بلومبرغ
تسببت انبعاثات الغازات الدفيئة في زيادة شدة الفيضانات الكارثية التي شهدتها الإمارات وسلطنة عمان مؤخراً، والتي تعرف باسم "منخفض الهدير"، بنسبة تتراوح بين 10 و40% عما كانت عليه في عصر ما قبل الصناعة، وفقاً لتحليل سريع أجرته مبادرة الأبحاث "وورلد ويذر أتريبيوشن" (World Weather Attribution).
تضرب العواصف الكبرى بشكل غير منتظم منطقة جنوب شرق شبه الجزيرة العربية. وعندما يحدث ذلك، فإنها تميل إلى أن تضرب المنطقة في ظل ظروف "إل نينيو"، وهي ظاهرة ارتفاع درجة حرارة المنطقة الاستوائية الشرقية من المحيط الهادئ من حين لآخر، والتي تفاقم الضرر الذي يحدث الطقس في جميع أنحاء العالم. (تحدث ظاهرة "إل نينيو" منذ يونيو).
على الرغم من التنبؤات الدقيقة والإنذارات العامة في عُمان والإمارات، فإن البنية التحتية هناك غير مجهّزة للتعامل مع الفيضانات الشديدة، إذ يعيش 80% من سكان عُمان و85% من سكان الإمارات على أراضٍ منخفضة ومسطحة ومعرضة للفيضانات، وفقاً للبحث الذي أجرته المبادرة، كما أن 90% من البنية التحتية في الإمارات مهددة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والطقس القاسي.
اقرأ أيضاً: أمطار دبي تفتح نقاشاً بشأن استعداد المدن للتغير المناخي
قالت فريدريك أوتو، وهي محاضرة بارزة في علوم المناخ في "إمبريال كوليدج لندن" وباحثة في "وورلد ويذر أتريبيوشن": "لو لم يكن هذا عام إل نينيو، لما هطلت الأمطار بهذه الطريقة. لكن في الوقت نفسه، لولا تغير المناخ، لما هطلت الأمطار بغزارة كما حدث الآن. كلتا الظاهرتين كانتا عاملين مهمين في تحفيز هذا الحدث".
كشفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة أن الأمطار الغزيرة في جميع أنحاء العالم زادت من حيث شدتها وتواترها، مع ارتفاع درجات الحرارة.
أرجعت الهيئة جزءاً من السبب في ذلك إلى حقيقة معلنة مرتبطة بالهواء والماء وتم اكتشافها في منتصف القرن التاسع عشر، ومفادها أنه مقابل كل زيادة في الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، يمكن أن يحتوي الهواء على حوالي 7% من المياه الإضافية. وتكمن النتائج العالمية والإقليمية حول المخاطر المتزايدة، وراء الاستنتاجات التي توصل إليها علماء مبادرة "وورلد ويذر أتربييوشن" حول التأثيرات المحلية.
مشاركة البيانات مع الباحثين
لكن تطبيق تحليلات مماثلة على مساحة أرض أقل حجماً قد يكون أكثر صعوبة، بسبب سجلات البيانات الأقل نسبياً، أو القيود المحلية على مشاركة بيانات الطقس مع الباحثين.
قال العلماء إن العاصفة يمكن أن تحدث مرة واحدة كل 25 عاماً، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد نطاق تغير المناخ الذي يؤدي إلى تفاقم العواصف الناجمة عن ظاهرة "إل نينيو".
تبيّن لفريق آخر من العلماء في شهر يناير أنه بحلول منتصف القرن، قد ترتفع الأمطار السنوية في الإمارات بنسبة تصل إلى 30%، مع زيادة في الأيام التي تشهد هطول أمطار بمقدار 10 ملم أو أكثر. هطل أكثر من 250 ملم من الأمطار (10 بوصات) على دبي يومي 14 و15 أبريل.
تركت ندرة الفيضانات الضخمة في المنطقة وعدم انتظامها، قدراً محدوداً من البيانات للباحثين لتحليلها، ما يؤدي إلى زيادة عدم اليقين الإحصائي. خلُص الباحثون إلى أن تغير المناخ أدى إلى تفاقم العاصفة، استناداً إلى ما يقدمه لهم سجل الأرصاد الجوية المختصر، إلى جانب الاتجاهات الإقليمية والعالمية، وحقيقة أن الهواء الأكثر دفئاً يحمل المزيد من المياه، وأن التغيرات في دورة الطقس الناجمة عن تغير المناخ، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مثل هذه العواصف. كتبوا أنه "لا توجد تفسيرات أخرى معروفة لهطول الأمطار المتزايد في المنطقة".
اقرأ أيضاً: الأمطار الغزيرة تغمر منازل في دبي وتعلق حركة الطيران
حلول للتكيف
بالإضافة إلى استنتاجاتهم المتعلقة بعلم المناخ، أجرى باحثو مبادرة "وورلد ويذر أتريبيوشن" تحليلاً لنقاط الضعف التي تؤدي إلى تفاقم الظروف الخطرة، وتناولوا كيف يمكن للمسؤولين الإماراتيين والعمانيين التكيف مع الفيضانات المستقبلية.
أسفرت الفيضانات عن وفاة عشرين شخصاً، معظمهم كانوا في السيارات، واضطر العديد منهم إلى ترك سياراتهم على الطرق، ما يشير إلى أن التحذيرات لم تصل إلى الجميع. بالنسبة إلى مخططي المناطق الحضرية، يجب أن تسلط الفيضانات الضوء على مدى تأثير طريقة الإنشاءات في تفاقم الفيضانات، أي وجود الكثير من الأسطح غير القابلة لنفاذ المياه، والبنية التحتية الضعيفة أو المعدومة المخصصة للتعامل مع مياه الأمطار الغزيرة.
قال منصور المزروعي، الباحث في مركز التميز لأبحاث تغير المناخ بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة بالمملكة العربية السعودية: "كان هناك نظام إنذار مبكر يتم نشره عبر وسائل الإعلام والأخبار. لكن المشكلة هي أن الناس لا يهتمون بنظام الإنذار المبكر هذا".
أضاف أن حكومات المنطقة يمكن أن تتعاون مع وسائل الإعلام لإيصال المخاطر المحتملة بشكل أكثر شمولاً وفعالية، ومع بعضها البعض لتحسين جودة بيانات الطقس المتاحة للاستخدام العام.
لفت هطول الأمطار الغزيرة الانتباه إلى برنامج الاستمطار السحابي طويل الأمد المتبع في الإمارات. كتب علماء "وورلد ويذر أتريبيوشن" أنه حتى لو حدث تلقيح للسحب، فإنه لم يكن ليغير كمية بخار الماء في الهواء، والذي كان العامل الرئيسي في هطول الأمطار. تابعوا: "ومن ثم، يمكننا أن نستنتج أن تلقيح السحب لم يكن له تأثير كبير في هذا الحدث".