لاعبو "برشلونة" يستقلون القطارات لخفض انبعاثات الرياضة

النادي يسعى لتقليص بصمته الكربونية ويستخدم المصابيح الموفرة ويولد الكهرباء من مصادر متجددة

time reading iconدقائق القراءة - 20
دجيني داكونام لاعب \"خيتافي\" يساراً ورناولدو أراوخو لاعب \"برشلونة\" خلال مباراة الفريقين في 16 أبريل 2023، خيتافي، إسبانيا - المصدر: بلومبرغ
دجيني داكونام لاعب "خيتافي" يساراً ورناولدو أراوخو لاعب "برشلونة" خلال مباراة الفريقين في 16 أبريل 2023، خيتافي، إسبانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

استقلّ بعض لاعبي أشهر أندية كرة القدم في العالم القطار في طريقهم إلى العمل، في ما يُعَدّ إشارة إلى أن العمل المناخي قد بدأ يترسخ في الرياضات الاحترافية.

فقد فضّل لاعبو نادي "برشلونة" استقلال القطار على الطائرة النفاثة الخاصة عند سفرهم إلى مباراة أقيمت مؤخراً لمواجهة فريق "خيتافي"، على ملعب يقع على أطراف العاصمة الإسبانية مدريد. كانت هذه هي المرة الأولى لفريق الرجال بالنادي التي يستقلون فيها القطار متوجهين لخوض مباراة. ووفقاً لتصريح جوردي بورتابيلا مدير الاستدامة بالنادي في حوار أُجريَ معه، فقد استهدف اللاعبون من ذلك خفض أثرهم في الاحترار العالمي.

أضاف بورتابيلا: "قرّرنا تنفيذ هذه الرحلة تعبيراً منا عن أن النادي يريد أن يكون جزءاً من حل مشكلة تغير المناخ، لا أن يسببها، فنحن نرغب أن نزيد عدد الرحلات التي نستقلّ فيها القطار بدلاً من الطائرة".

مبادرات رياضية رمزية

لا تزال كرة القدم الاحترافية تمضي بخطوات متباطئة في ما يتعلق باتخاذ خطوات أساسية لمعالجة أثرها المناخي، مثل احتساب انبعاثاتها المباشرة من الغازات الدفيئة بشكل دوري والانبعاثات الناتجة عن سفر المشجعين لحضور المباريات.

لكن على مدى الأشهُر القليلة الماضية، ظهرت عشرات المبادرات الرمزية، بدءاً من تقديم النادي وجبات نباتية في الملاعب، إلى ارتياد اللاعبين الدراجات للتوجّه إلى أماكن التدريب وارتداء الشارات المؤيدة لمكافحة تغير المناخ، وهي عبارة عن تصوير شائع لبيانات الاحتباس الحراري، على ملابسهم. وتشير تلك الجهود مجتمعةً إلى الوعي المتنامي بين الأندية واللاعبين بأثر تغير المناخ على الرياضة، وأنهم مطالبون باتخاذ إجراء ما لخفض تأثيرهم في رفع درجة حرارة الكوكب.

يوضح اختيار نادي "برشلونة" لوسائل المواصلات إحراز مزيد من التقدم بشكل ما. رغم أن القطار كان مستأجراً -وإن كان ذلك لا يحمي البيئة بقدر استقلال وسائل المواصلات العامة- فإن النادي قال إن اتفاقه مع "الشركة الوطنية للسكك الحديدية الإسبانية" (Renfe) تضمن طلباً أن يُشغَّل القطار بالطاقة المتجددة. كما قال بورتابيلا إن لاعبي "برشلونة" والعاملين بالفريق استمتعوا بالرحلة من برشلونة إلى مدريد التي استغرقت ساعتين ونصفاً.

