معاهدة الأمم المتحدة التاريخية جاهزة لضبط التنقيب في المحيطات

اتفاق حماية التنوع البيولوجي في المياه الدولية يتوّج سنوات من المفاوضات

time reading iconدقائق القراءة - 14
حوت أحدب يبحر عبر مياه خليج مونتيري بولاية كاليفورنيا - المصدر: بلومبرغ
حوت أحدب يبحر عبر مياه خليج مونتيري بولاية كاليفورنيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

الاتفاق الذي تم التوصّل إليه يوم السبت الماضي حول صياغة معاهدة تاريخية للأمم المتحدة لتوفير الحماية للتنوع البيولوجي البحري، قد يضع نهاية لأعمال التنقيب في المحيطات التي لا تخضع لرقابة تنظيمية، وهو الأمر الذي شكّل مصدر قلق عالمي متزايد بسبب تداعياته المناخية المتفاقمة.

توفّر المحيطات نصف الأكسجين على كوكب الأرض، وتمتص ما يفوق ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن احترق الوقود الأحفوري، فضلاً عن أنها تُطعم المليارات من البشر. وفي حال المصادقة على معاهدة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في المياه الدولية، فإنها قد تضع عقبات جديدة أمام الشركات العاملة خارج المياه الإقليمية للدول –والمحددة بـ60% من المحيط خارج الولاية القانوية لأي بلد- بما في ذلك الشركات التي تعتزم إزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيطات.

أعالي البحار

قالت سوزانا فولر، عضو اللجنة التوجيهية لـ"تحالف أعالي البحار"، وهو الائتلاف الذي يشتمل على أكثر من 40 مجموعة حماية بيئية: "أعتقد أن نهاية صورة الغرب المتوحش ربما تكون وشيكة، مع التزام فعلي بتنفيذ هذه المعاهدة. نحتاج للتوصل إلى الاتفاق والبدء في تنفذه قريباً لمواجهة مثل هذه الأمور، لا سيما مخططات إزالة ثاني أكسيد الكربون".

ستجتمع الوفود مرة ثانية في وقت لاحق للمصادقة على نص المعاهدة رسمياً، والذي سيرسل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للمصادقة عليه بعد ذلك.

لا يقصد من المعاهدة تنظيم الصيد الجائر، مع أنه تهديد أساسي للتنوع البيولوجي في المحيطات، إذ تدير منظمات أخرى أعمال الصيد داخل المياه الدولية، بل إنها تسمح بإنشاء محميات بحرية في مناطق من المياه الدولية، حيث من الممكن حظر الصيد فيها. سيجعل ذلك الأمم المتحدة قادرة على التحرك نحو هدف صون 30% من المحيطات بحلول عام 2030.

تقتضي بنود المعاهدة أيضاً، إجراء تقييم للأثر البيئي للأنشطة التي من الممكن أن ينجم عنها ضرر، على غرار مقترحات تطبيق تجارب الهندسة الجيولوجية في المحيطات، والرامية لمكافحة التغيرات المناخية. ويستلزم بند أساسي آخر، تقاسم أي منافع مع الدول كافة، تتحقق عن طريق جمع الموارد الجينية البحرية، والتي تتضمن مركبات بحرية وبكتيريا وطحالب يمكن استعملها في تصنيع المستحضرات الدوائية وغيرها من المنتجات. وتتيح المعاهدة أيضاً عملية نقل التكنولوجيا البحرية إلى الدول النامية.

تقاسم المنافع

عرقلت الخلافات حول هذه المسائل، لا سيما تقاسم الموارد الجينية البحرية، محادثات صياغة المعاهدة منذ 2018، عندما أُعطي الإذن ببدء مفاوضات صياغة بنود معاهدة ملزمة قانونياً لحماية التنوع البيولوجي في المياه الدولية، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أو (UNCLOS). تنظم هذه الاتفاقية التي تعود إلى عام 1982، الأنشطة في المياه الدولية، بما فيها أعمال التعدين في قاع البحار. إلا أن اتقاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لم تتضمن كلمة "التنوع البيولوجي"، ولا ينص الاتفاق على وجود أي آليات لتقييم الأثر البيئي للأنشطة الصناعية على الحياة في المحيطات، أو ينص على توفير الحماية عن طريق تأسيس محميات بحرية في أنحاء من المحيطات. جاءت صياغة معاهدة التنوع البيولوجي في المياه الدولية نتجية جهود دامت عقوداً استهدفت معالجة تلك النقائص.

