أسماك الأنشوجة والسردين المُعلّبة حل جاهز لأزمة المناخ

الأسماك الحرة توفر أكبر كمية بروتين بأقل بصمة كربونية

time reading iconدقائق القراءة - 17
عمال يجهزون الأنشوجة  في مصنع أسماك  - المصدر: بلومبرغ
عمال يجهزون الأنشوجة في مصنع أسماك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يتأمل أندريس ألبونيغامايور السطح أحمر اللون لمركب الصيد الخاص به فيما يُفرّغ من آخر شحنة أسماك تونة بيضاء. ما يزال هناك ساعتان قبل شروق الشمس على رصيف بيرميو، وهي بلدة في منطقة إقليم الباسك في إسبانيا. يعمل طاقم المركب، المكون من 6 رجال من السنغال في صمت، فيما تصفر الريح أثناء مرورها خلال الجدران المعدنية لمستودع خالٍ قريب من المنطقة. كانت هناك فترة ضج فيها الرصيف بالنشاط قبل مزاد السابعة صباحاً، لكن الميناء لم يمتلئ بالمراكب منذ سنوات.

لا يُبدي القبطان ألبونيغامايور، البالغ من العمر 68 عاماً، أي مشاعر فيما يدخل السمك مزاداً للحصول على سعر جيد. القبطان هو الأخير في سلالة طويلة من صيادي بيرميو، وينصبّ كل اهتمامه على حصيلة الصيد التالية. يقول القبطان، وهو ينطق الكلمات على طريقة إقليم الباسك المميزة، التي تُعتبر لهجته الأصلية: "أود الخروج مجدداً غداً. قد لا أعود للمنزل هذه المرة حتى. قد أغفو قليلاً على المركب فقط".

لا يدرك ألبونيغامايور ذلك، لكنه يلعب دوراً مهماً للغاية في مكافحة تغير البيئة والمناخ. ففي كل مرة يخرج فيها إلى البحر، يُحضِر فيها البروتين الحيواني الأقل من حيث إنتاج الانبعاثات الكربونية حول العالم. حصيلة صيده من التونة البيضاء (طويلة الزعانف)، التي تُحفَظ في الزيت وتُعبّأ في علب وبرطمانات زجاجية في المصانع الواقعة على بُعد ميل، تصبح حلاً لا ينال ما يستحقه من إشادة للكوكب الذي ترتفع درجة حرارته. فهي وجبة رخيصة الثمن، ولا تحتاج إلى الطاقة لتبريدها، وتقريباً لا تفسد أبداً، ويمكن ببعض الجهد صيدها بشكل مستدام.

بدائل نباتية

تُعدّ الطريقة التي نأكل بها مصدراً رئيسياً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تدفع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات شديدة جديدة. لمواجهة هذه المشكلة، يموّل المستثمرون تطوير البروتينات الحيوانية التي يمكن صنعها في المعامل بدلاً من تربيتها في مزارع، فيما تسوّق شركات الغذاء (بصعوبة كبيرة للمتسوقين غير المكترثين) البدائل النباتية للحوم.

كل ذلك جزء من الدافع لكسر حلقة الوصل بين شهية الإنسان التي لا يمكن إيقافها للحوم والدواجن والسمك، وبين الزيادة الموازية في الانبعاثات التي ترفع درجة حرارة الكوكب.

لكن على أحد الأرفف في متجر البقالة، يقبع بروتين حيواني، يكاد يكون منخفض الكربون، موجود منذ نحو قرنين وجاهز للأكل دون حاجة لإجراء الأبحاث والتطوير وتغيّر أذواق المستهلكين وهو "السمك المعلب".

أقل بصمة كربونية

يقول غومرسيندو فيغو، المهندس الكيميائي بجامعة "سانتياغو دي كومبوستيلا" الواقعة في منطقة جاليسيا بشمال إسبانيا: "السمك البرّي يعطيك أكبر كمية من البروتين بأقل بصمة كربونية". درس فيغو التأثير البيئي والكربوني لصناعة السمك المعلب منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأضاف: "إذا وضعته في علب، يصبح الأمر شيقاً أكثر، لأنه يحتفظ بطعمه وقيمته الغذائية، ولا يحتاج للتبريد أو الطهي".

