بلومبرغ
في الأحوال العادية كان يُفترض أن تكون ناقلة النفط "توربا" قد أُخرجت من الخدمة وفُككت في الوقت الحالي، لكن لم تحظ السفينة البالغة من العمر 26 عاماً بفحص شامل منذ 2017، وفق قاعدة بيانات مخصصة للترويج للشحن الآمن، كما أنها ينقصها التأمين القياسي في القطاع وتبحر تحت علم دولة ذات مركز ضعيف فيما يخص الإشراف على سلامة النقل البحري.
بدلاً من أن تتوجه لشاطئ في بنغلاديش أو الهند أو باكستان ليتم تفكيكها، تجمع الناقلة التي بُنيت عام 1997 وقوداً ثقيلاً من ميناء سانت بطرسبرغ الروسي.
من بين تداعيات عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، يأتي إدراج "توربا" للخدمة في "أسطول الظل" الضخم الذي يحمل النفط الروسي حول العالم، ويقدم استمرارها في الخدمة تذكيراً صارخاً بأن عقوبات مجموعة السبع على موسكو تحمل مخاطر بيئية.
مصدر القلق الكبير هو أن بعض السفن القديمة - الأسطول العالمي الآن هو الأقدم منذ ما يقرب من عقدين - قد لا تخضع للفحص والصيانة بالقدر المناسب، ما يهدد بوقوع حوادث كارثية في البحر.
قال لارس بارستاد، الرئيس التنفيذي لوحدة الإدارة في شركة "فرونتلاين" (Frontline Plc)، التي تعد واحدة من أكبر ملاك الناقلات العملاقة: "الناقلات كارثة بيئية تنتظر الحدوث".
في الأوقات الطبيعية، يبدأ الملاك التفكير في تفكيك الناقلات بعد استمرارها بالخدمة لحوالي خمسة عشر عاماً، وبحلول عامها العشرين، يكون بيعها كخردة مصيراً لا مفر منه عادة. أما الآن، فيضغط الملاك على الناقلات للعمل بضع سنين أخرى لجني المزيد من المال.
تجبر العقوبات السارية منذ 5 ديسمبر السفن على الإبحار لآلاف الأميال الإضافية، ما يعزز الطلب وأسعار الشحن.
فحص وتفتيش السفن
افتقرت 40 ناقلة على الأقل تنقل النفط الروسي إلى الصين والهند بين أوائل ديسمبر وأوائل فبراير للتأمين من أعضاء المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض وكذلك لشهادات إدارة السلامة الروتينية، وفق بيانات "إكواسيس" (Equasis)، قاعدة بيانات سلامة النقل البحري. لم تمتلك ثلاث ناقلات، من بينها "توربا"، ما يعرف بالتصنيف الذي يظهر مدى صلاحيتها للإبحار.
تستحضر "توربا" ذكريات مزعجة حول واحدة من أسوأ التسربات النفطية من ناقلة في التاريخ الأوروبي عندما انقسمت الناقلة "برستيج" نصفين وسربت آلاف الأطنان من الوقود الثقيل قبالة سواحل إسبانيا في نوفمبر 2002.
وهلكت الطيور البحرية ومصائد الأسماك ودُمرت الشواطئ في إسبانيا والبرتغال.
"توربا" الآن في نفس عمر سفينة "برستيج"، وقد حمّلت لتوها نفس نوع الشحنة من نفس الميناء الروسي، وفقاً لبيانات "كيبلر"، وهي شركة لتحليلات الشحن.
لم تستجب وزارة النقل الروسية، والوكالة الفيدرالية للنقل البحري والنهري في البلاد، وشركة "روس مور بورت" (Rosmorport)، وهي كيان يشرف على البنية التحتية للموانئ، لطلبات التعليق عبر البريد الإلكتروني. أما الهيئة البحرية التجارية الإسبانية فأشارت إلى أنها لا تستطيع السيطرة على النشاط خارج مياهها الإقليمية.
ما الأسباب وراء تفكيك السفن بعد بلوغها 20 عاماً؟
هناك أسباب وجيهة لتفكيك الناقلات كخردة مع بلوغها عشرين عاماً، وغالباً ما يتعلق الأمر بتكلفة محاولة إبقائها في الخدمة حيث تصبح متطلبات السلامة والصيانة مرهقة أكثر.
علاوة على ذلك، هناك أيضاً تأثير تعرضها لسنوات للأمواج العاتية، والتآكل من المياه المالحة، والاستخدام شبه المستمر وجميعها عوامل تضعف سلامة الهيكل وأنظمة الدفع.
عادة ما تحظى الناقلات بعمليات تفتيش - تُعرف باسم المسح الخاص - كل 5 سنوات تقريباً. بحلول المرة الرابعة، تتقلص الجدوى الاقتصادية بحدة لاستمرار الناقلة في التجارة. قد تصل تكلفة المسح الخاص ما بين 3 إلى 4 ملايين دولار للناقلات العملاقة، وستتطلب بعد ذلك فحصاً وسيطاً بعد حوالي عامين ونصف العام.
تميل سلطات الموانئ أيضاً إلى فحص السفن القديمة عن كثب، وفي الأوقات العادية، تشجع النفقات الأعلى وقلة العملاء الملاك على بيعها كخردة.
قال هالفور إليفسن، سمسار السفن في "فيرنليز شيب بروكر يو كيه" (Fearnleys Shipbrokers UK)، الذي عمل في هذه الصناعة لما يقرب من أربعة عقود: "كل شيء يحتاج للفحص من الهيكل الصلب إلى المحرك.. كلما تقدمت (الناقلات) في العمر، وجدت بها مشكلات أكبر".
