المصدر:
بلومبرغ
أعلن ستيوارت هوثورن في قاعة بلدية قرية مشاطئة لبحيرة لوخ لينهي، وهي مستطيل مائي بين أرخبيل هبريدس وغلاسكو، خطته لبناء أكبر مزرعة لأسماك السلمون في بريطانيا قرب هذا المجتمع الريفي الذي يفوق فيه عديد المسنين من سواهم.
بيّن هوثورن، المدير الإداري لمزرعة "لونغ لوخ سلمون"، أنه يتوقع أن يسهم مشروعه في خلق 16 فرصة عمل عند اكتماله، وسيضم ثماني حظائر تتسع لما يصل إلى 8 آلاف طن من الأسماك، وهي كثافة تتجاوز ضعفي وسطي القطاع. الأهم من ذلك هو أنها ستسهم في معالجة واحدة من أكبر المشكلات التي تتهدد القطاع، والمتمثلة في ارتفاع نسبة نفوق الأسماك.
ثمة إقبال كبير على السلمون، وقد أصبح استزراعه عملية الإنتاج الغذائي الأسرع نمواً في العالم، ويُسوّق له على أنه البديل الصحي عن اللحم الأحمر والدجاج، كما يساعد على سدّ ما يُعرف بـ"فجوة البروتين" الناجمة عن التزايد السكاني. فقد تضاعف إنتاج السلمون الأطلسي أكثر من ست مرات منذ عام 1995، وتتصدّر السمكة اليوم الصادرات الغذائية البريطانية، وهو يُستزرع في اسكتلندا بشكل رئيسي.
مشكلة نفوق الأسماك
إلا أن ارتفاعاً قياسياً بحجم نفوق الأسماك صاحب تعاظم الطلب. فنحو ربع سمك السلمون الاسكتلندي لا يبلغ مرحلة حصاده، وخلال السنوات الخمس الماضية، سُجلت زيادة نفوق قدرها 53 مليون سمكة، ليتجاوز ذلك نفوق الأسماك لدى المنتجين الأكبر.
يُعزا ذلك في جزء منه إلى ازدياد سخونة المياه التي تحفز نمو قناديل بحر مجهرية وعوالق، ولكن من أسبابه أيضاً بعض الممارسات المعتمدة في القطاع. فالمزارع المكتظة تسهم في تفشي قمل البحر والعدوى البكتيرية والفيروسية. وعلى الرغم من أن قمل البحر ليس فتاكاً بحد ذاته، فإن علاجه قد يؤدي إلى نفوق الأسماك. في أكتوبر، نفق نحو 5% من أسماك المزارع الاسكتلندية، وعلى الرغم من أن هذه النسبة تراجعت إلى 4% في الشهر التالي، فإنها لا تزال أعلى بكثير من متوسط السنوات الخمس الماضية.
تغيُّر المناخ يهدد أسماك السلمون
ما يحدث في اسكتلندا ليس إلا عينة صغيرة من التحديات الأوسع التي تهدد قطاع السلمون حول العالم، والذي يتمركز معظمه في النرويج. فعلى الرغم من تسويق السمكة الحمراء على أنها بديل صديق للبيئة عن لحوم الإبقار، إلا أن المنتجين لم يتوصلوا بعد لطريقة تمكنهم من المحافظة على استدامة الإنتاج واسع النطاق. الحل البديهي هو تخفيف اكتظاظ الحظائر، ما يساعد على كبح انتشار الأوبئة، إلا أنه في الوقت ذاته، يقلل الربحية.
بالتالي، يواجه مربو السلمون مأزقاً. إذ عليهم إن يختاروا بين الاستمرار في التوسع على حساب زيادة معدلات نفوق الأسماك، أو المخاطرة بتبني أنظمة جديدة.
وتزداد ضعضعة ثقة المجتمعات المحلية بقطاع تربية السلمون الذي لا يعود عليهم بفوائد، ويواجه مستزرعو هذه الأسماك تحديات في العثور على أماكن مناسبة لتجاربهم، ما يثير مزيداً من الشكوك حول مستقبل القطاع الذي تُقدّر قيمته بـ765 مليون دولار.