انتقادات لعدم الجدية

واجه بعض الأندية انتقادات لعدم إبدائه الجدية تجاه أثره المناخي، فواجه فريق نادي "باريس سان جيرمان" انتقادات شديدة بعد مزاح مدربه، كريستوفر غالتييه، في سبتمبر بأن فريقه يدرس إمكانية السفر عبر "يخت بري" بدلاً عن طائرة نفاثة خاصة. هذا التصريح، الذي أدخل النجم المهاجم كيليان مبابي في نوبة من الضحك، يتعارض مع جهود فرنسا للحد من الرحلات الجوية القصيرة.

رجّح بورتابيلا أنهم لم يتعمدوا ذلك، لكن رد مبابي والمدرب زاد الوعي بالوضع الذي تواجهه البشرية.

على مدى العام الماضي تحول "برشلونة" إلى استخدام مصابيح "ليد" (موفرة للطاقة) وبدأ توليد كل الكهرباء في النادي من مصادر الطاقة المتجددة، باعتبار ذلك جزءاً من الجهود المتجددة تجاه الاستدامة. وبدأ النادي في الموسم الجاري حساب انبعاثاته للمرة الأولى في تاريخه، وهي خطوة ضرورية لخفض بصمته الكربونية.

إجراءات أخرى لخفض انبعاثات السفر

تتخذ أندية أخرى بعض الإجراءات أيضاً، فوقّع نادي "ريال بيتيس" في مدينة إشبيلية اتفاقية مع "الشركة الوطنية للسكك الحديدية الإسبانية"، ليتسنى لفريقي النادي لكرة القدم وكرة السلة السفر بالقطار فائق السرعة إلى المباريات التي تُقام داخل البلاد، كما يحصل المشجعون على خصم على تذاكر القطار.

أما في ألمانيا فوفّر عديد من أندية الدوري الألماني (البوندسليغا) وسائل مواصلات عامة مجانية للمشجعين للذهاب إلى أماكن إقامة المباريات والعودة منها. يوفر النظام المعروف باسم "كومبي تيكتس" (KombiTickets) وسيلة مواصلات مجانية في أنحاء مناطق بأكملها -ليس في إحدى المدن فقط- قبل وبعد موعد المباراة بساعات قليلة.

قالت صوفيا يونغى بيدرسون، لاعبة خط الوسط المدافع الدنماركية بنادي "يوفنتوس" الإيطالي، التي كانت تناولت في تصريحات علنية مسألة تغير المناخ على مدار سنوات: "كلنا نعرف وفرة المال في مجال كرة القدم، لذا علينا بالطبع أن نتحمل مسؤولية مساعدة المجتمع على التحول الأخضر، يجب أن تساهم كرة القدم في هذه المعركة ضدّ تغير المناخ، لا بتنفيذ التحول الأخضر في مجال كرة القدم فحسب، بل بالمساعدة خارجياً أيضاً".

أثر تغير المناخ في أداء اللاعبين

يواجه لاعبو كرة القدم ظروفاً تتفاقم صعوبتها مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وتتراوح تلك الظروف بين اللعب في حر شديد والتعامل مع الملاعب التي تغمرها الفيضانات. وتؤثّر تلك المشكلات، لا في اللاعبين المحترفين في أوروبا فحسب، بل في الفرق المحلية أيضاً في أرجاء القارة، بل وفي بطولات الدوري في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية أيضاً، وهي بعض المناطق الأشد تأثراً بتغيُّر المناخ.

قالت بيدرسون إن هذا يشكّل خطراً على كرة القدم، ففي غياب المناخ المناسب، لن نتمكن من اللعب كما نفعل في حالياً.

رغم أهمية مبادرات اللاعبين والفرق، فإن الاتحادات التي تدير الرياضة وتنظّم الدورات هي القادرة على إحداث أكبر التغييرات فائدة في نهاية المطاف. كان الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" (FIFA)، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" (UEFA) وقّعا معاً تعهد اتفاقية الأمم المتحدة "لإطار العمل الرياضي من أجل المناخ" (Sports for Climate Action) لخفض الانبعاثات إلى النصف بنهاية العقد الجاري مقارنة بمستويات 2019، والتخلص منها نهائياً بحلول 2040. لكن كلا الاتحادين لم يعلن بعد الخطط التفصيلية للوصول إلى الحياد الكربوني.