ما تأثير الحظر الأوروبي على شحن النفط الروسي؟
حظر الاتحاد الأوروبي، وهو أكبر مشترٍ للنفط الروسي لسنوات، جميع الصادرات المنقولة بحراً تقريباً من الدولة التي كانت شريكته التجارية في وقت من الأوقات، وانضم إلى مجموعة السبع في وضع سقف لسعر خام موسكو عند 60 دولاراً للبرميل. لا يزال من الممكن نقل النفط الروسي بأسعار أعلى من الحد الأدنى ولكن ليس مع الخدمات الغربية مثل التأمين وطاقم العمل وتصنيف السفن والتمويل والنقل.
كانت التأثيرات الصافية لهذا الحظر هي زيادة عمليات التسليم لمسافات طويلة إلى الأسواق الكبيرة المتبقية لروسيا في آسيا وإنشاء "أسطول ظل" من الناقلات العاملة خارج نطاق شركات مجموعة السبع.
عادة ما يكون لدى التجار وشركات الشحن التي تقوم بتلك الصفقات هياكل ملكية غامضة.
تقول شركة "كلاركسن ريسيرش سيرفسيز" (Clarkson Research Services)، وهي وحدة تابعة لأقدم سمسار سفن في العالم، إن العام الماضي شهد ارتفاعاً في المبيعات لمشترين مجهولين، مع تداول أكثر من 100 ناقلة نفط وقود. خلال نفس الفترة، انخفض أيضاً بحدة عدد السفن التي تم تفكيكها وفقاً للشركة.
نقل النفط بدون تأمين
تنقل بعض السفن المتقادمة حمولتها الخطرة في أعالي البحار، وغالباً في المياه الدولية قبالة اليونان أو معبر سبتة الإسباني في شمال أفريقيا.
قال أدي إمسيروفيتش، تاجر نفط مخضرم وحاليا يدير شركة "ساري كلين إنرجي" (Surrey Clean Energy) للاستشارات: "تشكل هذه السفن مخاطرة بيئية ضخمة، فالناقلات التي كان يفترض التخلص منها بحلول وقتنا هذا تقوم بعمليات نقل شحنات من سفينة إلى أخرى لملايين براميل النفط دون تأمين مناسب".
مؤخراً، نقلت "توربا" نفط الأورال - درجة الخام الروسية الرئيسية - إلى الهند وحمّلت نفط الوقود الثقيل من ميناء سانت بطرسبرغ، وفق "كيبلر"، وإذا كانت مبحرة إلى آسيا، فسيتضمن ذلك إبحارها عبر بحر البلطيق مروراً بسواحل أوروبية عديدة.
تمتلك شركة "سكوت تشارترينغ كورب" (Scoot Chartering Corp)، المسجلة في سيشيل، سفينة "توربا" وهي من طراز "أفراماكس"، وفق بيانات النقل البحري من شركة "آي إتش إس" للأبحاث والتي جمعتها "بلومبرغ". وكان آخر مسح خضعت له الناقلة لتجديد التصنيف في عام 2017، وأبطلت شركة "بيرو فيريتاس" شهادة تصنيفها للسفينة عام 2021، وفقاً لقاعدة بيانات "إكواسيس"
القائمة السوداء للسفن
قال حوالي 12 سمسار سفن وملاكاً لها إنهم ليست لديهم وسيلة للتواصل مع "سكوت" ولا تظهر في سجل الشركات في سيشيل.
ترفع الناقلة علم الكاميرون، وهي واحدة من عدد قليل من الدول المدرجة في القائمة السوداء بموجب ما يسمى بمذكرة تفاهم باريس، وهي منظمة دولية تروج للشحن الآمن وتنسقه. كذلك، هي الدولة الوحيدة المدرجة في القائمة السوداء التي لديها تصنيف "عالي المخاطر".
يعني الحصول على تصريح من شركة عضو في الرابطة الدولية لجمعيات التصنيف (IACS)- وهو ما تفتقر إليه "توربا، وفق "إيكواسيس" - أن هيئة دولية مدققة من المساحين ستفحص السفينة للتأكد من أن جسمها سليم من الناحية الهيكلية، وأن أنظمة الدفع والتوجيه والطاقة موثوقة وعملية.
ثلث سفن الأسطول العالمي أكبر من 15 عاماً
يبلغ متوسط عمر أسطول الناقلات 12 عاماً، وفق بيانات "كلاركسن". يقول سفين موكسنيس هارفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة "دي إتش تي هولدينغز" (DHT Holdings)، وهي شركة ناقلات نفط، إن ما يقرب من ثلث السفن في الأسطول العالمي أكبر من 15 عاماً، متوقعاً أن تزداد صفوف السفن القديمة بسرعة في السنوات القادمة.
قال بن لوكوك، الرئيس المشترك لإدارة تجارة النفط في مجموعة "ترافيغورا" (Trafigura)، في إحدى جلسات قمة "فاينانشال تايمز" العالمية في لوزان بسويسرا الأسبوع الجاري، إنه مع غياب الوضوح حول الملكية، يحتمل ألا يتمتع المشغلون الجدد بنفس المستويات من الخبرة والمهنية المرتبطة عادةً بالأسطول الروسي.
أضاف: "لدينا الكثير من الناقلات التي تخدم منذ 17 و18 و19 سنة وتعبر المضايق الدنماركية بالنفط.. لقد غيّرنا القدرات اللوجستية المتعلقة بالنفط الروسي خلال فترة قصيرة جداً".