الشرق
تنطلق قمة مجموعة العشرين في الهند السبت، تحت شعار "أرض واحدة –عائلة واحدة– مستقبل واحد"، في وقت تُظهر المواقف الآتية من الهند والصادرة عن قادة في المجموعة، أنهم أبعد ما يكونون عن العائلة الواحدة.
تماماً كالعام الماضي، تشهد هذه القمة خلافات بين أعضاء المجموعة بشأن عدة ملفات، بعضها متوارث كالموقف من حرب روسيا وغزوها أوكرانيا وقضية المناخ وكيفية التعامل معها، وبعضها الآخر فكري يهدف إلى الابتعاد عن سياسة الأقطاب والاستقطاب السائدة، والتي عبر الكثير من الدول عن رفضها لها.
البيان الختامي
بداية الأزمات كانت في البيان الختامي أو إعلان الزعماء. فوفقاً لـ"بلومبرغ" اقتربت المجموعة من الاتفاق على بيان مشترك، بعد تخفيف الصين موقفها من موضوع اللغة المستعملة للإشارة إلى روسيا والحرب في أوكرانيا، ومن التدابير الأولية المتعلقة بالمناخ.
عبّرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين عن هذه الأزمة، إذ أكدت قبيل توجهها إلى نيودلهي للمشاركة في القمة، أن واشنطن مستعدة للعمل مع الهند على صياغة البيان الختامي، لكن ذلك سيشكل "تحدياً".
اتفق رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل مع هذا الرأي، وقال للصحافيين في نيودلهي إن من الصعب التنبؤ بما إذا كان الزعماء سيتوصلون إلى توافق في الآراء على الإعلان، لكن الاتحاد الأوروبي سيدعم الجهود التي تبذلها الهند للتوصل إلى بيان ختامي، وفقاً لـ"رويترز".
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك شدد على أن المحادثات التي سبقت القمة واستمرت ليومين كانت "صعبة"، وذلك في تصريحات لـ"بلومبرغ" قبيل توجهه إلى الهند للمشاركة في القمة. ولفت إلى أن الموضوعين (أوكرانيا والمناخ) سيهيمنان على المحادثات في نيودلهي.
اقرأ أيضاً: "G20" تمنح عضويتها للاتحاد الأفريقي على غرار الاتحاد الأوروبي
وخلصت "بلومبرغ" إلى أن الاقتراب من الاتفاق يشير إلى التوصل لحل وسط، بعد معارضات واجهت المساعي الأوروبية الخاصة بضرورة تحديد هدف للانبعاثات العالمية والوصول إلى ذروتها في موعد لا يتجاوز عام 2025، فضلاً عن معارضات للغة المستخدمة بشأن تسريع الجهود نحو الخفض التدريجي أو التخلص بشكل نهائي من استخدام الوقود الأحفوري.
المناخ مقابل الرقائق
لا يمكن فصل ملف المناخ عن السياسة، خصوصاً وسط تصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، أي الصين والولايات المتحدة الأميركية.
ولفتت "بلومبرغ" نقلاً عن مصادرها إلى أن الصين أثارت مسألة الوصول إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات والرقائق، لمساعدة الاقتصادات الناشئة على التحوّل إلى الطاقة النظيفة، وهو ما اعتبرته واشنطن "مقايضة".
وسبق أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات مرتبطة بالرقائق وأشباه الموصلات، بحجة أنها "تابعة" للجيش الصيني أو تعمل على مساعدته في تطوير أسلحة.
رد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان على هذه "المقايضة"، معتبراً أن فكرة جعل المناخ "رهينة" لدولة معينة للمفاوضة على "قضية منفصلة تماماً لا يمثل قمة المسؤولية". وقال قبيل توجهه إلى الهند، إن أزمة المناخ "لا ينبغي أن تكون مصدراً للنفوذ"، وفقاً لـ"بلومبرغ".
وأضاف: "لقد قلت مرات عديدة إن جهود الصين لربط المناخ بإجراءات الولايات المتحدة بشأن قضايا أخرى ليست لعبة سنلعبها، وهو ما يصلح أيضاً في مجموعة العشرين".
من جهتها، أشارت المتحدثة باسم وزارة خارجية الصين ماو نينغ في مؤتمر صحافي الجمعة في بكين، إلى أن الجانب الصيني "يأمل في أن تتمكن جميع الأطراف من أخذ مخاوف بعضهم بعضاً في الاعتبار، والعمل بشكل مشترك من أجل حل تغير المناخ".
ومن غير المتوقع أن يشارك الرئيس الصيني شي جين بينغ في هذه القمة.
