهذا يثير حفيظة الحكومات الأجنبية التي لا تريد الاعتماد على منافس جيوسياسي للطاقة، وتتوق إلى توفير بعض الوظائف في هذه الصناعة لشعوبها.

ففي الشهر الماضي، شدد الرئيس الأميركي جو بايدن التدابير التجارية ضد معدات الطاقة الشمسية القادمة من الصين، وتستهدف إدارته الآن العمليات في جنوب شرق آسيا، التي يُنظر إليها باعتبارها جبهات سمحت للشركات الصينية بتجاوز التعريفات الجمركية. كما فرضت الهند رسوم استيراد، وكانت هناك دعوات في أوروبا لتحذو حذوها.

قاد هذا الأمر الشركات الصينية للبحث عن استثمارات في الخارج وكسب عملاء في الدول التي وضعت حواجز تجارية. ويشمل ذلك الولايات المتحدة، بعد مشروع القانون الذي أصدرته إدارة بايدن لعام 2022 لتقديم حوافز لتعزيز التصنيع المحلي للطاقة النظيفة.

مواطن تفاؤل

هناك أسباب للتفاؤل في هذه الصناعة بالرغم من التوقعات القاتمة، حيث سيواصل الطلب النمو خلال العقد المقبل، وسيعمل أكثر من أي مصدر آخر لمساعدة العالم على إزالة الكربون. كما أن الأرباح الجيدة بين عامي 2021 و2023 تعني أن العديد من الشركات تحتفظ بودائع نقدية كبيرة لمساعدتها على تجاوز فترات الانكماش.

لكن المشكلات التي تواجه الصناعة هي تقنية وتجارية أيضاً.

ثبتت الصين عدد قياسي من الألواح الشمسية بقدرة 217 غيغاواط العام الماضي، وهو أكثر بكثير مما شُيد في الولايات المتحدة، وتمثل الطاقة الشمسية الآن 22% من القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في البلاد. لكن عدم انتظام أشعة الشمس يضع ضغوطاً على شبكة الكهرباء.

علقت مئات المدن الصغيرة الموافقات على مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة على الأسطح، وتُقلص ساعات استخدام الألواح الشمسية حول البلاد نظراً لرفض الشبكة كميات كبيرة من الكهرباء بسبب عدم وجود مساحة كافية لها خلال ساعات النهار. وأدركت الحكومة المشكلة، وخففت مؤخراً القواعد التي تتيح تركيب الألواح في المناطق التي تتمتع بفائض كهرباء.

تقشف

يتمثل الحل الأوسع في بناء مزيد من خطوط الكهرباء حول العالم التي يمكنها نقل الطاقة النظيفة الزائدة إلى حيث يحتاجها الناس. ويتطلب الأمر أيضاً مزيداً من المساحات التخزينية، عبر البطاريات بشكل أساسي. لكن إضافة هذه التكاليف يعني أن الطاقة الشمسية ستحتاج إلى الاستمرار في أن تصبح أرخص.

تركز الصناعة حالياً على التقشف الاقتصادي. فقد أعلنت شركة "لونجي غرين إنرجي تكنولوجي" (Longi Green Energy Technology)، التي كانت ذات يوم أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم، في بداية العام الجاري أنها ستسرح آلاف العمال. وتوقف آخرون عن الإنتاج، كما تضطر الشركات الصغيرة إلى إلغاء قائمة أسهمها من البورصات.

شبه وو فاي، رئيس شركة "وشى صن تيك باور" (Wuxi Suntech Power)، قطاع الطاقة الشمسية في الصين بصانعي الأجهزة المنزلية قبل 15 عاماً، عندما كان هناك 300 شركة تقريباً تتنافس لبيع غسالات الملابس والثلاجات ومكيفات الهواء عبر البلاد، واندمجت هذه الصناعة مع قلة من المشاركين، وربما تحذو الطاقة الشمسية حذوها.

وقال إن "التغيرات في الصناعة الحالية بدأت للتو، لكن النصف الثاني من العام سيكون أسوأ".

تصنيفات

قصص قد تهمك