بلومبرغ
تقاوم أكبر البلدان المنتجة للسلع الزراعية حول العالم قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة التي تتطلب تقديم دليل على أن المحاصيل لم تُزرع على أراضٍ أُزيلَت منها الغابات، بحجة أنها ستفاقم تكلفة صنع الغذاء.
جاء أحدث مثال على رد الفعل الرافض بعنف من البرازيل، أكبر دولة مصدّرة للبن وفول الصويا على مستوى العالم. خلال الأسبوع الجاري فقط انتقد بشدةٍ وزير زراعة البلاد كارلوس فافارو، فرض قيود، وشكّك في توافقه مع مبادئ منظمة التجارة العالمية. أضاف أن البرازيل تسعى لتوسيع التجارة مع بلدان أخرى خارج الاتحاد الأوروبي، بما فيها دول تكتُّل "بريكس" المكونة من 5 بلدان تضمّ أيضاً روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ضغط أوروبي
أوضح فافارو أن البرازيل تؤدّي فعلاً دوراً بارزاً في حماية البيئة، وقال: "إذا كانت أوروبا لا تريد أن تدرك ذلك، فآخرون يدركون ما تفعله البرازيل".
من المقرر أن يشتمل الامتثال للقواعد الجديدة على إنشاء منظومة تتبع لسلاسل الإنتاج المعقدة بالكامل، وهي مهمة من المحتمَل أن تكون معقدة وعالية التكلفة. ستخضع مجموعة واسعة من المنتجات لهذا الشرط، بداية من اللحوم وصولاً إلى زيت النخيل، ما سيفاقم التكاليف الزراعية في وقت بدأ فيه تضخم الغذاء الصعود مرة أخرى.
لن تضرّ الأسعار المرتفعة المشترين الأوروبيين فقط. لأن السوق ضخمة للغاية، فسيكون على الأرجح لزاماً على المزارعين تبنّي ممارسات جديدة على نطاق واسع. يمكن بنهاية المطاف أن يتحمل المستهلكون عبر مناطق العالم كافةً التكلفةَ، إذ ينقل المنتجون التكاليف الجديدة إليهم.
"معيار مرتفع"
حتى في الوقت الذي يستنكر فيه المنتجون القواعد، تتخذ الشركات والمزارعون عبر أنحاء العالم كافة، فعلياً خطوات للتكيف معها والتأكد من مواصلتهم دخول الأسواق الأوروبية المهمة.
ويرى باولو سوزا، رئيس وحدة عمليات شركة "كارغيل" التشغيلية في البرازيل، إحدى أكبر الشركات الزراعية حول العالم، أن الشركات التجارية الكبرى ستكون بحاجة إلى تعديل إجراءات عملياتها عبر مناطق العالم كافة.
وأشار إلى أن التزام القواعد سيؤدي إلى تحمل تكاليف إضافية، لكنه أيضاً "يؤدي إلى التيقن من قدرتنا على تقديم خدماتنا للعملاء، وينبغي لنا رفع مستوى معيار الأداء لتحقيق ذلك".
أهداف المناخ
تستهدف القواعدُ المساعَدةَ على مكافحة التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي، حسب متحدث باسم المفوضية الأوروبية. نوه المتحدث بأن اللائحة تنطبق "على السلع الأساسية وليس الدول، كما أنها لا تمثّل إجراءات عقابية أو حمائية، لكنها توفر بيئة تنافسية عادلة"، مضيفاً أن الاشتراطات وُضعت بما يتوافق مع معايير منظمة التجارة العالمية.
يُمهِل تشريع إزالة الغابات الذي بدأ سريانه 29 يونيو الماضي، الموردين من 18 إلى 24 شهراً لتوفيق أوضاعهم. لا يمثل هذا وقتاً طويلاً عند مراعاة المستويات المتفاوتة لإمكانية التتبع المتوافرة بالوقت الراهن. يوجد قلق من أن يصبح الجدول الزمني والقواعد بنهاية المطاف لصالح أولئك الموجودين بالمناطق الأكثر تطوراً حيث تتوافر لديهم فعلياً تكنولوجيا وممارسات أكثر تقدماً، في حين يجعل المنتجين الصغار والأكثر ضعفاً متخلفين عن الركب.
وقالت فانوسيا نوغيرا رئيسة منظمة القهوة الدولية: "من سيتحمل تكلفة هذا الأمر؟ لا يمكن أن يتحملها المنتجون".
أسعار الكاكاو
تدرس ساحل العاج وغانا، اللتان تسيطران معاً على ثلثَي الإنتاج العالمي من الكاكاو، تطبيق آلية تسعير جديدة لحساب التكاليف الإضافية. سيكون ذلك علاوة على ما يُطلَق عليه فروق الدخل المعيشي، الذي يمثّل رسوماً إضافية 400 دولار للطن استخدمت لتحسين أجور المزارعين.
وقال إيف كوني، رئيس المجلس الأعلى للبن والكاكو، الجهة التنظيمية المسؤولة عن الكاكاو في ساحل العاج: "لا يمكنك زيادة تكاليف الإنتاج دون أن يظهر ذلك في السعر".
يتشابه ذلك مع قصة لحوم البقر. يتطلب التشريع تتبع الماشية كافةً بداية من مسقط رأسها، ما يشكّل تحدياً لكبار المصدرين في البرازيل، حيث يعيش الحيوان بمواقع مختلفة على مدى مراحل حياته المتعددة.
منذ 2009 بدأ نظام محدد يتطلب تتبُّع الحيوانات فرديّاً فعلياً بالتحكم في شحنات التصدير لأوروبا. وأوضح فرناندو سامبايو، المدير التنفيذي لـ"أبيك" (Abiec)، إحدى شركات القطاع، أنه توجد في الوقت الحاضر حاجة إلى توسيع الآلية من 90 يوماً حالياً من التتبع قبل الذبح إلى مدة أطول كثيراً تبدأ مع ولادة الحيوان.
وقال: "سنتعاون مع المزارع المعتمَدة ونضيف مورديها إلى نظام التتبع، لكن الأوروبيين يتفهمون أن التكاليف ستُنقل إلى المستوردين".
معاناة المزارعين
من المحتمَل أن يواجه مزارعو فول الصويا في الأرجنتين أيضاً مشكلات، حسب رودولفو روسي، رئيس رابطة منتجي فول الصويا "أكسوجا" (Acsoja). تأتي البلاد بين أكبر مصدري العالم لطحين فول الصويا المستخدم في علف الحيوانات. أشار روسي إلى أن 15% تقريباً من مناطق زراعة فول الصويا بالبلاد قد تتضرر، مضيفاً أن الرابطة تضغط بقوة لصالح المزارعين حتى لا يُجبَروا على تَحمُّل مزيد من التكاليف.
في فيتنام، ثاني أكبر مصدّر للبن على مستوى العالم، تُزرَع حبوب البن بصورة أساسية بمزارع عائلية صغيرة، إذ تبلغ مساحة عدد كبير من المزارع أقلّ من نصف هكتار (1.2 فدان)، حسب رابطة القهوة.
قال نجوين نام هاي، رئيس رابطة فيتنام للكاكاو والقهوة: "يصعُب تَتبُّع منشأ المنتجات" للوصول إلى موقع كل مزرعة بالضبط.