أزمة سد النهضة تعود إلى الواجهة مع اختتام جولة المفاوضات

إثيوبيا ستستضيف الجولة المقبلة من المفاوضات في سبتمبر

time reading iconدقائق القراءة - 7
أعمال تشييد سد النهضة في اثيوبيا - AFP
أعمال تشييد سد النهضة في اثيوبيا - AFP
المصدر:

الشرق

عاد ملف سد النهضة إلى الواجهة مع إعلان مصر الاثنين، انتهاء فاعليات الاجتماع الذي شارك فيه وفدان من السودان وإثيوبيا، وذلك بلا تغيير في موقف أديس أبابا، وفق بيان صادر عن وزارة الموارد المائية والري المصرية.

وأشار البيان إلى أن مصر ستستمرّ في مساعيها للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، "على النحو الذي يراعي المصالح والثوابت المصرية بالحفاظ على أمنها المائي والحيلولة دون إلحاق الضرر به، ويحقّق المنفعة للدول الثلاث".

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان على منصة "إكس" إن الأطراف "تبادلت وجهات النظر بشأن حل يرضي الأطراف"، مشيرة إلى أنهم اتفقوا على أن إثيوبيا ستستضيف الجولة المقبلة من المفاوضات في سبتمبر في أديس أبابا.

ونبّهت إلى أن إثيوبيا "ستحاول اختتام المفاوضات الثلاثية بناءً على مبادئ المساواة والاستخدام المنصف والمعقول" مع ضمان "حصتها العادلة في مياه النيل".

بداية الأزمة

هذه ليست المرة الأولى التي يعود فيها هذا الملف إلى التداول، إذ بدأت الأزمة عملياً عام 2010، عندما وقعت 6 دول مشتركة في حوض النيل من بينها إثيوبيا، اتفاق "عنتيبي" في أوغندا.

يهدف الاتفاق إلى تبديل اتفاقية تقاسم مياه النيل التي أبرمتها الحكومة البريطانية عام 1929 بصفتها الاستعمارية، نيابة عن عدد من دول الحوض (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، مع الحكومة المصرية، وحظرت إقامة أي أعمال ري أو مشاريع كهرومائية على النيل وفروعه بلا اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية. كما سعت الاتفاقية إلى تبديل اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، التي تحدد الحصة السنوية لمصر من مياه النيل.

بدء مفاوضات عاجله بين مصر وإثيوبيا للاتفاق حول سد النهضة

في 2011 وضعت إثيوبيا حجر الأساس لبناء السد، في وقت كانت فيه مصر تشهد أزمة سياسية تمثلت في احتجاجات أفضت إلى تنحّي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. ولكن العمل ببناء السد الذي يبلغ ارتفاعه 145 متراً وطوله 1708 أمتار، لم يبدأ إلا عام 2013، تزامناً مع موافقة البرلمان الإثيوبي على اتفاق "عنتيبي".

"إعلان مبادئ"

في 2015 اتفق المشاركون في القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير، والرئيس الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين، على "إعلان مبادئ سد النهضة" بهدف حل مشكلة تقاسم مياه نهر النيل.

إعلان المبادئ ينص على "تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء خلال المراحل المختلفة للمشروع"، كما اشترط اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء السد، والاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي بالتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا.

انخرطت الدول الثلاث بعدها بعدة جولات مفاوضات، ولكنها شهدت كثيراً من التعثر.

أسباب الخلاف

تتركز أسباب الخلاف بين إثيوبيا ودولتَي المصبّ، أي مصر والسودان، حول عدة بنود، أبرزها صيغة الاتفاق، إذ تريد القاهرة والخرطوم اتفاقاً يحمل صفة قانونية ملزمة، تشمل كل التفاصيل الخاصة بالسد، مثل آلية الملء وطرق التحكيم عند الخلاف، وهو ما ترفضه أديس أبابا التي تريد تفاهماً غير ملزم قانونياً.

بند الخلاف الآخر يتمثل في سنوات الملء، إذ تريد أديس أبابا ملء السد بوتيرة سريعة تتراوح بين 4 و7 سنوات، في حين ترغب مصر في أن يتمّ الملء في 6 أو 7 سنوات.

