بلومبرغ
أزاحت الأزمة المالية التي يتعرّض لها الملياردير غوتام أداني الستار عن احتمال وجود ثغرة في خطة الهند الطموحة لخفض الانبعاثات، تتمثل في اعتمادها على المواطنين الأكثر ثراءً ونفوذاً في البلاد بصفتهم الخاصة.
فاق حجم التزام أقطاب الأعمال في الهند بالإنفاق على عملية تحول الطاقة، ما وعدت به الحكومة بنيودلهي، يتقدمهم غوتام أداني الذي تعهّد باستثمار 70 مليار دولار في البنية التحتية للطاقة الخضراء.
سارع أيضاً كلٌ من موكيش أمباني مالك شركة "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries) وساجان جيندال من شركة "جيه إس دبليو غروب" (JSW Group)، علاوة على شركات عملاقة في مجال الطاقة على غرار "تاتا غروب" (Tata Group)، إلى مناصرة عملية التحول نحو مستقبل يحظى ببيئة أكثر نظافة.
عاصفة الشكوك تطال شركات هندية أخرى
بيد أن اتهامات شركة "هيندنبرغ ريسيرش" الموجهة لشركات مرتبطة بـ"أداني غروب"، أثارت شكوكاً حول مستقبل الشركة، ومن بينها استثماراتها الضخمة في مشروعات الطاقة الخضراء. وتسبّبت أيضاً في مشكلات لشركة "أداني غرين" (Adani Green)، ذراع المجموعة في مجال الطاقة المتجددة. وبالمثل تنذر العاصفة التي أحاطت بثاني أغنى رجل في آسيا، بأن تطال مؤسسات أخرى متعددة الأنشطة، حيث شكّكت "هيندنبرغ" بالتزام الشركات الهندية بقواعد الحوكمة المؤسسية.
قال أشيوني سوين، زميل مركز بحوث "سنتر فور بوليسي ريسيرش" (Centre for Policy Research) ومقره نيودلهي: "تباطأت وتيرة الاستثمارات نظراً لأن (أداني غروب) هي اللاعب المهيمن على قطاعات الطاقة النظيفة في الهند، ولا نستطيع التعويل على شركتين أو ثلاث لتحقيق أهدافنا، ونحتاج إلى قطاع حافل بالشركات الاستثمارية، يضم لاعبين آخرين وسيشارك الكثير منهم للمضي قدماً بمسيرة القطاع".
يستهدف برنامج العمل الوطني الخاص بالمناخ في الهند، الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2070، متأخرة عن الصين بـ10 سنوات وعن أوروبا بعقدين. ستستمر الهند في مساعيها لزيادة قدرات منشآت توليد الطاقة من الفحم للتخفيف من أزمة شُح إمدادات الطاقة، ما دفع الحكومة الشهر الماضي للدفاع عن استخدامها الوقود الأحفوري، في حين أنها تتعهّد بالوقت ذاته بالمحافظة على التزامها بالتخلص من الانبعاثات الكربونية.
تقويض الثقة بالهند يوسّع فجوة الاستثمار
تحتاج الهند إلى استثمارات بقيمة 160 مليار دولار سنوياً حتى 2030 لكي تبلغ هدفها، أي 3 أضعاف المستويات الراهنة تقريباً، بحسب وكالة الطاقة الدولية. لا يزال حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يمثل جزءاً ضئيلاً من التعهدات الحالية رغم نموه. ربما يقوّض انهيار "أداني" السريع ثقة المستثمرين بالهند بطريقة هائلة، ما ينذر بالحد من تدفقات رأس المال الداخلة إلى البلاد التي تستهدف تمويل المشروعات الخضراء.
"سيتي غروب" يوقف قروض الشراء بالهامش بضمان أوراق "أداني" المالية
تبرِز هذه الفجوة مدى اعتماد الحكومة على شركات قطاعها الخاص لإنجاز أهدافها البيئية. بينما سيتطلب الأمر توفير القطاع الخاص رأسمال مخصص لمكافحة التغير المناخي بكافة أنحاء العالم، إلا أن حجم التحديات الهائلة للهند، يجعلها أشد اعتمادية على مواطنيها الأغنى والشركات الضخمة.
أبدى المسؤولون التنفيذيون استعداداً تاماً الآن لهذا الالتزام، إذ تتمثل الجائزة في اعتلاء صدارة ترتيب القطاعات التي ستصبح مربحة مستقبلاً. تصاعدت المنافسة بين كل من أداني، وأمباني مالك "ريلاينس"، للفوز بلقب أكبر مستثمر منفرد في القطاع الأخضر بالهند، إذ يتبادل المليارديران الصدارة بصفة مستمرة من خلال إعلانات حديثة عن تأسيس مصانع عملاقة وعدد من أكبر المشروعات على مستوى العالم.
إمبراطور الفحم ومناصرة التكنولوجيا الخضراء
واءم أداني غالباً أنشطته التجارية مع أهداف رئيس الوزراء ناريندرا مودي التنموية، وقد اعتبر اتهامات "هيندنبرغ ريسيرش" بممارسة الاحتيال بمثابة هجوم على بلاده. في هذه الأثناء، صرح وزير الكهرباء راج كومار سينغ للصحافيين في نيودلهي الخميس الماضي، بأن هناك ما يفوق 12 شركة ضخمة بإمكانها مواصلة العمل على تنفيذ برنامج الهند.
