بلومبرغ
تواجه السفن المبحرة صوب الموانئ الأوروبية فاتورة مجمعة للانبعاثات الكربونية تصل إلى 3.6 مليار دولار السنة المقبلة، وهي بداية فرض ضريبة من شبه المؤكد أنها ستزداد، مع تصعيد القارة لجهودها في مجال مكافحة التغير المناخي.
يمثل الرقم تقديراً من شركة "دريوري شيبنغ كونسالتانتس" (Drewry Shipping Consultants)، لإجمالي تكلفة الامتثال لنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي.
وفقاً للائحة التي يبدأ سريانها في الأول من يناير المقبل، ينبغي على السفن التي تدخل وتخرج من موانئ الاتحاد الأوروبي، أن تدفع ثمن التلوث الكربوني المنبعث منها، ما يؤثر على توصيل كافة الأشياء بداية من أحمال الحاويات من البضائع كاملة التصنيع، وصولاً إلى الغاز الطبيعي المسال اللازم للحفاظ على المنازل دافئة شتاءً.
قطاع الشحن
نفث قطاع الشحن العالمي ما يفوق مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال 2018، وهو يعتمد بصورة حصرية تقريباً على الوقود المشتق من النفط، الذي يُعد أرخص كثيراً من البدائل منخفضة الكربون. يعد تضمينه في نظام تداول الانبعاثات جزءاً من خطة الاتحاد الأوروبي لإزالة الكربون من القطاع لمكافحة التغيرات المناخية.
رغم وصولها للمليارات، فإن الفاتورة تمثل جزءاً محدوداً من إيرادات الشحن الدولي، وليس من المرجح أن تؤثر بطريقة كبيرة على الأسعار التي يدفعها المستهلك في نهاية المطاف مقابل البضائع. خلال السنة الماضية، حققت شركة الحاويات العملاقة "إيه بي مولير-ميرسك " وحدها أرباحاً أقل بقليل من 30 مليار دولار أميركي.
اقرأ أيضاً: مقترح بفرض ضريبة على انبعاثات السفن في قمة باريس
خلال 2024، قد تتحمل سفينة حاويات تبحر بين أوروبا وآسيا رسوماً تصل إلى 810 آلاف يورو (887 ألف دولار) تقريباً وفقاً لنظام تداول الانبعاثات، بحسب تقدير حديث لجمعية التصنيف البحري "دي إن في" (DNV) التي تفترض بلوغ سعر الكربون 90 يورو للطن.
بناءً على سعر الوقود البحري أمس الأول بمنطقة شمال غربي أوروبا، يمثل هذا الرقم 10% فقط مما ستكون عليه فاتورة الوقود السنوية للسفينة نفسها، ما يعني أن التقلبات الناجمة عن سعر النفط بمفرده، يمكن أن تفوق بسهولة التكلفة الكاملة لنظام تداول الانبعاثات.
الحاويات
على نفس المنوال، أسفرت اختلافات تكاليف نقل البضائع في الحاويات بين أوروبا وآسيا خلال الأعوام الأخيرة، عن تقليص تكاليف نظام تداول الانبعاثات التابع الاتحاد الأوروبي. وستشكل الآلية جزءاً محدوداً فقط من فواتير الشحن باستخدام النفط والغاز.
اقرأ أيضاً: طلبات تاريخية على السفن الجديدة تمهد لفائض بسعة النقل البحري
لا يرجح أن تُمكن القواعد الجديدة البدائل النظيفة على غرار الميثانول الأخضر، من منافسة أسعار الوقود الأحفوري بالمستقبل القريب، بحسب ستيغن روبنز، كبير مستشاري "دريوري".
تابع: "حتى لو تراجعت تكلفة الوقود الأخضر للنصف خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، فتوجد ضرائب أكثر مطلوبة لتحقيق التكافؤ، ومن المرجح أن يبقى الميثانول الأخضر في وضع غير تنافسي على صعيد التكلفة حتى 2026 على أقل تقدير".
