اختفاء الجليد من دافوس يُخبر النخبة حول العالم بما عليهم معرفته

40 % انخفاض بعمق الثلوج المتراكمة شتاءً مقارنةً بمستويات 1971

time reading iconدقائق القراءة - 7
مدفع ثلج معطل بقرية ويسن في دافوس بسويسرا في 8 يناير - المصدر: بلومبرغ
مدفع ثلج معطل بقرية ويسن في دافوس بسويسرا في 8 يناير - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قبل أسبوع من استضافة دافوس الاجتماعات الشتوية المعتادة سنوياً بصفتها المدينة التي تستضيف المنتدى الاقتصادي العالمي، لم يعد التساؤل الأبرز يتعلق بجدول أعمال مناقشات رجال الأعمال والقادة السياسيين، ولكن بما إذا كانت توجد ثلوج كافية هناك لممارسة رياضة التزلج هناك.

ورغم ارتفاع المدينة 1560 متراً فوق سطح البحر لكن موجة ارتفاع درجات الحرارة التي شهدتها المدينة السويسرية، والتي يندر حدوثها في ذلك الوقت من الشتاء، رفعت درجات الحرارة بفارق كبير عن درجة التجمد المعتادة مطلع يناير من كل عام، إذ سيطرت على المشهد سفوح الجبال المغطاة بالعشب البني الميت ومن يتنزهون مصطحبين كلابهم.

لكن الثلوج وصلت في الوقت المناسب قبل وصول الزوار من النخبة، وغطى الصقيع المنحدرات ومبنى مركز المؤتمرات كالمعتاد، مع توقع تساقط المزيد من الثلوج.

لم يعد 2023 عاماً مختلفاً بما يحمله من مؤشرات على ما قد يحدث من تغيرات بمنطقة دافوس، حيث ترتفع درجة حرارة الغلاف الجوي بوتيرة أسرع من باقي أنحاء الكوكب.

دورة سلبية

لا تقتصر قيمة المدينة على كونها محل استضافة مناقشات رفيعة المستوى وسط عالم يشهد متغيرات عدة، لكنها أيضاً موطن لمحطة طقس تحتوي على أطول سلسلة بيانات يومية لعُمق الجليد بالمرتفعات، والتي كشف العلماء تشابه اتجاهات تلك البيانات المسجلة مع نظيرتها في جبال الألب.

تُظهر صور الأقمار الصناعية تقلص الغطاء الثلجي خلال الصيف بنسبة 10% على مدى الأربعين عاماً الماضية، وبينما تبدو نسبة طفيفة، فإنها تعكس مخاطر أكبر إذا أخذنا في الاعتبار عُمق الثلج المتراكم خلال الشتاء، وانخفاضه بأكثر من 40% في المتوسط، مقارنةً بمستويات 1971، عندما انعقد أول اجتماع سنوي لافتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي.

تقول سابين رامبف، الأستاذة بجامعة بازل في سويسرا إن تقلص الغطاء الثلجي يُستبدل بمزيد من الأشجار، وهو أمر سيئ، حيث تمتص أوراق الشجر الداكنة حرارة الشمس، التي كان الثلج الأبيض يعكسها من قبل، ما يُزيد من درجات الحرارة، وقتها تبدأ دورة سلبية تُسرّع من وتيرة ارتفاع درجات الحرارة.

أولويات النخبة

تقول غيل وايتمان، أستاذة الاستدامة بكلية الأعمال في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة: "آمل أن يكون ذلك اختباراً حقيقياً" لصناع القرار حول العالم. وأضافت: "من الطبيعي أن تتساقط الثلوج على سويسرا بالشتاء، فالأمر لا يقتصر على مجرد عدم قدرتك على التزلج كما تريد، لكن سلسلة التنوع البيولوجي تتغير بالكامل، حيث تتفاعل الأشجار والذباب وكأنهما في الربيع".

رغم التغير التدريجي على مدى عقود، غابت مخاطر ارتفاع درجة حرارة الأرض عن أولويات النخبة حول العالم حتى وقت قريب.

منذ 1971، وباستثناء فترة الوباء، اجتمع قادة الأعمال ورؤساء الدول سنوياً في المنتدى الاقتصادي العالمي، لكن اجتماع العام الجاري يتميز بسيطرة قضايا المناخ على مناقشات أكثر من ثُلث الأجندة الرسمية إلى جانب الأجندة المعتادة لمناقشة قضايا سلامة الاقتصاد العالمي والتوترات الجيوسياسية. وبمراجعة الملخصات التنفيذية لاجتماعات المنتدى منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يُذكر مصطلح "المناخ" سوى في 2014.

رسالة عاجلة

قالت وايتمان إلى بودكاست "زيرو" (Zero) التابعة لـ"بلومبرغ غرين" إن ذلك التحول استغرق سنوات من الجهد خارج مبنى قاعة المؤتمرات بالمدينة، لإقناع رجال الأعمال والقادة السياسيين بأنهم لم يعطوا الأولوية الكافية لمناقشة مخاطر تغير المناخ.