السباحة عكس التيار
كان هوثورن يخاطب جمهوراً صغيراً، معظمه من أزواج ذوي بشرة بيضاء في منتصف العمر، والذين يقلقهم تأثير مزرعة سلمون ضخمة على منطقتهم. شرح لهم عن ابتكاره المستند إلى كيس عملاق مصنوع من بولي كلوريد الفينيل يحمي الأسماك من القمل والقناديل المجهرية قد يساعد أخيراً القطاع على التوسّع.
قال الاسكتلندي البالغ من العمر 56 عاماً إن "الناس يتهمونه بأنه أشبه بمبشّر يكاد يعتقد أنه سينقذ العالم" حين يعلقون على جهوده الرامية لتعزيز مكانة السلمون كبديل منخفض الكربون للحوم الحيوانات التي تُربّى على اليابسة. وأضاف: "لا أعتقد أن هذا المشروع سينقذ العالم، ولكن أؤمن أن هذا المشروع وملايين المشاريع المشابهة حول العالم هي بالضبط ما نحتاج إليه".
لكن في لوخ لينهي على الأقل، سيتطلب إقناع السكان بالمشروع بذل بعض الجهد. على الرغم من أن هاوثورن وعد بأن تلتقط شبكته ما يصل إلى 85% من المخلفات الصلبة التي تنتجها آلاف الأسماك، فإن هذه التقنية لم تتمكّن حتى الآن سوى من التقاط أقل من نصف هذه الكمية، إذا لم يسبق استخدام النظام بنجاح على هذا المستوى، وسط تخوّف السكان المحليين من أن تتحول بحيرتهم العزيزة إلى مختبر لتقنيات غير مثبتة تطرحها شركات التقنية.
رأت جاين هارتنيل-بيفيس، وهي مهندسة داخلية وناشطة اجتماعية، أن "ادعاءات المطوّر غير واقعية"، مضيفة من الكشك الخاص بحملتها المعارضة للمشروع قرب قاعة البلدية: "هذا المشروع لن يحل مشكلات الرفاه والبيئة، بل سيفاقمها. لا توجد طريقة صحيحة للقيام بالأمور الخاطئة".
ملياردير نرويجي يؤسس شركة لإنتاج السلمون في المحيط المفتوح
انعدام الثقة
تواجه المشاريع المشابهة معارضة على امتداد البلاد، حتى أن مشروعاً أقل طموحاً من خطة هوثورن كان من المقرر إنشاؤه في حديقة وطنية، واجه رفضاً، ويخضع حالياً للمراجعة. كذلك، فإن مشروعاً آخر في مرتفعات هايلاندز الغربية لم يوافق عليه إلا بعد استئناف ضد قرار برفضه. وفي مراجعة للقطاع لعام 2022، قال راسل غريغز، رئيس مجلس إدارة الوكالة التنموية لجنوب اسكتلندا إنه لم يسبق أن شهد مثيلاً لانعدام الثقة بين قطاع السلمون والأطراف المعنية الأخرى.
علاوة على ذلك، تصاعدت التوترات بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة التي تلف التراخيص، حيث تضطر المزارع الجديدة لخوض إجراءات طويلة ومعقدة. وفيما كانت الحكومة الاسكتلندية تخطط لمضاعفة إنتاج السلمون بحلول 2030، تراجعت اليوم عن بعض طموحاتها، وبات هدفها الجديد بناء قطاع تربية أسماك يعمل "ضمن الحدود البيئية". كما تراجع عدد مربي السلمون الاسكتلنديين من 257 إلى 210 بين عامي 2010 و2022، .