السمك المعلب، المعروف باسم "السمك المحفوظ" في إسبانيا والبرتغال لم يفقد رونقه أبداً، ويعود مرة أخرى إلى ثقافة عشاق الأكل، إذ يروّج الطباخون للمكوّن على قوائم الطعام وتستخدم متاجر الأطعمة الفاخرة تصميمات ملوّنة مستوحاة من الماضي على العلب لجذب الزبائن.

طالع أيضاً: إنفوغراف.. ارتفاع الاستثمارات بالشركات في مجال المناخ

يقول هنري ريتش، مالك "رودورا"، وهو بار للنبيذ في منطقة فورت غرين الراقية في بروكلين، ويستهدف عدم إنتاج أي نفايات: "إن السمك المعلب له صلاحية طويلة لدرجة أن ما يُهدَر فعلياً من الغذاء يبلغ صفر تقريباً". تدور قائمة طعام ريتش حول الخضراوات المخللة والأجبان الصلبة والسمك المعلب، وكلّها مكونات تقلل التلف. ويتابع: "ويمكن إعادة تدوير واستخدام ألمنيوم العلب المعدنية".

اختيارات صديقة للبيئة

السؤال الآن هو: هل اختيارات رواد المطاعم المتأنقين والمهتمين بالمناخ، في نيويورك أو لندن أو ميونيخ، مهمة فيما تؤثر موجات الحر والفيضانات والحرائق على حياة الناس في كل قارة؟ حسناً، الإجابة نعم، على الأقل لباحثي المناخ.

ضع في اعتبارك أن الدول الغنية هي الأكثر إضراراً بالبيئة بالنسبة لنصيب الفرد، ومن بين كل اختيارات أسلوب الحياة، تُعدّ التغيرات الغذائية من بين الأعلى تأثيراً على تقليل الكربون. ذلك لأن سلسلة إمداد الغذاء مسؤولة عن 35% على الأقل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، وفقاً لورقة بحثية نُشرت في 2020 وأشرف عليها علماء من جامعة إلينوي في إربانا-شامبين. تبلغ الانبعاثات الناتجة عن الغذاء ذي الأصل الحيواني ضِعف نظيرتها الصادرة من النباتات، لكن عواقب البروتينات الحيوانية تختلف بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: أسعار الغذاء العالمية تواصل تراجعها للشهر الخامس

وفقاً لدراسة جديدة منشورة في مجلة "نيتشر ريفيوز إيرث آند إنفايرومنت" (Nature Reviews Earth and Environment)، يمكن أن يكون لتقليل تناول المصادر الأكثر إنتاجاً للانبعاثات، مثل اللحوم، لصالح بدائل أقل إنتاجاً للكربون، تأثير كبير وفي الوقت نفسه، تقديم فوائد غذائية أعلى.

حل أزمة المناخ

لا يحتاج السمك البرّي للكثير من الأشياء، فلا يوجد علف له، مما يقضي على مصدر ضخم للانبعاثات مرتبط بتربية المواشي التي تتغذى على الحبوب أو تعتمد على المراعي العشبية، كما لا يوجد حاجة للطاقة لتنمية أو الحفاظ على المصايد، ولا يتجشأ السردين غاز الميثان مثل الماشية. البصمة الكربونية المحدودة الناتجة عن أكل السمك البرّي تأتي بشكل رئيسي من الوقود الذي تحرقه مراكب الصيد.

مقارنة بالتأثير العالمي لكل الإنتاج الزراعي والحيواني، يمثّل صيد السمك البرّي 4% فقط من إجمالي الانبعاثات، وفقاً لدراسة في 2018 بمجلة "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature Climate Change). كما أن نوع السمك الذي تجري تعبئته يمثّل حصة لا تُذكر تبلغ 2% من الانبعاثات الضئيلة المرتبطة بصيد السمك البرّي.

