التواصل مع الجمهور أداة مفقودة في التعامل مع قضية المناخ

قمة "كوب 28" تواجه تحدياً هائلاً ولا بد من استراتيجية شاملة لتوعية الذين لا يتحدثون عن البيئة

time reading iconدقائق القراءة - 8
المناخ والطاقة ضمن أولويات قادة العالم في قمة المناخ  - المصدر: بلومبرغ
المناخ والطاقة ضمن أولويات قادة العالم في قمة المناخ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يستعد قادة العالم وفرق المفاوضين الخاصة بهم حالياً لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 28"، المقرر أن يُعقد نهاية نوفمبر الجاري في دبي. خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سنجد أنفسنا في خضم مباحثات ونقاشات تتخللها الكثير من الاختصارات والمصطلحات البيروقراطية والحيل الدلالية مثل تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، المعروفة اختصاراً بـ"سي سي إس" (CCS)، فضلاً عن المادة (6.4)، وكلمات مثل التخلص التدريجي مقابل التخفيض التدريجي. لكن أزمة المناخ بمثابة قضية قد تُولّد، قليلاً من الحوار خارج غرف المفاوضات، وقدراً أكبر بكثير من العمل المناخي.

لا يعرف أغلب الناس معنى "سي سي إس"، ولا يتابعون مداولات هيئة الإشراف على المادة (6.4)، ولا يزالون ينعمون بجهلهم عن الفرق بين تحسين انبعاثات الوقود الأحفوري أو وضع حد لها. أشار تقريران صدرا خلال الأسابيع الأخيرة إلى أنه ما يزال ينبغي عمل الكثير لتفسير أزمة المناخ بلغة يفهمها الجميع.

يعرف أغلب الناس شيئاً ما عن تغير المناخ، وفقاً لتقرير من "ييل بروغرام أون كلايمت تشاينج كوميونيكيشن" (Yale Program on Climate Change Communication)، والذي أجرى استبياناً عبر "فيسبوك" شمل ما يقرب من 140 ألف شخص من 187 دولة وإقليم.

رغم ذلك، يُرجح أن يقول أولئك الذين يعيشون في أوروبا إنهم يعرفون قدراً لا بأس به على الأقل عن الأمر، مقارنة بـ"قدر محدود" فقط. يتفق المشاركون في كل المناطق أيضاً، بأغلبية كبيرة، على أن تغير المناخ يحدث فعلاً، رغم وجود انقسام حول ما إذا كان ذلك بسبب عوامل بشرية أو طبيعية في أغلبه.

أولوية حكومية أم لا؟

تعتقد الأغلبية في أغلب المناطق التي شملها الاستبيان أن تغير المناخ ينبغي أن يكون أولوية حكومية. ما يثير الاهتمام هو أن من يعيشون في دول الشمال العالمي لا يميلون للاعتقاد أن تغير المناخ سيؤثر عليهم شخصياً، كما أنهم أقل ميلاً من المشاركين في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا للقول إنها قضية مهمة على المستوى الشخصي.

قد يشير ذلك إلى الانحياز للتفاؤل، بالطريقة ذاتها التي يعتقد أغلب الناس أن مستواهم في قيادة السيارات أفضل من المتوسط، والتي تدفعني عادةً للتقليل من شأن المدة الزمنية التي سأستغرقها للوصول إلى المكتب باستخدام الدراجة. يتراجع ذلك التأثير مع قدر التوتر والخبرة، لذا فمن المنطقي أن من يعيشون في الدول التي تواجه تأثيرات تغير المناخ الآن أكثر ترجيحاً لأن يقولوا إن الاحترار سيؤثر عليهم شخصياً.

الدول النامية تتلقى توصيات خرقاء للتعامل مع تغير المناخ

يؤكد تقرير ثانٍ، أصدره معهد رويترز في جامعة أوكسفورد، ذلك الأمر، إذ كان المشاركون أكثر ترجيحاً لأن يقولوا إن تغير المناخ له تأثير أكبر على صحة مواطنيهم أكثر منه على صحتهم، لكن بجانب إنكار المخاطر التي يمثلها تغير المناخ للأفراد، فقد يعكس ذلك أيضاً وجهة نظر تنطوي على أن سكان الدول الغنية لا يرون أن أزمة المناخ مشكلة تخصهم.

تحدٍّ هائل

كتب فينود توماس، النائب الأول للرئيس سابقاً في البنك الدولي، في صحيفة "فاينانشال تايمز" حديثاً أن قمة "كوب 28" تواجه تحدياً هائلاً في التواصل. قال "توماس" إن الوصول للإرادة السياسية المطلوبة لسياسة طموحة في المناخ يتطلب "تنامي الدعم من الرأي العام"، وهو ما يحتاج بدوره إلى تفسير أفضل للأسس العلمية لتغير المناخ. أتفق مع ذلك الرأي، رغم أنني أعتقد أن الأمر ينبغي أن ينطوي على ما هو أكثر من مجرد إبراز مخاطر المناخ في الوقت الحالي.