ثغرات نظام التداول
رغم أن نظام تداول الانبعاثات يمثل جزءاً محدوداً من تكاليف الشحن، إلا أن نقاشاً دار فعلاً حول طريقة استغلال التجار والشركات للثغرات، لتفادي سداد الرسوم.
أثارت 6 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي -بصفة أساسية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط- مخاوف الشهر الماضي من أن شركات الشحن قد تتهرب من دفع رسوم نظام تداول الانبعاثات عن طريق الرسو في موانئ قريبة من الاتحاد الأوروبي لكنها خارج حدوده. أضاف التكتل الموحد أنه ينبغي توصيف ميناء شرق بورسعيد في مصر، وميناء طنجة المتوسط بالمغرب، على أنهما "ميناءا جوار لإعادة شحن حاويات" لمنع التهرب.
اقرأ أيضاً: تكاليف الانبعاثات الضخمة تلاحق سفن الشحن في أوروبا
توجد طريقة أخرى ممكنة للتهرب من سداد الرسوم، تكمن في استخدام عمليات النقل من سفينة إلى أخرى، إذ تُنقل الشحنات بين السفن وسط البحر.
على سبيل المثال، إذا أبحرت ناقلة نفط من سنغافورة إلى قبالة منطقة أوروبية مباشرة، وفرغت حمولتها عبر نقلها من سفينة إلى أخرى، ثم أبحرت مرة ثانية صوب سنغافورة، فإن ذلك يجلعها غير مدينة بأي رسوم وفق نظام تداول الانبعاثات، بحسب "دي إن في". هذا لأنه لم تتوجه عملياً إلى ميناء تابع للاتحاد الأوروبي.
أوضح متحدث باسم المفوضية الأوروبية: "ستراقب المفوضية بطريقة وثيقة عمليات النقل المحتملة من سفينة إلى أخرى، في سياق التطبيق المقبل لنظام تداول الانبعاثات الخاص بالاتحاد الأوروبي على القطاع البحري".
أضاف: "حينما يكون الأمر ملائماً، ستكون المفوضية مستعدة لاقتراح تدابير للتصدي لأي سلوك يُقصد به التحايل، للحفاظ على نزاهة وفعالية نظام تداول الانبعاثات الخاص بالاتحاد الأوروبي".
التكاليف مرتفعة
قد تكون تكاليف الامتثال لنظام تداول الانبعاثات، التي تنطبق على المنطقة الاقتصادية الأوروبية وكذلك موانئ الاتحاد الأوروبي، صغيرة إلى حد ما بالوقت الحالي بالنسبة لقطاع كبير على غرار الشحن. لكن من شبه المؤكد أن الشحن سيصبح أكثر تكلفة، إذ ينبغي على شركات الشحن أن تدفع رسوماً على 40% فقط من انبعاثاتهم خلال 2024، ولكن هذه الكلفة ستزيد إلى 70% خلال 2025 وإلى 100% بحلول 2026، وهي نفس السنة التي ستخضع فيها انبعاثات الميثان وأكسيد النيتروس لهذه اللوائح.
مع استعمال نفس الفرضيات المستخدمة في تقديرات "دريوري" التي استندت إلى الانبعاثات الفعلية خلال 2022 وسعر 100 يورو لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، فإن إجمالي فاتورة 2026 ستبلغ 9 مليارات دولار.
مع افتراض أن الامتثال لنظام تداول الانبعاثات بات فعلياً أكثر تكلفة بطريقة كبيرة، فإن المبرر الاقتصادي لاستغلال الثغرات قد ينمو أيضاً.
أوضح آلان سافاري، مؤسس "كاربونيكس" (Carbonex)، وهي شركة استشارية تركز على نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، أنه مع تطبيق الرسوم على 40% فقط من الانبعاثات السنة المقبلة، "قد لا يُنظر إلى تكاليف نظام تداول الانبعاثات باعتبارها مرتفعة بما يكفي لتغيير أنماط الأعمال". لكنه اختتم بأن هذا الأمر قد يتغير خلال الأعوام المقبلة عند تغطية قدر أكبر من الانبعاثات.