بلومبرغ
وسط ضربات أمواج يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار (32 قدماً) في البحر الأصفر الصيني على مسافة 30 كيلومتراً تقريباً قبالة ساحل مقاطعة شاندونغ، بدأت عملية توليد الكهرباء على متن قاربين دائريين مزودين بصفوف مرتبة من ألواح الطاقة الشمسية أواخر السنة الماضية، وهو تحرك مهم نحو تحقيق إنجاز جديد على صعيد الطاقة النظيفة.
تُعد تجربة شركة "ستيت باور إنفستمنت" (State Power Investment)، أكبر شركة تطوير للكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة في الصين، وشركة التطوير "أوشن صن" (Ocean Sun) ومقرها في النرويج أحد أكثر الاختبارات شهرة إلى حد الآن لتكنولوجيا الطاقة الشمسية البحرية. ينبئ ذلك بتقدم محتمل للقطاع سيمكّن المواقع البحرية من استضافة مصادر الطاقة المتجددة، ويساعد المناطق محدودة الأراضي على تسريع عملية التحول من الوقود الأحفوري.
تضمنت غالبية التجارب المبدئية للطاقة الشمسية البحرية أنظمة صغيرة الأحجام، وما زالت توجد صعوبات عديدة ينبغي التغلب عليها بما فيها زيادة التكاليف وتأثيرات الأملاح المسببة للتآكل بشدة أو الرياح المدمرة. رغم ذلك، فإن شركات التطوير واثقة بصورة متنامية في أن الطاقة الشمسية البحرية يمكن أن تصبح فئة جديدة لها أهميتها بالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة.
اهتمام كبير
أوضح الرئيس التنفيذي لشركة "أوش صن"، بورغ بيورنكليت، أن تطبيق هذا الأمر غير محدود من الناحية العملية، لأنه توجد مناطق عديدة تعاني من قيود استخدام الأراضي، بما فيها أجزاء من أوروبا وأفريقيا وآسيا علاوة على مواقع على غرار سنغافورة وهونغ كونغ، أضاف "تلاحظ في هذه المناطق وجود اهتمام كبير بهذه التكنولوجيا".
تخطط مقاطعة شاندونغ، وهي المركز الصناعي بمنطقة جنوب بكين، لتركيب 11 غيغاواط إضافية من الطاقة الشمسية البحرية مع حلول 2025، وبناء 42 غيغاواط في نهاية الأمر، أي تتفوق على القدرة الحالية لتوليد الكهرباء في النرويج. تستهدف المقاطعة الجارة جيانغسو زيادة قدرتها بمقدار 12.7 غيغاواط، بينما تدرس مقاطعات من بينها فوجيان وتيانجين أيضاً عروضاً. تأتي اليابان وهولندا وماليزيا من بين بلدان أخرى تقوم بتجارب أو تستعد لمشروعات تجريبية.
رغم وجود توقعات بتخطي استثمارات الطاقة الشمسية حجم الإنفاق على إنتاج النفط للمرة الأولى العام الجاري، تتعرض مناطق عديدة لصعوبات لإيجاد مساحة من الأرض لتركيب مجموعات كبيرة من ألواح الطاقة الشمسية، إما جراء نقص المساحات المتوافرة، أو نتيجة التضاريس غير الملائمة لتركيبها، أو أن فعل ذلك يحتاج لإزالة أجزاء من الغابات.
المشروعات العائمة
يحفز ذلك جهود فحص أماكن جديدة، وأحياناً غير محتمل أن تكون مناسبة، لتركيب طاقة شمسية التي حققت فعلاً عميات تسليم لمئات المشروعات العائمة على مياه البحيرات والخزانات ومزارع الأسماك والسدود. تملك اليابان العشرات من الألواح الشمسية الأصغر، وعززت الصين والهند عمليات تشغيلية ضخمة، وبُنيت منشآت بدول منها كولومبيا وإسرائيل وغانا. خلال يناير، بدأ تشغيل أكبر مشروع للطاقة الشمسية العائمة في الولايات المتحدة الأميركية بأسرها، إذ يوفر كهرباء تكفي 1400 منزل بواسطة الألواح الشمسية بمحطة "كانوي بروك" لمعالجة المياه بولاية نيوجيرسي.
قال لي شيانغ، رئيس وحدة الطاقة الشمسية العائمة على المياه في شركة "صن غرو بارو سابلاي" ومقرها الصين، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع أجهزة الطاقة المتجددة حول العالم: "يتعين أن تنمو أعمال تركيب مصادر الطاقة المتجددة، لكن السؤال الواقعي يبقى هو موقع البناء، ونعتقد أن أسطح المياه تحظى بإمكانات هائلة".
تمتد منشأة عبر المياه الخضراء الداكنة لبحيرة اصطناعية في هواينان، بمقاطعة أنهوي بشرق الصين، مكونة من نصف مليون لوح شمسي عائم تتجمع في تكتلات واسعة، مع سباحة الأوز الأبيض بجوارها. وهو مشروع أنشأته "صن غرو" في موقع منجم سابق للفحم منذ ملئه بالمياه، ليغطي منطقة تفوق مساحتها 400 ملعب كرة قدم ويولّد الكهرباء لخدمة أكثر من 100 ألف منزل.
أكد باحثون من بينهم "زينغ تشنغ زهز"، الأستاذ المشارك في الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا في شنجن، بورقة بحثية نُشرت مارس الماضي، أن تركيب أنظمة شمسية إضافية على الخزانات الحالية يمكن أن تسمح نظرياً لأكثر من 6 آلاف مدينة ومجتمعات عالمية بتطوير أنظمة توليد كهرباء تحقق لها الاكتفاء الذاتي. أضاف زينغ خلال مقابلة: "لا نحتاج للصراع للحصول على أراضٍ صالحة للزراعة، أو قطع أشجار الغابات أو حتى التوجه للمناطق الصحراوية".