في حين لم يُعقّب مودي علانية على القصة المطولة، إلا أن واضعي السياسات الاقتصادية ومسؤولي الجهات التنظيمية تدخلوا أثناء عطلة نهاية الأسبوع لتهدئة مخاوف اتساع نطاق الاضطرابات المحاصرة لشركة أداني متعددة الأنشطة لتطال الاقتصاد المحلي وتضر بثقة المستثمرين العالميين في البلاد.
غوتام أداني يبيع العالم حلماً أخضر مبنياً على الفحم
بالنسبة إلى أداني الذي حقّق المليارات بفضل إمبراطورية الفحم الخاصة به، فقد قدّم نفسه كأحد رواد مناصرة التكنولوجيا الخضراء الجديدة والتجريبية. كما يعتزم إنشاء مراكز هائلة لتصنيع وحدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في كل أنحاء البلاد، وهو يعمل على تطوير سلاسل توريد لتوفير هيدروجين أخضر هو الأقل تكلفة حول العالم، لجعل الهند بلداً مصدراً للوقود النظيف.
شُح الطاقة بحاجة لزيادة اللاعبين
لكن، بعض مناصري البيئة يذكرون أن أداني وشركته لم يكونا الطرف الذي يمكن الانطلاق من خلاله نحو الاستثمارات الخضراء، إذ ضاعف أداني من إنتاج الفحم السنة الماضية مع وعد مودي بتوصيل الكهرباء بطريقة يمكن الاعتماد عليها لعدد أكبر من الهنود، في ظل أزمة شح إمدادات الوقود العالمية. تشكّل العمليات التشغيلية في أنشطة التعدين التابعة للمجموعة 3% على الأقل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم الصادرة عن استخدام الفحم، بحسب منظمة "سوم أوف أس" (SumOfUs)، وهي مجموعة ناشطة تشنّ حملات ترمي لممارسة الضغوط على الشركات ذات النفوذ.
قال أسعد رزوق، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة المتجددة في سنغافورة "غورين إنرجي" (Gurin Energy): "الهند أكبر بكثير من أداني، إذ يُعد دور شركاته في عملية تحول الطاقة في الهند محل خلاف، ويشكل القيام بعملية تحول الطاقة في البلاد من خلال منظور شركة أو قوة واحدة بالسوق، خطراً جسيماً".
المعارضة الهندية تدعو البرلمان لمناقشة انهيار أسهم "أداني"
وضعت الهند خططاً لتخفيض نسبة الوقود الأحفوري في مزيج توليد الكهرباء في البلاد إلى 50% حتى 2030، متراجعة عن نسبة حالية تبلغ 57%. ما زالت الهند تستخدم الفحم لتوليد الكهرباء بصورة هائلة، إذ من المنتظر أن يقفز الطلب أكثر على الوقود الأحفوري الأشد تلويثاً للبيئة بحلول 2025. ويؤكد المعارضون أن الحكومة تحتاج إلى بذل جهود أكبر لوضع حدّ لظاهرة الاحترار العالمي.
التمويل الأخضر مُثقل بالديون
تتمثل العواقب المباشرة الأكثر إلحاحاً على المدى القريب بشأن تراجع أداني حالياً، في صعوبة تمكّن الملياردير الهندي من جمع تمويل لتعزيز توسيع أعماله الخضراء. هناك سؤال ينتظر الإجابة متعلق بديون شركة "أداني غرين إنرجي" (Adani Green Energy)، وهي الشركة الفرعية المسؤولة عن إنشاء مشروعات الطاقة المتجددة. فقد ارتفعت نسبة ديون الشركة إلى رأس المال لتصل إلى 95.3% في السنة المالية السابقة المنتهية في مارس الماضي، بحسب تقديرات "بلومبرغ". ومنذ ذلك الوقت، هبطت النسبة إلى 88.5% لكنها ما زالت تفوق نظيراتها.
الملياردير أداني يسدد قروضاً بـ1.1 مليار دولار قبل موعد استحقاقها
تعاني "أداني غرين" من أعلى مخاطر التمويل من بين شركات المجموعة جراء ضعف ميزانيتها العمومية، بحسب محللي "بلومبرغ إنتليجنس"، علاوة على أن سندات أصدرتها الشركة بقيمة 1.25 مليار دولار سيحلّ موعد استحقاقها السنة المقبلة. قال محللون إن "السيولة النقدية لدى (أداني غرين إنرجي) بداية من سبتمبر المقبل، لا يمكنها تغطية الديون المستحقة قصيرة الأجل".
تساءل تيم باكلي، مدير مركز بحوث "كلايمت إنرجي فاينانس" (Climate Energy Finance) في سيدني والمراقب لأنشطة الملياردير الهندي منذ مدة طويلة: "هل سيضر هذا الأمر بأداني؟ بصورة قاطعة كان من المفترض وقوع ذلك الضرر فعلاً. ستكتشف أن قدراً كبيراً من رأس المال المتدفق من الغرب سيتفادى حالياً (أداني غروب)، ما يُعرض قدرة أداني على الوصول إلى رأس المال الغربي العالمي للخطر، لا سيما رأس المال المستهدف للمشروعات الخضراء ورأس المال المخصص لمشروعات تلتزم بمعايير الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية".