صفقات الغاز طويلة الأمد تكشف عن فجوة بأهداف أوروبا المناخية

"شل" و"توتال إنرجيز" أبرمتا اتفاقي توريد غاز طبيعي مسال من قطر لمدة 27 عاماً

time reading iconدقائق القراءة - 13
محطة توليد كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي المسال - المصدر: بلومبرغ
محطة توليد كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي المسال - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعد يومين من إعلان الاتحاد الأوروبي أنه سيضغط من أجل التخلص التدريجي من معظم أنواع الوقود الأحفوري على مستوى العالم قبل 2050؛ وقَّعت شركة "شل" اتفاقاً مدته 27 عاماً لشراء الغاز الطبيعي المسال من قطر لصالح هولندا.

هذه ليست الصفقة الأولى التي تمتد لعقود من أجل إمداد الكتلة بالوقود الملوث بعد الموعد النهائي المستهدف، ففي الأسبوع قبل الماضي وقَّعت "توتال إنرجيز" الفرنسية عقداً مماثلاً. ويسلط الاتفاقان الضوء على التحدي المتمثل في التوفيق بين طموح الاتحاد الأوروبي للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050، وحاجته إلى ضمان أمن الطاقة بعد الأزمة التاريخية التي حدثت العام الماضي.

أوروبا تسعى لاستبدال الغاز الروسي

قال كريستيان إيغنهوفر، كبير الباحثين في مركز دراسات السياسة الأوروبية: "شركات الطاقة تراهن فيما يبدو على أن أوروبا ستحتاج إلى غاز أكثر مما يتوقعه الساسة".

وفي حين قطعت أوروبا خطوات واسعة نحو استبدال واردات الغاز الروسي الرخيص الذي كان يستخدم لإدارة عجلة اقتصادها - في الأغلب عن طريق شراء غاز مسال من الوقود من أماكن مثل الولايات المتحدة أو قطر- فإنه قد ثبت أن البدء بانتقالها إلى بدائل أنظف بات أمراً صعباً.

أعطت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة الأولوية لتوسيع مصادر الطاقة المتجددة بعد أن أكد الغزو الروسي لأوكرانيا حاجة أوروبا إلى مصادر مستقلة للطاقة، التي تنطوي أيضاً على أضرار أقل للبيئة.

لكن أدت تكاليف الاقتراض المرتفعة وعدم اليقين بشأن الجدوى التجارية لبعض التقنيات إلى توقف الاستثمارات، وهو ما أثار تساؤلات حيال إمكان تحقيق أوروبا الأهداف المناخية. فلدى الاتحاد الأوروبي هدف ملزم يتمثل في خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري 55% على الأقل بحلول 2030 مقارنة بمستويات عام 1990، وعدم إنتاج أي انبعاثات صافية بحلول منتصف القرن.

تقنيات إزالة الانبعاثات

وافق الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين على التخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري "بلا هوادة"، مما يعني أن البلدان لا يمكنها حرق الفحم والغاز والنفط إلا إذا استخدمت التكنولوجيا لإزالة الانبعاثات الناتجة عنها، مثل احتجاز الكربون وتخزينه. هذه الأساليب ما تزال محدودة النطاق حالياً. وسيشكل هذا الشرط جزءاً من قدرتها التفاوضية في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) هذا العام في دبي.

قال تيم ماكفي، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة والمناخ: "عقود توريد الغاز الطويلة الأجل بين المنتجين والمشاركين في السوق لا تجعل الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الطبيعي، لأنها لا تلزمه بالضرورة باستهلاكه محلياً".

الاتحاد الأوروبي يوافق على مشروع قانون للتوجه نحو الطاقة المتجددة

وبموجب الصفقتين الموقعتين مع "شل"؛ ستسلم "قطر للطاقة" ابتداء من 2026 ما يصل إلى 3.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً إلى محطة "غيت" (Gate) للواردات في روتردام لمدة 27 عاماً. وستتدفق الكمية نفسها إلى فرنسا، التي تراجعت عن صفقات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل العام الماضي، عندما أحيت اتفاق التوريد مع منتج أميركي كانت قد ألغته في 2020.