كما هو الحال بالنسبة إلى المفاوضات الدولية حول التغيرات المناخية، انهارت محادثات وضع المعاهدة بسبب الخلافات بين دول الشمال والجنوب. ضغط تحالف الدول الجزرية الصغيرة التي تعتمد على المحيطات في استمرارها، علاوة على دول نامية أخرى، من أجل تقاسم منافع الموارد البحرية والمساعدة في مواجهة خسارة التنوع البيولوجي في المحيطات الذي تقف وراءه البلدان المتقدمة.

أكد إسماعيل زاهر، العضو في أحد وفود التفاوض عن دولة ساموا، والمستشار الأساسي لتحالف الدول الجزرية الصغيرة، أن "الأنشطة في المياه الدولية تؤثر بشدة بالغة علينا وعلى مياهنا الإقليمية، ومن خلال الطريقة التي نشاهدها، ليست هناك فائدة من إبرام هذه المعاهدة ما لم نعترف بحقيقة أن المنافع ينبغي أن تُستغل وتوزع بطريقة عادلة بين جميع الأطراف".

أخفقت الجولة -التي كان من المفترض أن تكون الأخيرة- من المفاوضات في مارس 2022، في التوصل إلى اتفاق، وأجريت محادثات أخرى في وقت لاحق من العام الماضي. تعثرت أيضاً تلك المفاوضات، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، عقدت وفود التفاوض جلسة حاسمة في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، بهدف وضع الصيغة النهائية للمعاهدة.

اليوم الأخير

في ختام اليوم الأخير من المفاوضات مساء الجمعة الماضية، جمعت رينا لي من سنغافورة، التي ترأست المؤتمر، الوفود وأخبرتهم قائلة: "توجد لدينا فرصة للتوصل إلى اتفاق، وينبغي ألا نضيّع هذه الفرصة من بين أيدينا". أطلق ذلك جلسة مفاوضات مغلقة استمرت 36 ساعة دون توقف. وأعلنت أمام أعضاء وفود التفاوض الذين نال منهم التعب مساء السبت الماضي، التوصل إلى الصيغة النهائية للمعاهدة.

لم ينشر نص المعاهدة المتفق عليها بعد، ولم يتضح للوفود الحلول الوسط التي أدت إلى التوافق في الآراء. قالت فولر من "تحالف أعالي البحار"، التي حضرت كل جلسات الأمم المتحدة المرتبطة بمعاهدة التنوع البيولوجي للمياه الدولية منذ 2004: "توجد بعض الأمور الصغيرة التي ندرك أنها ربما لم تكن بالقوة التي كنا نتمناها من جهة نتيجة الحفاظ على التنوع البيولوجي، لكنني أعتقد أنها معاهدة جيدة للغاية إذا نجحنا في تفعيلها، وإذا توافرت الإرادة السياسية لتطبيقها".

نوه زاهر إلى أن هناك بنوداً مختلفة من المعاهدة ستنفذ بأغلبية الأصوات بدلاً من إجماع الرأي، وهو المعمول به على صعيد معاهدات الأمم المتحدة الأخرى. وأضاف: "كنا نود تفادي موقف ترفض فيه دولة ما، لأي مبرر" إنشاء محمية بحرية.

عقب مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على المعاهدة، ينبغي على 60 دولة المصادقة على الاتفاقية لكي يبدأ سريانها. لم تصادق الولايات المتحدة مطلقاً على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار جراء معارضة الحزب الجمهوري لها، لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أيدت معاهدة التنوع البيولوجي في المياه الدولية.

كتبت وزارة الخارجية الأميركية على موقع "تويتر" السبت الماضي: "اجتمع اليوم العالم لتوفير الحماية للمحيطات لصالح أبنائنا وأحفادنا".

أصوات معارضة

بمجرد الإعلان عن الاتفاقية، برزت أصوات معارضة أيضاً وسط الوفود. في تعليقات كررتها تركيا، قال سيرغي ليونيدشينكو، الممثل عن الاتحاد الروسي: "تسلمنا للتو أجزاء ضخمة من هذه النصوص الجديدة تماماً بالنسبة إلى وفدنا، والتي تشكل أجزاء من الاتفاقات التي لم تكن لدى وفدنا فرصة المشاركة فيها".

أوضح أنه يشك في أن تمديد جلسات المفاوضات كان سيسفر عن نتائج أفضل. وقال: "بصفة عامة، باعتبار أننا دولاً جزرية صغيرة، فنحن راضون تماماً عن المعاهدة".

تصنيفات

قصص قد تهمك