أجرى معهد رويترز استبياناً شمل أناساً في ثماني دول حول كيفية تفاعلهم مع أخبار البيئة. كان أكثر من 50% بقليل ممن شملهم المسح قد رأوا أو قرأوا أو سمعوا أخباراً أو معلومات عن تغير المناخ خلال الأسبوع السابق. الثقة في الأخبار مستقرة في مناطق عديدة، رغم أنها تراجعت بشكل ملحوظ في ألمانيا والمملكة المتحدة. من ناحية أخرى، يثق 73% من المشاركين في العلماء كمصدر للمعلومات عن المناخ.

احتياجات تمويل التكيف المناخي أكبر من المتاح حالياً بـ18 مرة

يدعم ذلك التواصل العلمي بلا شك. لقد اعتمدنا على الأكاديميين لإقناع صناع السياسات وعامة الناس بجدية أزمة تغير المناخ. لكننا بدأنا نشهد تباعد آراء الفصائل التي تقودها أسماء رنانة في علوم المناخ على منصات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بوتيرة الاحترار والخطوات التي ينبغي اتخاذها بشأنها.

هل تتفتت الثقة فيما يؤيد بعض العلماء هندسة المناخ بينما يحث آخرون على تسريع وتيرة الخطوات التي نتخذها في المسار الذي نسلكه فعلاً؟ سيكون العلم، وخصوصاً الربط بين تأثيرات تغير المناخ، مثل الطقس القاسي وفشل المحاصيل، بحرق الوقود الأحفوري له أهمية دوماً، لكنه بحاجة لأن يتسم بقدر أكبر من الذكاء من مجرد التسبب في الرعب للناس.

فكّر في أن خُمس المشاركين يتجنبون عمداً الأخبار عن تغير المناخ عادةً أو دوماً. يتحدث الناس أيضاً عن الأمر بنسبة أقل كثيراً مما قد تتوقعه، إذ تحدَّث بين 25% و44% من الناس عن تغير المناخ مع أصدقائهم وأفراد أسرتهم خلال الأسبوع السابق، لكن لم يتحدث 11% في المتوسط إطلاقاً عن الأمر مع أحبابهم.

نحن نشهد أيضاً انقسامات سياسية حادة، لكن ذلك لا يحدث في كل مكان. تبرز الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بسبب الفجوات الواسعة في الرأي، بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم على يمين أو يسار الطيف السياسي. لا شك أن ذلك كان جزئياً بسبب استخدام الجمهوريين والساسة المحافظين للأزمة كسلاح في الحملات السياسية.

أهمية إشراك عامة الناس

نظراً لأن التحول يتطلب مزيداً من المال والقرارات السياسية الصعبة، فهناك خطر أن يتحول عدد أكبر من الانتخابات إلى عمليات تصويت بشأن العمل المناخي والإرادة السياسية الضعيفة. كما يقول "توماس"، فإن سبيل التعامل مع هذا الأمر هو إشراك عامة الناس. نحن بحاجة لأن نتحلى بالذكاء في الطرق التي نترجم بها البيانات لكي تخاطب عامة الناس.

لهذه الأسباب.. تغير المناخ هو الخطر الأكبر على تطور البشرية

لا بد من استراتيجية شاملة لتوعية أولئك الذين لا يتحدثون عن البيئة. يعني ذلك أن نستكشف الطرق التي يمكن من خلالها أن يساهم العمل المناخي في تحسين حياتنا، من خلال الاستفادة من المخاوف حول تكاليف المعيشة (إذ إن مصادر الطاقة المتجددة أرخص كثيراً من النفط والغاز) وفرص العمل (إذ أعلنت وكالة الطاقة الدولية للتو عن ازدهار كبير في الوظائف بقطاع الطاقة الصديقة للبيئة).

لكن رغم أن الفكرة تبدو سهلة، فإن دفع الناس للتحمس بشأن العمل المناخي يتطلب تحولات ثقافية أيضاً. عقدت كينيا في وقت سابق من الشهر الجاري أول يوم وطني لغرس الأشجار بها، إذ حصل الكينيون على إجازة من العمل لمدة يوم ليساهموا في زرع شتلات في أماكن عامة حول البلاد. يمثل ذلك جزءاً من مبادرة حكومية لزرع 15 مليار شجرة بحلول 2032 لمجابهة إزالة الغابات.

لدى العلم الكثير ليقوله بشأن مدى فاعلية الأشجار الجديدة كاستراتيجية للمناخ، شريطة أن تكون مزروعة في الأماكن الصحيحة وتصحبها عملية متعمقة للتخلص من الكربون. لكن الفرحة الحقيقية في المبادرة هي الطريقة التي تُحوِّل بها الدولة فكرة إحياء الطبيعة إلى قضية غير سياسية وتدفع الناس للحديث عن الأزمة الواقعة، وتساهم في تعزيز التوجه للعمل على مصلحة الكوكب في الثقافة الكينية.

ينبغي لبقية العالم أن يحذو حذو كينيا، وسيتفق المغني إلفيس بريسلي، صاحب أغنية "أليتل ليس كونفرزيشن" (A Little Less Conversation)، بالتأكيد معنا في الرأي على أن مزيداً من الحديث عن القضية سيؤدي إلى قدر أكبر بكثير من العمل المناخي.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

دبي

9 دقائق

21°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 21°/21°
4.3 كم/س
67%
الآراء الأكثر قراءة