الخوف من العواقب
ثبت لدى الباحثين الحاجة لتقييمات أكثر للعواقب المحتملة في الأجل البعيد لتغطية المسطحات المائية بألواح الطاقة الشمسية. بات المسؤولون الصينيون قلقين أيضاً. حُظرت أعمال التطوير الجديدة ببعض أماكن المياه العذبة خلال مايو الماضي في ظل مخاوف إزاء الآثار الواقعة على النظم البيئية والقدرة على التحكم بمياه الفيضانات. فُككت منشأة للطاقة الشمسية في مقاطعة جيانغسو كانت تغطي 70% من سطح البحيرة جزئياً بعد اعتراضات من مسؤولين محليين.
بينما تشير التوقعات إلى استمرار توسع محطات الطاقة الشمسية في أماكن تواجد المياه العذبة حول العالم، فإن بعض هذه المخاوف -وإمكانات المشروعات المقامة بالبحر- تساعد على تحفيز النشاط في القطاع البحري. وضعت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية ضمن أولوياتها الأساسية تطوير تكنولوجيات عائمة قرب الشاطئ مع حلول 2025، في حين تأتي شركات على غرار "صن غرو" هي من بين المؤسسات المتعاونة مع الباحثين.
مرحلة مثالية
يمكن أن تكون ألواح الطاقة الشمسية المقامة في المحيطات والتي تستطيع التعامل مع موجات تصل لـ4 أمتار مستعدة للتطبيق على نطاق تجاري بغضون سنة، وتحتاج الأنظمة ذات القدرة على تحمل موجات هائلة ارتفاعها 10 أمتار 3 أعوام على الأقل لبلوغ مرحلة مثالية من الأداء، بحسب "أوشن صن". يمكن أن تكون التكنولوجيا القابلة للتطبيق جاهزة خلال مدة من سنة إلى سنتين، بحسب زينغ من الجامعة الجنوبية، والذي يدرس أيضاً مشروعات تطوير الأعمال البحرية.
تجرب شركات تطوير التكنولوجيا أفكاراً مختلفة. تتموج الوحدات العائمة الدائرية لـ"أوشن صن"، المصنعة من أنابيب بلاستيكية كثيفة للغاية وغشاء مكون من ألواح شمسية منتشرة على السطح، بفعل حركة الأمواج. تثبت شركة "سولار داك" (SolarDuck) ويقع مقرها في روتردام ألواح الطاقة الشمسية على منصات مثلثة ولديها اتفاقيات للسماح باختبار أنظمتها بأماكن من بينها خليج طوكيو وبمشروع قبالة ساحل جزيرة تيومان في ماليزيا.
ما زالت توجد أسئلة تتعلق بالحجم النهائي لسوق الطاقة الشمسية البحرية. قد يكون تطوير ألواح الطاقة الشمسية في البحر أغلى 40% بفضل أعمال التركيب الأشد تعقيداً والكابلات البحرية عالية التكلفة، بحسب تقديرات "بلومبرغ إن إي أف". على عكس مزارع الرياح البحرية، التي تنتج طاقة أكبر من مزارع الرياح البرية بسبب هبوب رياح أقوى وتوربينات ذات حجم أكبر، ليس هناك فائدة كبيرة لتوليد الكهرباء من جمع أشعة الشمس في البحر مقابل اليابسة.
الجدوى الاقتصادية
أوضح كوزيمو ريس، محلل شركة "تريفيوم تشاينا" (Trivium China): "تُعد الطاقة الشمسية البحرية من بعض النواحي هي الأسوأ بين مناطق المياه ومناطق اليابسة حيث تحتاج لتكاليف تركيب أعلى دون الحصول في المقابل على إنتاج أعلى من الكهرباء". مضيفاً أنه سينتهي الأمر بالطاقة الشمسية البحرية على الأرجح لقطاع متخصص محدود، يخدم غالباً المدن الساحلية التي تعاني من نقص الأراضيي مثل سنغافورة.
يصر فريق المؤيدين على أن التكنولوجيا آخذة في التطور سريعاً، وستظفر بدور في مساعدة البلدان التي تتسم بعدد كبير من السكان وتعاني من نقص بالأراضي في الحد من الانبعاثات الحرارية، والوفاء بالطلب المتنامي على الطاقة بالنسبة لاقتصادات نامية عديدة.
تعمل "لونغي غرين إنرجي تكنولوجي"، أكبر شركة منتجة لألواح الطاقة الشمسية على مستوى العالم، على تطوير نماذج ملائمة بصفة خاصة للظروف البحرية، وتملك دراسة قيد العمل بمقاطعة جيانغسو. أشارت الشركة خلال عرض تقديمي خلال مؤتمر مارس الماضي في شيامن إلى أنها بينما ترى أن حجم السوق ضيق حالياً، إلا أنه توجد إمكانات كامنة ضخمة نوعاً ما للطاقة الشمسية البحرية.
تملك الصين بمفردها القدرة على تركيب 700 غيغاواط تقريباً من الطاقة الشمسية البحرية، ما يعادل تقريباً إجمالي قدرة توليد الكهرباء للهند واليابان، بحسب توقعات "ستيت باور إنفستمنت".
اختتم زينغ من الجامعة الجنوبية: "لن تكون مسألة صعبة حيث لم يدرك الناس حتى الآن مدى إمكاناتها الكامنة".