كرّست وايتمان حياتها المهنية من أجل نقل نتائج علوم الطبيعة إلى غرف صناعة القرار بمجالس الإدارات. وبعد البقاء بعض الوقت بالقطب الشمالي في كندا، أصرت وايتمان على نقل رسالة عاجلة إلى دافوس مفادها "ما يحدث بالقطب الشمالي لن يبقى في القطب الشمالي".

قاعدة معسكر

لقد كانت مهمة شاقة. فإذا لم يكن لديك بطاقة المرور البيضاء الرائعة، التي تمكنك من عبور الماكينة، سوف يُطاردك رجال الأمن بمركز دافوس للمؤتمرات، كما يصيبك الذهول من تكلفة الإيجار في أي مكان بالمدينة، لذلك قررت وايتمان بناء "قاعدة معسكر"، كما يفعل متسلقو جبل إيفرست، الذي يقع ضمن سلسلة أخرى رائعة من الجبال التي تُسجل بدورها معدلات استثنائية لذوبان الجليد.

في 2017، نصبت وايتمان خيمة يستخدمها المستكشفون القطبيون بعيداً عن المقر ليلاً، والتي كان لها مهمة مزدوجة باعتبارها مكاناً لعرض البيانات في النهار، وغرفة للنوم بالليل.

تقول وايتمان: "كنا نمتنّ كثيراً لأي شخص يقدم لنا وجبة عشاء طوال أسابيع منتدى دافوس"، وبالفعل نجحت المبادرة، وانضم للخيمة أكثر من 100 شخص في أول سنة، وتم تأسيس قاعدة معسكر قطبية.

علاقة مباشرة

خلال الاجتماعات السنوية التالية، أصبحت الخيمة مقراً لتجمع يضم علماء ونشطاء مناخ إما لم يسمعوا عن دافوس أو لم يحضروا إليها من قبل، يحملون جميعهم رسالة أساسية مفادها أن تداعيات ما يحدث بالمناطق المتجمدة ستمتد إلى كافة أنحاء العالم، بدايةً من ارتفاع مستوى سطح البحر وصولاً إلى تغير النموذج المعهود للعواصف.

ترتبط موجة البرد التي ضربت أميركا الشمالية وتسببت بخفض درجات الحرارة في تكساس إلى ما دون التجمد خلال ديسمبر، مع الموجة الأخرى الدافئة غير المعتادة التي شهدتها أوروبا الوسطى والغربية عشية رأس السنة الجديدة، باضطرابات الدوامة القطبية الناجمة عن تغير المناخ.

وبلغة دافوس، يحمل ذوبان الجليد تداعيات اقتصادية هائلة. إذ تقول وايتمان إن معدل إنتاجية كافة مناطق سلال القمح حول العالم ترتبط مباشرةً بدرجات الحرارة في القطبين، وذلك مثال واحد فقط على ارتباط ما يحدث هناك بكافة أنحاء الكوكب.

ضمائر ومكاسب

وداخل قاعدة معسكر وايتمان، يُطلع العلماء قادة الأعمال على انعكاسات تلك المخاطر على مكاسبهم وكيف تعزز الجهود العالمية لتحقيق أهداف المناخ من مكاسبهم.

تقول وايتمان: "عندما نخاطب ضمائرهم وكذلك مصلحتهم الشخصية أحياناً، يرتقي البعض إلى مستوى الحدث، وبالفعل رأيت الأمر يحدث عدة مرات".

لكن وايتمان أيضاً هي أول من اعترف بأن ارتفاع مستوى الوعي لن يكون له جدوى إذا لم تنخفض الانبعاثات، إذ سجل العالم مستوى قياسياً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في 2022، عقب تسبب أزمة الطاقة في اندفاع بعض الحكومات إلى العودة للاعتماد على الفحم.

العلم والسلطة

رغم ذلك، يزداد تفاؤل وايتمان كلما اجتمعت مع المسؤولين أصحاب النفوذ في دافوس.

في 2018، مر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، محاطاً برجال الأمن، وسأل وايتمان: "ماذا تفعلين في تلك الخيمة القطبية الكبيرة؟ هل تنامين هنا؟".

أدخلت وايتمان نتنياهو للخيمة وتحدثت إليه عن تغير المناخ بالقطب الشمالي، وعرضت عليه أمثلة على تغير عمق الجليد، التي تؤكد بالدليل القاطع أن موجة ارتفاع درجات الحرارة الحالية غير مسبوقة ولم نشهدها منذ أكثر من 800 ألف عام.

تقول وايتمان: "تمنحك دافوس فرصة لاستغلال لحظات استثنائية يتحدث فيها العلم إلى السلطة".

تصنيفات

قصص قد تهمك