يتعلق الأمر كله في احتجاز الكربون وفصله بتحمل التكلفة ودفنه تحت الأرض. بالنسبة لشركات من نوعية "إكسون موبيل"، يمكن التفكير فيه بطريقة أفضل بوصفه وسيلة للإفراج عن الدولارات العالقة.
أعلنت شركة "إكسون" مؤخراً عن صفقة لاحتجاز وتخزين الانبعاثات من مصنع للصلب في لويزيانا تديره شركة "نوكور" التي تأتي كثالث صفقة تبرمها مع عملاء من الشركات الصناعية تابعين لطرف ثالث على منطقة ساحل الخليج الأميركي، وتستهدف التعامل مع إجمالي 5 ملايين طن سنوياً من الانبعاثات.
خلال عرض تقديمي حديث بحضور محللين، كشفت "إكسون" عن خطط لاستثمار 7 مليارات دولار حتى 2027 في جهود وحدة الحلول منخفضة الكربون المؤسسة حديثاً لمساعدة الشركات الأخرى على خفض الانبعاثات (تستثمر 10 مليارات دولار أخرى في تقليص الانبعاثات الخاصة بها).
شدد الرئيس التنفيذي دارين وودز على أن هذا النشاط التجاري، على غرار باقي محفظة أصول "إكسون" الشاسعة، ينبغي له أن يتنافس على جذب رأس المال على أساس العائدات التي يحققها.
يصعب هذا الأمر على مؤسسة صناعية ناشئة ومعقدة تسعى لتحقيق الدخل من جزيء له قيمة تساوي صفراً، بكل ما للكلمة من معنى. لكن بعض الأمور قد تساعد في هذا الشأن.
عوامل مساعدة
أولاً، الحكومة الأميركية المعروفة بالعم سام تُعتبر مستثمراً مشاركاً قوياً. تقدم مختلف الإعفاءات الخضراء بقانون خفض التضخم بوصفها صورة من صور رأس المال الجريء من أشد مديري الصناديق صبراً على مستوى العالم. رفع الإعفاء الضريبي وفقاً للفصل "كيو 45" أو (45Q) الموسع قيمة المبلغ المقدم لعمليات احتجاز الكربون وتخزينه المنبعث من مصادر غير متنقلة -على غرار مصانع الصلب والكيماويات- من 50 دولاراً للطن لـ85 دولاراً. يقدم كذلك الإعفاء خلال أول 5 سنوات من عمر المشروع في صورة شيك، ويتبدل ليصبح إعفاءً ضريبياً لسبعة أعوام تالية.
على صعيد المصادر السهلة نوعاً ما للانبعاثات المركزة -أي ثاني أكسيد الكربون الذي يُحتجز من العوادم عوضاً عن الهواء مباشرة- يمكن أن يحول هذا مركز ارتفاع التكلفة إلى مصدر للربح. على سبيل المثال تقدّر شركة "بلومبرغ إن إي أف" تكلفة احتجاز الكربون وتخزينه من مصنع مثالي للأمونيا –مثلما تعاقدت "إكسون" مع شركة "سي إف إندستريز هودلينغز" بولاية لويزيانا– بما يتراوح تقريباً بين 45 دولاراً و50 دولاراً للطن. الصلب أعلى تكلفة، لكن الإعلان عن 85 دولاراً للطن من حساب دافعي الضرائب يُقطع يساعد بقوة في تغطية التكاليف والمخاطر خلال المراحل الأولية.
ثانياً، عندما تريد شركات النفط والغاز الخوض في أمر ما تحيط به الأخطار ومرتفع التكلفة، فإنها تحبذ فعل ذلك في المكان الذي تمارس فيه أنشطتها فعلاً. تمثل الاستفادة عمل الجاذبية بالنسبة للإدارة المالية، ما يعني أن الحفر المجاور لحقل نفط قائم (وكافة معداته موجودة مسبقاً) غالباً ما يكون أفضل من استكشاف مقاطعة جديدة تماماً. ينطبق الأمر ذاته قطعاً على عمليات احتجاز الكربون.