العقبة الرئيسية أمام التوسع في استهلاك السمك المعلب هي ضمان أن تظل مصايد الأسماك الحرة مصدراً متجدداً، وفي مأمن من النضوب بسبب الإفراط في الصيد.

مصادر مستدامة

بارت فان أولفن، وهو شيف سابق بأحد مطاعم باريس الحائزة على نجمة ميشلان، الذي ترك وظيفته ليدير عمله الخاص كبائع سمك في مسقط رأسه بأمستردام، تعلّم ذلك الدرس بالطريقة الصعبة. يقول فان أولفن: "إحدى المؤسسات غير الحكومية التي كنت أعمل معها جاءت إلى متجري ولفتوا نظري إلى أن 80% من السمك المعروض للبيع جاء من مصادر غير مستدامة. ليس منطقياً أن تحاول خفض بصمتك الكربونية فيما يأتي السمك الذي تبيعه من مصدر غير مستدام".

رغم ذلك، في هذه اللحظة، يعتمد مجلس الإشراف البحري (MSC)، وهو مؤسسة غير هادفة للربح تدعم أكبر برنامج للصيد المستدام، 16% فقط من حصيلة الصيد البرّي في العالم كمصادر مستدامة. يجمع المجلس بيانات من العلماء والصيادين لتحديد ما إذا كانت عمليات الصيد في أحد المصايد تسمح بالاستدامة.

اقرأ أيضاً: من الشعاب المرجانية البعيدة إلى أريكتك.. عِلم المُواطن ينتشر في كل مكان

يراعي المجلس عدم الإفراط في الصيد، ويؤكد أن الأسماك يتم اصطيادها بطرق لا تضر البيئة البحرية وتقلل من عدد الكائنات البحرية من الأنواع الأخرى التي يجري الإمساك بها عن طريق الخطأ، مثل أسماك القرش والدلافين والسلاحف.

أقصى استفادة

السمك الصغير الذي يعيش في البحر، وعادةً ما يُباع معلباً، يكون موجوداً بعيداً عن الساحل وفي المياه الوسطى أو الطبقات العليا من المحيط. يقول إدوارد لو بارت، المدير الإقليمي لمجلس الإشراف البحري بجنوب أوروبا إن ذلك السمك "يتكاثر بسرعة كبيرة" أيضاً، مضيفاً أن "الجزء الوحيد الصعب هو إدارة مصايد الأسماك، لكن بمجرد أن تفعل ذلك، تشكّل مصدراً متاحاً للبروتين".

يعتزم المجلس سحب اعتماده من المصايد التي تتخطى حدودها من خلال الإفراط في الصيد أو استخدام أساليب تضر بفصائل أخرى. وذلك ما حدث فعلاً مع مصايد السردين في البرتغال وخليج غاسكونيا وجنوب بريتاني، الذين فقدوا اعتمادهم، فيما انخفضت أسهمهم. فقدت أنشوجة بحر كانتابريا أيضاً اعتمادها من مجلس الإشراف البحري، ثم استعادتها بعد بضع سنوات، عندما تعافت مخزونات الأسماك.

يقول لو بارت: "الأمر يتعلق يتحقيق أقصى استفادة من المصايد، لكن أقصى استفادة لا تعني الصيد بأكبر قدر ممكن، وإنما الصيد بطريقة تسمح لنا بتحقيق أرباح من هذا المورد كل عام".

أسماك محفوظة

تُؤكل معظم الأسماك في العالم اليوم وهي ما تزال طازجة، مقارنة بـ44% في عام 2020، وفقاً لتقرير صدر هذا العام عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، وبالتالي تُستهلك في المناطق القريبة من الشواطئ. فيما يُجمّد 35% إضافية من الإنتاج، وتكون 11% منها فقط معلبة. تقول شيلا ألميدا، الباحثة في معهد "مار إي دا أتموسفيرا" في لشبونة: "منذ قرون لم يكن لدينا سلاسل إمداد ضخمة وأنظمة تبريد، لذلك كان على الناس البحث عن بدائل".

