بلومبرغ
بعد الإعلان المفاجئ في وقت سابق من هذا الأسبوع لمعهد البترول الأمريكي (American Petroleum Institute) عن النظر في الموافقة على تحديد سعر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لم يعتقد كثيرون أن لوبي الوقود الأحفوري المتطرف أصبح فجأة صديقاً للمناخ، وبدلاً من ذلك، يقول مراقبو الصناعة المخضرمون إن تلك الخطوة تُعَدّ أوضح دلالة حتى الآن على أن شركات الوقود الأحفوري ترى أن التحول في سياسة واشنطن بشأن المناخ يمثل تهديداً حقيقياً وهامّاً.
ويبدو أن سعر الكربون -سواء في شكل مخطَّط تداول الانبعاثات أو ضريبة على التلوث الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض- يتعارض مع مصالح صناعة الوقود الأحفوري لكونه سيجعل منتجهم الأساسي أكثر تكلفة للمستهلكين. وقال جو ألدي، أستاذ السياسة العامة في "كلية هارفارد كينيدي"، الذي عمل سابقاً مساعداً خاصاً للرئيس السابق باراك أوباما، إن من المرجح أن يكون لدى شركات النفط والغاز الكبرى مخاوف بشأن كون أي إجراء محتمل آخر من إدارة بايدن أسوأ لها، مضيفا: "إنهم يعتقدون أن سياسة المناخ البديلة قد تكون ككثير من اللوائح التنظيمية التي قد يعتبرونها مرهقة وغير فعالة".
جوانب إيجابية
لكن السياسة نفسها تنطوي على عدد من الجوانب الإيجابية للملوثين. فمبدئياً، وعلى عكس اللوائح التي تقيّد الحفر أو تفرض الطاقة النظيفة، فإن ضريبة الكربون لن تمنع الشركات من استخراج الغاز الطبيعي أو ستخرج الوقود الأحفوري من مزيج الكهرباء في البلاد بالقوة، كما يمكن أن تدفع ضريبة الكربون الاستثمار في تقنية التقاط الكربون مباشرة من الهواء والتقنيات الأخرى التي من شأنها إطالة أمد استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة.
وعلى المدى القصير، يمكن أن يمنح تحديد سعر لانبعاثات الغازات الدفيئة ميزة أكبر للغاز الطبيعي على إحراق الفحم الأكثر تلويثاً.
وقال مايك ماكينا، النائب السابق لمدير مكتب الشؤون التشريعية بالبيت الأبيض، إن "جميع شركات النفط الكبرى لديها أصول غاز طبيعي تحاول حمايتها، وهذه إحدى طرق القيام بذلك. وبمجرد أن أصبحت شركات النفط شركات للغاز الطبيعي وبدأت التنافس في مجال الكهرباء، كان الأمر مسألة وقت وحسب حتى أرادوا التخلص من الفحم".
وقالت ميغان بلومغرين، النائب الأول للاتصالات لرئيس معهد البترول الأمريكي، في بيان، إن الصناعة "تتطور" وإن المعهد "يركز على دعم مشاركة أمريكية جديدة في اتفاقية باريس العالمية".
الأداة المفضلة
ولطالما كانت ضريبة الكربون الأداة المفضلة لخبراء الاقتصاد، الذين يقولون إنها طريقة بسيطة وفعالة لتثبيط الانبعاثات والتأكد من تضمين التكاليف السلبية لتغير المناخ في أسعار المنتجات كثيفة الانبعاثات الكربونية، من البنزين إلى الأسمنت. وكتب المبعوث الرئاسي الخاص للمناخ جون كيري، في مقال رأي في نوفمبر الماضي: "إننا ندفع جميعاً تكلفة" انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن كيري قال إن سعر الكربون من شأنه أن يضع العبء على عاتق أولئك الذين يُطلِقون الانبعاثات، مما يحفز الشركات والمستهلكين على خفض إنتاجهم. وقبل سنوات من توليها منصب وزيرة الخزانة في إدارة بايدن، وصفت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي السابقة، جانيت يلين، ضريبة الكربون بأنها "الحلّ النموذجي لمشكلة تغير المناخ".
