بلومبرغ
يناقش كبار المسؤولين في الحكومة الهندية ما إذا كان سيتم تحديد هدفٍ بصافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. ويتطلب تحقيق ذلك، إصلاح قطاع الطاقة في البلاد، المعتمد على الفحم والنقل والصناعات الثقيلة. كما يتطلب أيضاً إصلاح البيروقراطية البطيئة في عملياتها.
ويجب تحقيق هذه الأهداف في الوقت الذي يلبي ثالث أكبر مصدّر للانبعاثات في العالم، طموحات 1.4 مليار شخص لتحقيق تنمية اقتصادية أسرع، وهو ما لن يحدث إلا مع تسريع وتيرة التصنيع والطلب على الطاقة.
ومن المؤكد أن الالتزام قانونياً بهدف صافي الانبعاثات الصفرية سينجح في جذب تريليونات الدولارات من الاستثمارات المطلوبة في الهند لتحقيق التحول الأخضر. وذلك بحسب ما قال المشرّع جايانت سينها، وهو عضو في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وأحد المدافعين عن أهداف 2050.
وأفاد سينها في مقابلة أجريت معه: "العالم لن يحقق أهدافه المتمثلة في وقف ظاهرة الاحتباس الحراري ما لم تتمكن الهند من خفض انبعاثاتها الكربونية وتغيير مسارها في الوقت الحالي".
ونذكر هنا بعض التحديات الرئيسية التي تواجهها الهند:
تعزيز الطاقة المتجددة
يشكل إصلاح قطاع الكهرباء في الهند عاملاً أساسياً لخفض الانبعاثات الكربونية. وفي الواقع، تحرز مصادر الطاقة المتجددة بعض التقدم في نظام يستخدم حالياً الفحم فيما يقرب من 70% من الطاقة الكهربائية المولدة فيه.
ومن الجدير بالذكر أن قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح توسعت إلى 93 غيغاواط تقريباً منذ أن تولى مودي منصبه كرئيس للوزراء في عام 2014.
وبالفعل، فإن تحقيق الهدف الحالي للبلاد المتمثل في تشييد محطات لمصادر الطاقة المتجددة بسعة 450 غيغاواط بحلول عام 2030 يعتبر نمواً هائلاً، لكن الوصول إلى انبعاثات صفرية سيتطلب تسارعاً أكثر دراماتيكية.
وفي الوقت ذاته، تحتاج الهند إلى إصلاح مرافق التوزيع الموجودة فيها والتي تستمر بتكبيدها للخسائر المالية، كما تحتاج البلاد إلى إتاحة المزيد من الأراضي لمزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ودعم تطوير شبكات نقل إضافية.
ويتعين عليها أيضاً موازنة التوجه لمصادر الطاقة المتجددة مع الرغبة في الحد من الاعتماد على الموردين الأجانب، إذ تساهم الضرائب المفروضة على واردات الألواح الشمسية الأجنبية في تحفيز التصنيع المحلي، لكنها قد تجعل نشر الطاقة النظيفة أكثر تكلفة على المدى القصير.
الاعتماد على الوقود الأحفوري
وتتوفر في الهند ثلاثة أنواع من الوقود فقط، تلبي مجتمعة نحو 80% من طلب الهند على الطاقة، وهي الفحم والنفط والكتلة الحيوية الصلبة مثل وقود الحطب ونفايات الحيوانات والفحم النباتي. وتغيير هذا المزيج سيحتاج إلى أكثر من مجرد إضافة مزيدٍ من مصادر الطاقة المتجددة.
ومن المتوقع زيادة استخدام الفحم، وذلك حتى إذا توقفت الهند عن بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية، وذلك لأن محطات الطاقة العاملة بالفحم تعمل بقدرة تقل كثيراً عن قدرتها الفعلية، لذا قد تتطلع البلاد إلى زيادة تلك القدرة.
وفيما يتعلق بالنفط، فهو لا يُستخدم في تشغيل السيارات والشاحنات وخطوط السكك الحديدية فقط، بل أيضاً في الآلات الصناعية وحتى المضخات التي توفر المياه للقطاع الزراعي في الهند.
وفي الوقت نفسه، لا تزال عشرات الملايين من المنازل تعتمد على وقود الكتلة الحيوية الرخيص في الطهي، كما أن الإعانات المقدمة للتحول نحو أسطوانات الغاز النفطي المسال الأنظف، قد تم تخفيضها.
ارتفاع الطلب
وقد أسهمت أجهزة تنقية الغاز ذات الجودة الرديئة في محطات الطاقة العاملة بالفحم في الهند، على زيادة تردّي الوضع. حيث إنها باتت تجعل تلك المحطات مساهماً رئيسياً في رداءة جودة الهواء. وجدير بالذكر أن العاصمة الهندية نيودلهي تعد العاصمة الأكثر تلوثاً في العالم، بحسب شركة "أي كيو إير" السويسرية.
منذ عام 2000، تضاعف استخدام الهند للطاقة، حيث أضاف مئات الملايين من المواطنين مزيداً من الوصلات الكهربائية.