بدأت "إكسون" تركز مجهوداتها على موطنها بمنطقة "ساحل الخليج"، إذ تعتزم استغلال خطوط الأنابيب الحالية والبنية التحتية الأخرى لخفض التكلفة. يساعد ضمان استخدامها بواسطة عملياتها الخاصة ومجموعة من أطراف خارجية من نفس المنطقة أيضاً في تغطية التكاليف.
ثالثاً، يوجد مخزون آخر أكثر هامشية من الدولارات قد تطمح "إكسون" إلى تحريرها بواسطة أعمال الاحتجاز والتخزين يتمثل في تقييمها بعيد المدى.
تقييم الشركة
على غرار القطاع بأسره، اتسع فارق سعر "إكسون" الأقل من السوق في غضون الأعوام الأخيرة. يُعزى ذلك جزئياً للنفور المتواصل من العوائد المنخفضة وتدفق رأس المال الخارج شوهد في أثناء ازدهار النفط الصخري. لكن يوجد عامل آخر هو التغير المناخي. بقدر ما تكون إعانات قانون تخفيض التضخم مفيدة، فإنها أيضاً علامة بارزة في تأصيل قضية التغير المناخي بدرجة متفاوتة ولكن حثيثة في المجالات العامة والهيئات التشريعية.
بينما يُعد توقيت أمور على غرار بلوغ ذروة الطلب على النفط مفتوحاً للنقاش، فمن الجلي أنه يؤثر سلباً على التدفقات النقدية طويلة الأجل لشركات النفط الكبرى. يكشف هذا الأمر، بغض النظر عن تأثيرات النفط الصخري، عن سبب آخر منطقي للصفقة الجديدة مع مستثمري النفط، ما يعطي المدفوعات قريبة الأجل أفضلية على حساب وعود بحدوث نمو في المستقبل.
يمكنك ملاحظة ذلك الأمر في النسق الخاص بتقييم "إكسون". بالرجوع لصيف 2014، عندما تجاوزت قيمة "إكسون"، على غرار الوقت الحاضر، 400 مليار دولار، كانت السنوات الثلاث التالية من التدفق النقدي الحر المتوقع تساوي 15% من قيمتها السوقية تقريباً. في الوقت الراهن، فإنه على مقربة من 30%. بمعنى آخر، تعتمد عملية تقييم "إكسون" بدرجة أكبر على قيمة الشركة في المرحلة الحالية وقد تقلصت القيمة المستقبلية، وهي جانب نظري لا يمكن تقديره بواسطة غالبية نماذج احتساب القيمة.
مخاوف المناخ
تبشر عمليات احتجاز الكربون بتهدئة مخاوف المناخ. على النقيض من مصادر الطاقة المتجددة، التي يحبذها نظراء "إكسون" الأوروبيون، فإن احتجاز الكربون يعزز مكانة النفط والغاز عوضاً عن إزاحتهما. في حال ثبت أن تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه تعمل بكفاءة من حيث التكلفة بطريقة كبيرة، فمن المحتمل أن تؤجل الذروة المتوقعة لاستهلاك النفط والغاز، علاوة على السماح لـ"إكسون" بتسويق المنتجات المستقبلية باعتبارها أكثر خضرة مقارنة بالمواد ينتجها منافس لا يقوم باحتجاز الكربون. يشكل هذا كله افتراضات محتملة ضخمة. إلى حد الآن، تصدرت عملية احتجاز الكربون العناوين الرئيسية للأخبار أكثر من المنتجات الحقيقية، إذ يعطي الأداء الضعيف لمشروع كبير تديره شركة "شيفرون" المنافسة نموذجاً حديثاً لتاريخ من الإخفاقات التكنولوجية. رغم ذلك، فإن "إكسون" تملك فرصة للاستفادة من الإعانات الكبيرة للمراهنة على نوعية جديد من الأنشطة التجارية، حتى قبل ثبوت النجاح من عدمه يمكن أن يدعم ذلك سعر سهمها. ولم لا؟