اقرأ أيضاً: استثمارات الطاقة المتجددة بحاجة للزيادة 4 أضعاف للوصول إلى صفر انبعاثات في 2050

استُخدم الملح والبهارات لحفظ الأسماك حتى تدخل نابليون بونابرت. في 1795، عرض بونابرت جائزة لمن يخترع طريقة لحفظ الطعام بشكل أفضل، والتي من شأنها أن تمنح جيشه ميزة لوجستية في حملات غزو الأراضي البعيدة.

كانت طريقة غلي الطعام وحفظه في حاويات محكمة الغلق ناجحة جداً، لدرجة أن العلب الموجودة في حطام السفن التي عُثر عليها بالقرن التاسع عشر ماتزال صالحة للاستهلاك حتى اليوم.

على الطريقة الفرنسية

ظل الطعام المعلب منتجاً شحيحاً نسبياً حتى غرقت سفينة فرنسية تحمل علب أسماك قبالة الساحل الشمالي الغربي لإسبانيا في غاليسيا في 1840. تُعرف المنطقة التي غرقت فيها السفينة باسم "كوستا دا مورتي" أو (ساحل الموت)، وتتسم بالمنحدرات الصخرية والعواصف العنيفة التي زادت حصيلة الخسائر في بعض الأحيان بسبب جامعي القمامة في غاليسيا ممن كانوا يغلقون الفنارات، ويحصدون كل ما تجرفه الأمواج على الشاطئ. في العام نفسه الذي فُقدت خلاله شحنة الأسماك الفرنسية بالبحر افتُتح مصنع للأسماك المحفوظة في غاليسيا باستخدام الطريقة الفرنسية في الحفظ.

حالياً ما تزال غاليسيا المنطقة الأكثر إنتاجاً للأسماك المعلبة في إسبانيا، والتي تُعدّ بدورها ثاني أكبر منتج في العالم بعد تايلندا.

الكثير من الأسماك التي يصطادها ألبونيغامايور وعشرات السفن الصغيرة الأخرى بالقرب من المياه القطبيه في المحيط الأطلسي ينتهي بها الحال في عدد قليل من المصانع بضواحي بيرميو، وهي قرية يزيد عدد سكانها قليلاً عن 15000 نسمة وموطن بعض من أكبر شركات صيد التونة في العالم، إذ يتم اصطياد 10% من التونة الاستوائية على مستوى العالم بواسطة سفن بيرميو، وصُنّفت كل هذه السفن بوصفها مستدامة من قبل مجلس الإشراف البحري.

يقول إغناسيو سيراتس، مدير شركة "كونسيرفاس سيراتس" (Conservas Serrats): لم يكن الأمر دائماً على هذا النحو"، مشيراً إلى المكاتب الجديدة الأنيقة والرائحة الرقيقة جداً للأسماك الطازجة التي تطفو في الهواء. وتابع: "في المصنع القديم كانت هناك منصات مكدسة فوق براميل مملوءة بالأنشوجة المملحة لمنع السقف من الانهيار".

مهنة متوارثة

يُعدّ إغناسيو الجيل الرابع على رأس شركة "سيراتس"، التي تأسست في 1890 من قبل الجد الذي جاء من عائلة تعمل في مجال حفظ الأنشوجة في لاسكالا، المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​بإسبانيا. عندما تولى المنصب من والده "الذي كان رجلاً قوياً من بيرميو بنى نفسه بنفسه"، ركز سيراتس على تحديث العمليات والمنشآت، ثم انهار كل شيء تقريباً.

تقول ماريا سانتوس، كبيرة الباحثين في الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك في مؤسسة "أزتي" (AZTI)، وهي منظمة علمية تدرس مصايد بحر كانتابريا: "حذّرنا منذ 2001 من أن أعداد الأنشوجة آخذة في الانخفاض بشكل حاد. ثم ذهب الصيادون في 2005 إلى البحر ولم يجدوا شيئاً".