وربما كانت أيضاً أداة مفضلة لمجتمع الأعمال التجارية، فقد دعمت عشرات الشركات، بما في ذلك مطورو الطاقة الشمسية ومشغلو محطات الطاقة النووية، خطة لفرض ضرائب على ثاني أكسيد الكربون وتوزيع الإيرادات على المستهلكين، بما في ذلك عمالقة مثل "إكسيلون" ـ.Exelon Corp) و"فيرست سولار" ـ.First Solar Inc)، كما حددت اتحادات مثل الغرفة التجارية الأمريكية والمائدة المستديرة للأعمال محاور خاصة، إذ يجذبهم الوعد بسياسة متسقة لن تتغير مع كل دورة انتخابية.
تاريخ من التضليل
لكن عديداً من دعاة حماية البيئة يشككون بشدة في العمل مع القائمين على صناعة الوقود الأحفوري في أي شيء، إذ يشتبهون في وجود مآرب لشركات النفط وراء ذلك الدعم، بما في ذلك المطالبة باقتران ضريبة الكربون بإلغاء الضوابط البيئية، على سبيل المثال.
وقالت كاثي مولفي، مديرة حملة المساءلة لبرنامج المناخ والطاقة في "منظمة اتحاد العلماء المهتمين" (Union of Concerned Scientists)، إن معهد البترول الأمريكي لديه تاريخ طويل من التضليل عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، الأمر الذي يقوض مصداقيته بشأن هذه القضية، إذ نسّق المعهد حملة إعلامية لتسليط الضوء على "أوجه عدم اليقين" في علم المناخ في عام 1998. ثم شنّ حرباً لمنع اكتساب مخطَّط تسعير الكربون الأخير الزخم في الكونغرس، وهو مشروع قانون واكسمان-ماركي للغطاء والتجارة، الذي عُطّل في مجلس الشيوخ عام 2010.
وقالت مولفي: "بعد عقود من الخداع أخرت العمل وفاقمت أزمة المناخ، لا يتسنّى لمعهد البترول الأمريكي وضع سقف لنطاق وطموح سياسات المناخ الأمريكية".
ويبدو أن المخاوف على الجانب البيئي لها أسس قوية، إذ إن خطة ضريبة الكربون وتوزيعات الأرباح التي برزت كنموذج مفضَّل للشركات في واشنطن، على سبيل المثال، من شأنها أيضاً أن تستبق اللوائح المنظمة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها محطات الطاقة والمنشآت الصناعية الأخرى، كما يُنظر إلى تلك المفاوضات التساومية على أنها عنصر أساسي للاحتفاظ بدعم الشركات وجذب أصوات الجمهوريين، فيما يبغضها عديد من الديمقراطيين الذين يسعون لاتباع نهجاً محافظاً لتنظيم قوانين المناخ.
التحول الكبير
وجاء التحول في المواقف بين شركات النفط والغاز عندما بدأت الشركات الكبرى في الصناعة في الاستثمار في السيارات الكهربائية والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، التي ستستفيد من تحديد سعر الكربون. وكانت شركة "إكسون موبيل" أقرّت ضريبة كربون محايدة للإيرادات في عام 2009، وخصّصَت بالفعل أموالاً للضغط السياسي والدفع الحالي من دعم التشريع الخاصّ بها، وهو ما فعلته شركات "كونوكو فيليبس" (ConocoPhillips) و"بريتش بتروليوم" و"رويال داتش شل". ومن جهة أخرى، يمكن لهذه السياسة أن تمنحهم ميزة تنافسية ضد منتجي ومصافي النفط الأصغر والمستقلين -وكثير منهم أعضاء أيضاً في معهد البترول الأمريكي- ومنتجاتهم الوحيدة هي الوقود الأحفوري كثيف الانبعاثات، وهو وضع يمكن أن يسبّب توتراً في صفوف القائمين على الصناعة.