العلم يراوح مكانه
تتطلب تربية السلمون كثيراً من الجهد، إذ يتعين استخراج البويضات والحيوانات المنوية من الأسماك تحت التخدير، ثم قتل الذكور قتلاً رحيماً. إلى ذلك، تنتج المزارع الكبرى كمية كبيرة من براز وبول الأسماك من شأنها زعزعة استقرار الأنظمة البيئية الهشة. ويمكن للاكتظاظ أن يتسبب بإنتاج أسماك مقززة مليئة بالقمل، شبيهة بالصور التي يروّج لها معارضو تربية السلمون لإقناع المتسوقين بالابتعاد عن ثمار البحر.
وبما أن هذه الظروف مرتبطة إلى حد ما على الأقل بالنفوق الواسع للأسماك، بدأت مجالس إدارة الشركات تستشعر الخطر. وأعلنت شركة "مووي" (Mowi) المدرجة في أوسلو والتي تشغّل أكبر مزرعة سلمون في العالم، أن حالات نفوق الأسماك تسببت بتكاليف بلغت أقلّه 36 مليون يورو في الربع الثالث من 2023 من أصل ربح تشغيلي يبلغ نحو 200 مليون يورو. وأفادت مزرعة "كولونساي" التابعة لـ"مووي" عن نفوق 200 ألف سمكة سلمون في أسبوع واحد في أكتوبر، ولم يسهم حتى رفع أسعار السلمون في تخفيف وطأة الضربة التي تلقتها المزرعة.
تجارب ومشكلات
لا يوجد مسار واضح حالياً في القطاع نحو تحقيق نمو مستدام، كما لا يوجد إجماع علمي حول الأثر البيئي للأنظمة المختلفة المتبعة في تربية الأسماك وتأثيرها على رفاه السكان المحليين. لذا يجري منتجو السلمون تجاربهم بشكل محدود ضمن المزارع الموجودة أصلاً. لقد أعدت "مووي" أدوات رقمية تمكّن المزارعين من كشف المشكلات بشكل أفضل والاستجابة إلى التغييرات التي تطرأ على البيئة تحت الماء. كما جربت استخدام أنظمة شبه مغلقة مثل فكرة هوثورن، إلا أنها واجهت مشكلات في ذلك. فقد دمرت العواصف أحد الأقفاص وأُصيبت الأسماك بالأمراض، حسب تقارير إعلامية.
بيّن رئيس "مووي" التنفيذي إيفان فيندهايم أنه حين تكبر الأسماك تعود بعض المشكلات المألوفة السابقة للظهور، وقال: "تكتظ الأسماك في الحظائر، فتضطر إلى التخفيف من عددها، وعندها تصبح التكاليف مرتفعة جداً فيما تكون مستويات نفوق الأسماك عالية جداً أيضاً".
يمكن رصد مؤشرات على سبل التربية المستدامة للأسماك في عمليات "مووي" في النرويج، التي تدر أرباحاً أكثر من عملياتها في اسكتلندا. ففي المزارع النرويجية، تعيش أسماك السلمون في مياه أعمق على امتداد سواحل أطول. وأشار ريجين ياكوبسين، الذي يتولى منصب المدير التنفيذي لمجموعة "باكافروست" (Bakkafrost) في جزر الفارو منذ عام 1989، إلى أن تحليل الأحواض السمكية أظهر معدلات نفوق أسماك أقل في النرويج وجزر الفارو وتشيلي حيث المياه أبرد وأقل عرضة للأمراض بالمقارنة مع البحيرات الاسكتلندية الضحلة. وتأمل شركته أن تتمكن قريباً من الحد من الخسائر وزيادة الإنتاج في اسكتلندا من خلال نظام إعادة تدوير للمياه يستند إلى النموذج المتبع حالياً في جزر الفارو.
تتطلب مثل هذه الحلول التقنية الاستعداد لخوض الكثير من المخاطر، وهذا أمر أساسي من أجل تربية السلمون في أماكن مثل اسكتلندا. لكن السؤال الذي يطرحه هوثورن ونظراؤه يتمحور حول مدى استعداد الحكومة والجهات المعنية المحلية لتجربة تقنيات جديدة.
تصنيفات