إضافة إلى ما سبق، تطالب كلّ من مصر والسودان بوجود آلية قانونية ملزمة لحل النزاعات، من خلال إحالتها إلى وساطة تختارها الدول الثلاث أو الاتحاد الأفريقي ويكون حكمها ملزماً لجميع الأطراف، في حين تريد إثيوبيا حل النزاعات بين الدول الثلاث بلا تَدخُّل من أي جهة خارجية، وهو ما يعني أن الآلية ستكون غير ملزمة، ومن غير المرجح أن تصل إلى نتيجة.

وجهة نظر إثيوبيا

ترى إثيوبيا أن هذا السد الذي تبلغ كلفته 5 مليارات دولار، ويمكن أن يستوعب 74 مليار متر مكعب من الماء، مشروع حيوي للبلاد، خصوصاً أن السد الذي يُعتبر أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، يمكن أن يساهم في حلّ أزمة المياه في البلد الذي يعاني الجفاف.

في يونيو الماضي أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن إثيوبيا شهدت واحدة من أشد حالات الجفاف الناجمة من ظاهرة "لا نينا" في الأربعين عاماً الماضية، وذلك بعد أربعة مواسم متتالية من عدم تساقط الأمطار.

إضافة إلى ذلك، فإن البلاد تخطط لاستغلال السد في توليد الكهرباء، إذ من المرجح أن يولّد ما يصل إلى 5 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وهو ما يعادل ضعفَي ما كانت تنتجه البلاد قبل السد.

ظهر هذا المسعى جليّاً خلال العامين الماضيين، ففي 2020 قال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي آنذاك سيلشي بقلي، إن نحو 60 مليون شخص في البلاد التي يقطنها 110 ملايين شخص، يعيشون بلا كهرباء.

بعد عامين من هذا التصريح، تحديداً في فبراير 2022، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بِدء إنتاج الكهرباء من السد. وبعد 9 أشهر تماماً بدأت إثيوبيا تصدير الكهرباء إلى كينيا بموجب اتفاق مدته 25 عاماً بين البلدين، ستستورد فيه كينيا 300 ميغاواط خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفقاً لما نقلته وكالة "فرانس برس".

بالإضافة إلى ما سبق، فإن إثيوبيا تحاجّ بأن السد يمكن أن يساهم في تخفيف الفيضانات الموسمية المدمرة في السودان، ويعزّز الإمدادات الغذائية في إثيوبيا من خلال توفير مياه الري الموثوقة، وإطالة عمر السدود الأخرى على مجرى نهر النيل عن طريق حبس الرواسب.

خوف مصري-سوداني

رغم التصريحات الإثيوبية التي تهدف إلى طمأنة دول المصبّ، فإن مصر والسودان يعتبران السد تهديداً للأمن المائي في البلدين، خصوصاً إذا جرَت عملية الملء بسرعة.

مصر تتخوف أكثر من السد، وتعتبره "تهديداً وجودياً" لها، خصوصاً أن نهر النيل يُعتبر المصدر الرئيسي للمياه في البلاد التي تبلغ حصتها منه 55.5 مليار متر مكعب، وهو ما مثل 68.5% من جملة الموارد المائية عام 2019-2020، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وتوقعت دراسة أجرتها جامعة القاهرة، أن تفقد مصر 51% من أراضيها الزراعية حال إتمام عملية ملء الخزان خلال 3 سنوات، وفي حال أُجرِيَت عملية الملء في 6 سنوات فإن نسبة الخسائر ستنخفض لتفقد مصر نحو 17% من أراضيها الزراعية بدلاً من ذلك، كما سيتسبب في بطالة عشرات آلاف العاملين في القطاع الزراعي، الذين يمثلون ربع القوى العاملة في مصر.

من جهتها، تتخوف الخرطوم التي تبلغ حصتها من مياه النيل 18.5 مليار متر مكعب، من أن يؤثّر السد الإثيوبي في عمل سدودها، خصوصاً سدَّي الرصيرص ومروي.

تصنيفات

قصص قد تهمك