كما أن دعم سعر الكربون من شأنه أن يوفّر لمعهد البترول الأمريكي وأعضائه غطاءً سياسياً أمام الضغط المتزايد من حمَلة الأسهم المصممين على ضمان عدم تعارض جهود الضغط السياسي مع خطط شركات النفط الطموحة لخفض الكربون. وكان المعهد عارض باستمرار دعم المركبات الكهربائية، التي تمثل تهديداً للطلب على البنزين. وتحت إدارة ترامب، دعم المعهد التراجع عن اللوائح التي تحدّ بشكل مباشر من انبعاثات غاز الميثان، وهو غاز قوي يحبس الحرارة.
وغيّر معهد البترول الأمريكي عمليات الميثان في يناير، قائلاً إنه مستعد للعمل مع إدارة بايدن على قواعد الاستبدال. وبعد فترة وجيزة أعلنت شركة "توتال" أنها لن تجدّد عضويتها في المعهد، مستشهدة بمواقف الضغط التي اتخذها، ودعْمَه المرشحين المعارضين لمشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية باريس للمناخ. من جانبهم يضغط النشطاء الآن على شركتَي "بريتش بتروليوم" و"رويال داتش شل" اللتين كانتا تَعهَّدتا بتحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول 2050، للانسحاب من عضوية المعهد أيضاً.
أبعاد سياسية
وسيكون من الصعب فرض ضريبة الكربون في أي بيئة سياسية، إذ لا يزال عديد من المشرعين يحملون ندوب معركة الجدل الذي دار عام 1993 حول ضريبة الطاقة الحرارية، مما ساعد الجمهوريين على فرض سيطرتهم على مجلس النواب بعد مضي عام واحد. وبالنظر إلى مجلس الشيوخ المنقسم على نحو واضح والمخاوف بشأن فرض تكاليف طاقة جديدة على اقتصاد مزّقه الوباء، فإن فرض الضريبة على الكربون يُعَدّ الآن أمراً صعباً بشكل خاص.
ومن الممكن أن يساعد دعم صناعة النفط في تغيير الحسابات داخل مجلس الشيوخ. وقد أشار بعض الجمهوريين الوسطيين، بمن فيهم السناتور ليزا موركوفسكي من ألاسكا، وميت رومني من ولاية يوتا، إلى أنهم منفتحون على الفكرة، حتى إن بعض المشرعين من الولايات الغنية بالفحم، مثل السيناتور الديمقراطي جو مانشين من غرب فرجينيا، أبقوا الباب مفتوحاً أمام دعم ضريبة الكربون التي قد تدفع الأموال إلى مدن التعدين التي تخطّط لمستقبل جديد يتجاوز الوقود الأحفوري.
ومن ناحية أخرى يناقش قادة وأعضاء معهد البترول الأمريكي بياناً محتملاً يؤيد سعراً على مستوى الاقتصاد للكربون هذا الأسبوع، إضافة إلى تصويت رسمي من أعضاء المعهد في أواخر هذا الشهر.
وحذّر ألدي، أستاذ السياسة العامة في "كلية هارفارد كينيدي"، من أنه إذا أراد مراقبو السياسة أخذ فكرة حقيقية حول المستقبل المحتمل لأسعار الكربون، فإن عليهم الانتباه إلى أي مدى يمكن أن تذهب شركات النفط لتحقيق ذلك، مضيفاً: "السؤال الحقيقي ليس هل كانوا يصدرون بياناً يؤيدها، بل هل يبدؤون بالفعل إنفاق رأس المال السياسي لدعمها؟ هل يسمحون للجمهوريين المعتدلين بدعم ضريبة الكربون؟"