ومن المتوقع أن يتسارع استهلاك البلاد من الطاقة الكهربائية بشكل حاد، وسيكون ذلك مدفوعاً بكل من الصناعة والعائلات، التي تعزز استخدام الأجهزة الكهربائية مثل مكيفات الهواء والثلاجات والسخانات.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تشهد الهند أسرع معدل نمو لاستهلاك الطاقة على مستوى العالم حتى عام 2050.
وبالأخذ بالاعتبار كل ما سبق، فهذا يعني أن الهند تحتاج إلى إضافة قدرات طاقة تكافئ قدرة الاتحاد الأوروبي بأكمله على مدى العقدين المقبلين، بحسب ما قالته وكالة الطاقة الدولية في فبراير الماضي. وسيتطلب تلبية هذا الأمر إضافة مصادر كهرباء أنظف من خلال مشاريع تعتمد على الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية، فضلاً عن طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتحتاج الدولة أيضاً إلى شبكات كهرباء أقوى وأكثر مرونة، بجانب اتخاذ تدابير محسنة بشكل كبير، وذلك فيما يخص كفاءة استخدام الطاقة.
وسائل نقل عام كهربائية
التحول العالمي إلى السيارات الكهربائية يحدث بشكل أبطأ بكثير في الهند مما هو في باقي العالم، وذلك مع ارتفاع تكاليف السيارات العاملة بالبطاريات بشكل كبير، وتضييق فرص الوصول إلى البنية التحتية اللازمة للشحن، والمخاوف بشأن موثوقية شبكات الطاقة.
وبحلول عام 2040، ستعمل ثلث سيارات الركّاب الجديدة المباعة بالبطاريات فقط، مقارنة بحوالي 70% في دول مثل الصين وألمانيا.
وتشكل الشاحنات المخصصة لشحن البضائع تحدياً أيضاً، فهي تمثل 45% تقريباً من انبعاثات النقل البري في البلاد.
وبهذا الصدد، قال سينثيل كوماران، رئيس قسم نفط جنوب آسيا لدى شركة "فاكتس غلوبال إنيرجي" (FGE) الاستشارية: "سيكون من الصعب على الهند حقاً، استبدال النفط الذي يُعمل به كوقود للنقل". وأضاف: "مركبات الشحن ستعتمد على الديزل مهما حدث".
وبالرغم من ذلك، فإن بعض الشركات تستعد إلى مزيد من التحول. فعلى سبيل المثال تأمل شركة "أولا إلكتريك موبيلتي" في صنع 10 ملايين دراجة كهربائية سنوياً في مصنع على ضواحي مدينة بنغالور الهندية، وذلك بحلول صيف عام 2022. وتدرس الهند أيضاً خططاً لتشغيل مركبات طويلة المدى تعمل بالغاز الطبيعي المسال والهيدروجين.
صناعة نظيفة
لا يزال اقتصاد الهند في طور التصنيع، لذا فإن انبعاثاتها من صناعة الصلب والإسمنت والمواد الكيميائية والمواد الأخرى كثيفة الكربون سترتفع بغض النظر عن العمل المناخي. لكن يمكن للبلاد كبح تلك الانبعاثات من خلال نشر تدابير أكثر كفاءة في استخدام الطاقة والتحول إلى وقود أنظف وتبنّي تكنولوجيا احتجاز الكربون.
ومن المؤكد أن زيادة الإنفاق على الطاقة النظيفة سيساهم في قطع شوط طويل في مساعدة القطاع الصناعي.
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن الاستثمار الأخضر في قطاع الطاقة، الذي يشمل الطاقة والنقل والصناعة، بحاجة لأن يكون أعلى بثلاث مرات بين عامي 2025 و2030، مقارنة بالمتوسط بين عامي 2015 و2020. ومن شأن هذه القفزة المساعدة في وضع البلاد على المسار الأكثر خضرة الذي حددته وكالة الطاقة الدولية.
ويقول سانثوش جايارام، رئيس ممارسات تغير المناخ في "كي بي إم جي إنديا"، إن الطريقة التي تدعم بها الهند البحث والابتكار في التكنولوجيا، بما في ذلك تخزين الطاقة واحتجاز الكربون، ستشكل أهمية حاسمة في تحقيق أي هدف جديد.
بيروقراطية أقل
الهند بحاجة أيضاً إلى منح الجهات التنظيمية للبيئة، التي تعاني من نقص التمويل، المزيد من الموارد والسلطة. كما أن الوزارات بحاجة إلى تطوير نظم وآليات تحويل السياسات إلى أفعال.
وعلى مدى عقود زمنية، أصيبت الدولة الآسيوية بخيبة أمل في جهودها الرامية لتحسين البنية التحتية المتداعية بها، وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات العامة، والقضاء على الفساد.
ومن الممكن أن تكون فكرة إنشاء لجنة معنية بتغير المناخ، على غرار المملكة المتحدة ونيوزيلندا، أحد الحلول الفعّالة لمكافحة التغيرات المناخية. فتلك اللجنة يمكنها رصد التقدم المحرز والمساعدة في وضع آليات لتحقيق خفض طويل الأجل في الانبعاثات الكربونية، وفقاً لما ذكره جايانت سينها.
ومن الجدير بالذكر أن الفضل يُنسب إلى اللجنة المعنية بتغير المناخ في المملكة المتحدة، في دفع الحكومة لتحديد هدف خفض الانبعاثات الأكثر طموحاً بين دول مجموعة العشرين.