اللغة بشأن روسيا
بعيداً عن المناخ، فإن موضوع روسيا التي لن يحضر رئيسها فلاديمير بوتين القمة، وغزوها أوكرانيا والذي بات متشعباً بشكل كبير، شكل حجر عثرة أمام الوصول إلى "العائلة الواحدة". وقال مسؤولون هنود لوكالة "رويترز" هذا الأسبوع، إن الهند تريد أن يستوعب البيان الختامي أو إعلان الزعماء، وجهات نظر روسيا والصين، التي أعاقت جهود الدول الغربية لتضمين إدانة قوية للحرب الروسية في أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: مجموعة العشرين تخطط لمضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة 3 مرات
صحيفة "فاينانشال تايمز" أفادت الخميس، بأن سوناك سيحض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على توجيه انتقاد مباشر وعلني لروسيا بسبب غزوها أوكرانيا، واستغلال نفوذه للمساعدة في إنهاء الحرب.
تريد الدول الغربية وخصوصاً ألمانيا، إدانة قوية للغزو كشرط للموافقة على إعلان دلهي، بينما اقترحت الهند بجانب إدانة المعاناة التي تسبب فيها الغزو الروسي، أن يعكس أيضاً وجهة نظر موسكو وبكين عن أن هذه القمة ليست مكاناً للقضايا الجيوسياسية.
ديون الدول منخفضة الدخل
من الأمور العالقة أيضاً، والموروثة من قمم سابقة، مسألة خفض ديون الدول الفقيرة، وهي مبادرة أطلقتها السعودية عام 2018. وفي 2020 وخلال رئاسة السعودية لمجموعة العشرين، أقر الزعماء خطة لتمديد تجميد مدفوعات خدمة الدين المستحقة على الدول الأكثر فقراً حتى منتصف عام 2021.
ويواجه أكثر من 70 دولة منخفضة الدخل عبء ديون يبلغ 326 مليار دولار، ولا يستطيع أكثر من نصفها بالفعل الوفاء بديونها أو على وشك ذلك، ومنها زامبيا، وسريلانكا، وإثيوبيا، وغانا. وتعرقل الخلافات بين الدائنين التقليديين مثل "نادي باريس" وهي الدول الغنية الغربية بشكل أساسي، ودائنين جدد مثل الصين، أكبر مقرض للاقتصادات النامية، منذ سنوات جهود إعادة هيكلة هذه الديون وإنقاذ تلك الاقتصادات من الأزمات.
اقرأ أيضاً: مجموعة الـ20 تفشل في التوافق حول الوقود الأحفوري وإدانة روسيا
كان فشل التعاون بين الدائنين موضوعاً رئيسياً في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين التي انعقدت في أبريل الماضي. وشمل ذلك ما يسمى المائدة المستديرة العالمية للديون السيادية، التي تشارك في رئاستها الهند، والتي تلقت تكليفاً واسع النطاق بإيجاد طريقة للمضي قدماً لحل أزمة معالجة الديون بين جميع الدائنين.
من جهتها، أفادت وزيرة مالية الهند نيرمالا سيترامان في أبريل أيضاً، بأن الصين ترسل إشارات مشجعة حيال كسر الجمود بين الدائنين العالميين في ما يتعلق بكيفية إدارة أزمة الديون التي تعاني منها البلدان الفقيرة. وأضافت الوزيرة، التي تساعد في قيادة جهود المجموعة لحل الأزمة، في مقابلة مع "تلفزيون بلومبرغ": "نرى مؤشراً إيجابياً في تعاطيهم (مع الأزمة)، وبالتالي فهم يُلزمون أنفسهم أيضاً بحلها".
سياسة القطب الواحد
بعيداً عن الأزمات الآنية، فإن سياسة الاستقطاب وإلغاء القطب الأحادي من السياسة العالمية ستكون حاضرة، خصوصاً أن الكثير من الدول المشاركة في القمة، هي أصلاً أعضاء في مجموعة "بريكس" التي انعقدت في جوهانسبرغ الشهر الماضي، ووجهت دعوة لـ6 دول للانضمام إليها.
ومنذ تأسيسها قبل 15 عاماً، أخفقت "بريكس" في تحويل قوتها الاقتصادية المتنامية إلى نفوذ سياسي ضخم. لكن حالة الاستقطاب السياسي في النظام العالمي أحادي القطب، أعطتها فرصة جديدة لتصبح صوتاً أعلى لمنطقة جنوب الكرة الأرضية، وربما تنافس الولايات المتحدة وحلفاءها، هذا ما يعني وجود فرصة لإعادة رفع الصوت في نيودلهي.
كانت الصين وما تزال من أبرز الدول التي طالبت بتعددية الأقطاب في النظام السياسي العالمي، خصوصاً أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، دخل في صراع اقتصادي ضروس مع الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المطالبة لم تعد تقتصر على الصين، فروسيا أيضاً التي أصبحت الآن أكثر دولة خاضعة للعقوبات في العالم، تطالب بهذا الأمر، وحاولت تشكيل ما يشبه التحالف في مواجهة الولايات المتحدة، رغم أن غزوها لأوكرانيا أجهض هذه المهمة.