الانبعاثات الناتجة عن البطولات

نتج عن النسخة الأخيرة من بطولة كأس العالم انبعاثات لثاني أكسيد الكربون بلغت نحو 3,6 مليون طن، حسب ما كشفه "فيفا"، بما يعني أن البطولة التي استضافتها قطر في 2022، تسببت خلال 4 أسابيع في انبعاثات تقارب تلك الناتجة عن 790 ألف سيارة خلال عام واحد.

يعي "فيفا" آثار البطولات الكبرى على البيئة، والحاجة إلى مواجهة تَغيُّر المناخ، وفقاً لما جاء في رسالة إلكترونية من المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، ردّاً على أسئلة. وقال الاتحاد إن بطولة كأس العالم كانت محايدة كربونيّاً تماماً للمرة الأولى في التاريخ. وتضمنت التدابير التي نُفّذَت للحدّ من البصمة الكربونية للبطولة بناءَ ملاعب موفّرة للطاقة، واستخدام وسائل مواصلات منخفضة الانبعاثات، وإجراءات الإدارة المستدامة. وحسب "فيفا" فإن كل الانبعاثات المتبقية عُوّضَت عبر أرصدة الكربون.

لكنها مزاعم مضلّلة، وفقاً لعديد من التقارير، ومنها الصادر عن منظمة "كربون ماركت ووتش" (Carbon Market Watch) غير الهادفة للربح. إذ لا تشمل حسابات "فيفا" إجمالي الانبعاثات عن البطولة، كما يعتمد برنامج تعويضها على خطط تعويض معيبة، وصفته المنظمة بأنه لا يشكّل أي فارق في الانبعاثات العالمية.

قال ديفيد غولدبلات، مؤلف كتب عديدة عن كرة القدم إلى جانب تقرير عن البصمة الكربونية للرياضة والتعرض لتغير المناخ: "المهمة الأساسية لتلك التعويضات هي السماح للمنظمات وغيرها بتجنب طرح الأسئلة بالغة الصعوبة عن وسائل المواصلات والانبعاثات". وأضاف: "يمكننا أن نلوم كرة القدم، لكن تلك المشكلة لا تخصّها وحدها، بل هي مشكلة تخصّ كل مؤسسة ثقافية واقتصادية في العالم".

ملاعب محايدة والحدّ من السفر

عادة ما تشكّل الانبعاثات الناتجة عن سفر المشجعين نحو نصف تلك الصادرة عن بطولة لكرة القدم، فحسب دراسة أُجرِيَت في 2019 ونُشرت في "دورية الإنتاج النظيف" (Journal of Cleaner Production)، يمكن لتحقيق المستوى الأمثل من السفر، مثل لعب المباريات من حين إلى آخر في ما يُسَمَّى بالملاعب المحايدة، وتقليل عدد الرحلات الجوية، أن يساعدا على خفض الانبعاثات.

لكن البطولات لا تُصمَّم بهذه الطريقة، حسب فرانك هويزينغه مؤسس "فوسل فري فوتبول" (Fossil Free Football)، وهي مجموعة من مشجعي كرة القدم تعمل على زيادة الوعي بالمناخ وسط الأطراف الرئيسية المعنية بالرياضة. تسعى اتحادات كرة القدم لزيادة أرباحها، عبر تصميم بطولات تتضمن لعب مزيد من المباريات في أنحاء مناطق جغرافية أكبر. مثالاً على ذلك، ستشارك 16 مدينة مختلفة في كندا والولايات المتحدة والمكسيك في استضافة مباريات بطولة كأس العالم 2026، مقارنة بإقامتها في دولة واحدة صغيرة المساحة في 2022.

قال هويزينغه إن على "فيفا" و"يويفا" ضغطاً كبيراً لتقليل عدد المباريات بسبب الإجهاد البدني والعقلي للاعبين، لكن للأمر علاقة مباشرة بالمناخ، فإذا قلّلت عدد المباريات، فسينخفض عدد رحلات الفرق والمشجعين".

تصنيفات

قصص قد تهمك