"مستقبل مشرق للغاز"

وفي حين لا توجد حالياً حدود قانونية للشركات الخاصة لتوقيع اتفاقيات طويلة الأجل؛ فإن بعض الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق من أن الصفقات تُظهر أن كبار المشترين يرون مستقبلاً مشرقاً للغاز على الرغم من رهانات التكتل على مصادر الطاقة المتجددة. ويقول مراقبون آخرون إن نجاح التحول إلى الطاقة النظيفة سيشكل خطراً على الشركات المعنية.

قال ماتياس باك، مدير منطقة أوروبا في مركز أبحاث "أغورا إينرغيفند" (Agora Energiewend): "الاستثمارات الخاصة في صفقات الغاز الأحفوري لما بعد منتصف القرن مُعرَّضة لخطر التوقف، خاصة أن هناك العديد من التساؤلات تتعلق بمدى توفر احتجاز الكربون، وتخزينه في المستقبل وكلفته".

وفي الوقت نفسه، تسارع قطر للعثور على عملاء والاستفادة من المخاوف المتزايدة بشأن أمن الطاقة لإبرام المزيد من الصفقات الطويلة الأجل. وقد استثمرت عشرات المليارات من الدولارات لزيادة الإنتاج 64% بحلول 2027. وبينما كانت الشركات الأوروبية مترددة في بادئ الأمر تجاه إبرام صفقات طويلة الأجل؛ اشترت "شل" أسهماً في مشروعات رئيسية للغاز الطبيعي المسال القطري، كما أن "إيني" الإيطالية هي من المساهمين أيضاً، ولم تعلن الأخيرة بعد عن صفقة مماثلة.

توقيت مناسب

من المحتمل أن تكون الشركات قد أبرمت اتفاقات الغاز الطبيعي في الوقت المناسب بينما يسعى الاتحاد الأوروبي بلا هوادة إلى حظر صفقات توريد الوقود الأحفوري لما بعد 2049. وتتفاوض الدول الأعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبي على مشروع قانون يغطي هذه القضية، ومن المتوقع اتخاذ القرار بخصوص شكله النهائي قبل نهاية العام الجاري.

وفي المقابل، تستبعد شركات طاقة أوروبية أخرى إبرام مثل هذه الصفقات الطويلة في ضوء الأهداف المناخية للمنطقة. فشركة "يونيبر" (Uniper) الألمانية ليست مستعدة لإبرام عقود توريد تستمر حتى عام 2050، وفقاً لمتحدث باسمها.

يعترف صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي أن بعض الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة ستحتاج إلى الوقود الأحفوري لفترة أطول وسيتعين عليها الاعتماد على تقنيات إزالة الانبعاثات، لكنهم يؤكدون على ضرورة عدم استخدام هذه التقنيات لتأخير العمل المناخي في القطاعات التي تتوفر فيها البدائل الفعالة.

وثمة دلائل على أن المشترين الأوروبيين بدأوا في تبني مثل هذه البدائل، بحسب الرئيسة التنفيذية لمجموعة "وودسايد إنرجي غروب"

(Woodside Energy Group) ميغ أونيل، إذ قالت إنه على الرغم من أن عقود الغاز الطويلة الأجل ما تزال سارية؛ "فلا أحد يقول إنه غير مهتم بأنواع الوقود الأخرى في المستقبل"، حيث يطلب المشترون أيضاً احتجاز الهيدروجين والأمونيا والكربون وتخزينها.

مجال محدود للمناورة

مع ذلك؛ فإن الحاجة العاجلة لتأمين إمدادات الطاقة لا تترك للمشترين سوى مجال محدود للمناورة لأن مصادر الطاقة المتجددة ليست قادرة بعد على سد الفجوة، وفق بيتر كلارك، نائب الرئيس الأول للغاز الطبيعي المسال العالمي في "إكسون موبيل".

وقال في منتدى معلومات الطاقة في لندن يوم الأربعاء: "أحد الدروس التي آمل أن نتعلمها من الأزمة الجيوسياسية الحالية هو أن وجود إمدادات كافية من الطاقة وأمنها لتلبية احتياجات الإمدادات أمر بالغ الأهمية. لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، ولكن يمكننا بالتأكيد الاستعداد للأوقات الصعبة".

تصنيفات

قصص قد تهمك