ما يحدث في أنتاركتيكا سيمتد تأثيره إلى العالم أجمع

موجة حر غير مسبوقة تضرب القطب الجنوبي وذوبان الصفيحة الجليدية سيرفع مستوى سطح البحر 57 متراً

time reading iconدقائق القراءة - 10
فقمة ترقد على قطعة جليدية طافية بالقطب الجنوبي - AFP
فقمة ترقد على قطعة جليدية طافية بالقطب الجنوبي - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

نسمع كثيراً عن نواقيس الخطر التي تدق بشأن المناخ. وهذا إنذار من الحكمة عدم تجاهله؛ مُنيت أنتاركتيكا -القارة القطبية الجنوبية المتجمدة- بأشد موجة حر مسجلة على الإطلاق.

في مارس 2022، شهد شرق أنتاركتيكا درجة حرارة تزيد بما يصل إلى 38.5 مئوية (101.3 فهرنهايت) عن متوسط تلك الفترة من العام؛ إذ جلب ما يُطلق عليه اسم "النهر الجوي" (atmospheric river) الهواء الحار والرطوبة من أستراليا إلى قلب القارة المتجمدة، لترتفع درجات الحرارة من -50 مئوية المعتادة إلى -10 مئوية. لو كانت موجة الحر التي ضربت المملكة المتحدة في 2022 -والتي تجاوزت فيها الحرارة 40 درجة مئوية للمرة الأولى بالبلد- بالشدة ذاتها، لبلغت درجة الحرارة 60 مئوية.

نقطة اللاعودة

إنها واحدة من ظواهر متطرفة عديدة جمعها تقرير جديد نُشر في دورية "فرونتيرز إن إنفيرومنتال ساينس" (Frontiers in Environmental Science). يبدو مستقبل أنتاركتيكا غامضاً، لكن المؤكد أن مواصلة استخدام الوقود الأحفوري سيعرض القارة الواقعة في أقصى جنوب العالم لخطر الانهيارات الكارثية. فتسبب الحر الشديد في 2022، على سبيل المثال، في ارتفاع درجة حرارة الجليد القاري، وتفتت الجليد البحري، وانهيار جرف "كونغر" الجليدي لاحقاً، وهو سهل متجمد بحجم مدينة روما.

تتضمن الظواهر الأخرى تسجيل أدنى مستوى للجليد البحري، وموجات حر بحرية، وذوبان السطح الجليدي بشكل غير مسبوق. أما عن مستوى الجليد البحري، فكان هذا العام استثنائياً بوجه خاص. فانخفضت مستويات الجليد البحري عن المتوسط بثلاث مرات عما كانت عليه سابقاً. سيكون لتلك الظواهر عواقب وخيمة على الحياة البرية الشهيرة على القارة: فما بين 2018 و2022، يُرجح أن 42% من مستعمرات البطريق الإمبراطوري عانت من فشل في التكاثر -كلياً أو جزئياً- نتيجة للانهيارات الثلجية السريعة، في عام واحد على الأقل.

يمكن القول إن تلك الظواهر تمثل نقاط تحول -وهي حدوث شيء بعد بلوغ نقطة اللاعودة- في القطب الجنوبي. فعندما نرى انفصال جبال جليدية ضخمة عن القارة، وانهيار الجروف الجليدية الكبيرة، وتراجع مساحة الجليد البحري، قد لا نستوعب أن تلك أشياء لا يمكن علاجها بسهولة، إن أمكن ذلك في الأساس. قالت أنا هوغ، التي شاركت في إعداد التقرير والأستاذة المساعدة بكلية الأرض والبيئة، إننا لم نرَ في حياتنا قَط جرفاً جليدياً يعود إلى ما كان عليه.

مخاطر تهدد المناطق المنخفضة

الأضرار التي لا يمكن إصلاحها التي تحدث لإحدى المناطق الأكثر قيمةً وتميزاً على وجه الأرض مدمرة، وتمثل نتيجة بشعة لتصرفات البشر. وذلك سبب كافٍ لمنع وقوع مزيد من التدهور متى أمكن. لكن هناك سبب آخر للقلق. فكما قالت جين رمبل، التي شاركت في إعداد الدراسة ورئيسة إدارة المناطق القطبية التابعة لوزارة الخارجية وشؤون دول الكومنولث البريطانية، للصحفيين قبل صدور التقرير: "ما يحدث في أنتاركتيكا، لن يبقى في أنتاركتيكا. إنها عواقب ستنتشر في العالم".

لنأخذ منسوب مياه البحر مثالاً. حالياً، ونتيجة لاستخدام الوقود الأحفوري، تسهم الصفيحة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية المتجمدة في المحيطات بكميات أكبر بمقدار 6 مرات عما كانت عليه قبل 3 عقود. فأكبر مستودع للجليد في الصفيحة الجليدية في القارة هائل الحجم، وإذا ذاب تماماً -وهو أمر لا يتوقع العلماء حدوثه في المدى القريب- سيرفع منسوب مستوى البحار عالمياً بمتوسط 57 متراً. وعلى خلاف الكتل الجليدية التي قد تذوب ثم يتوقف تأثيرها على ارتفاع منسوب مياه البحر، فتأثير ذوبان أنتاركتيكا سيستمر، ليمثل تحديات قد تهدد وجود بعض المناطق والتجمعات السكانية الساحلية المنخفضة عن مستوى سطح البحر، من جاكرتا إلى ميامي.

ذوبان الجليد يرفع حرارة الأرض

هناك مصدر آخر للقلق يكمن في توقف أنتاركتيكا عن أداء دور مصدر تبريد كوكبنا، وتحولها إلى ما يشبه مصدراً لتوزيع الحرارة. في الوقت الحالي، يعكس جليد القارة كمية كبيرة من أشعة الشمس إلى الفضاء، ما يساعد على مواصلة تبريد العالم.

حالياً، تمثل المساحة المكشوفة فوق الجليد ما بين 0.2 و0.4% فقط من القارة، لكن من المرجح أن تزيد تلك النسبة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر. ما سيقلل قدرة السطح على عكس الحرارة، ويزيد كمية الحرارة التي يمتصها الكوكب. إنها نتيجة نراها في المنطقة القطبية الشمالية، التي ارتفعت درجة حرارتها 4 أضعاف بوتيرة أسرع عن بقية الكوكب. وإذا سلكت القارة القطبية الجنوبية المسار ذاته، فستنتشر العواقب الوخيمة لذلك في كل مكان آخر.

ربما تفصلنا عن أنتاركتيكا آلاف الكيلومترات، لكننا بالتأكيد سنشعر بنتائج التغير الحادث فيها. وهو سبب آخر نضيفه إلى مجموعة المبررات الداعية لتنفيذ إجراءات العمل المناخي بشكل أكثر سرعة وأشد جرأة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نورث بول

-9°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى -10°/-8°
0 كم/س
90%
الآراء الأكثر قراءة