تراجعت الكتلة الحيوية المقدرة للأنشوجة في البحر، وأغلقت السلطات شركة صيد أسماك "سيراتس" لمدة خمس سنوات. استعادت الشركة منذ ذلك الحين شهادة مجلس الإشراف البحري، وتظهر البيانات الصادرة عن "أزتي" أن مخزوناتها وصلت أعلى مستوى مسجلاً.

الحد من الانبعاثات

بالنسبة إلى سيراتس، كان الحظر فرصة للتأمل. ويقول: "لم يخطر ببالي أبداً أنه لا يمكن أن يكون هناك سمك أنشوجة. لم يكن لدينا مورد بديل، لأننا منذ أيام جدي الأكبر، كنا نعتمد دوماً على أنشوجة كانتابريا".

كما أن الأجواء غير المقيدة ونقص عنصر التدخل البشري الذي يجعل الأسماك منخفضة الكربون مثل الأنشوجة والتونة البيضاء تجعلها شديدة التأثر بتغير المناخ. يدفع ارتفاع درجة حرارة المياه الأسراب إلى الشمال بعيداً ويعتقد العلماء أنها تجعل الأجيال الجديدة من الأسماك أصغر حجماً. لهذا السبب يسعى بعض منتجي الأسماك المعلبة في إسبانيا إلى الحد من مستويات الانبعاثات.

يقول فيغو، الباحث الغاليسي: "حتى لو كانت البصمة الكربونية صغيرة، فكلما زادت معدلات التصنيع، ترتفع هذه البصمة. فعندما تصنع أسماكاً معلبة، تحتاج لتوفير الطاقة اللازمة لطهيها، والزيت الذي يساعد في حفظها، وبالطبع علب القصدير".

وسائل نظيفة

خلال العام الماضي ركّبت "سيراتس" ألواحاً شمسية فوق سطح المصنع لتزويده بالطاقة بالكامل خلال الساعات المشمسة. هذا العام، ستبدأ آلة ترشيح نانوي جديدة في تنقية مياه الصرف المالحة الناتجة عن غليان السمك. ونحو 90% من تلك المياه ستكون صالحة لطهي الأسماك مجدداً وإعادة تدويرها، مما يقلل بشكل كبير من إهدار المياه والتكاليف.

حتى أشهر قليلة مضت بدت فكرة الترشيح النانوي غريبة الأطوار. إذا تتميز القرية الريفية الواقعة في منطقة إقليم الباسك بأنها خضراء جداً وخصبة وممطرة لدرجة أنه غالباً ما يُقارن مناخها ومناظرها الطبيعية بمناخ إنجلترا وأسكتلندا. لكن في أغسطس الماضي، تصدّرت إحدى السفن عناوين الصحف عند دخولها ميناء بيرميو محملة بمليوني لتر من المياه، وهو إجراء استثنائي تم اتخاذه لأول مرة لمساعدة المنطقة على التعامل مع الجفاف بعد أن شهدت أدنى معدل هطول للأمطار منذ 1859.

يقول سيراتس: "أنفقنا 300 ألف يورو (ما يعادل 290 ألف دولار) على هذه الآلة لأننا أردنا تقليل استهلاكنا للمياه والمساهمة في الاقتصاد الدائري. لا أصدق أننا أثبتنا صحة وجهة نظرنا بهذه السرعة".

طاقة متجددة

"كونسرفاس أنطونيو بيريز لافونتى" (Conservas Antonio Pérez Lafuente)، وهي شركة يرجع تاريخها إلى عام 1892 تقع في قرية فيلانوفا دي أروسا الغاليسية، التي لا تبعد كثيراً عن مكان غرق السفينة الفرنسية، عيّنت عالم أحياء مسؤولاً عن الإنتاج. ويختص عمله بحساب وخفض البصمة الكربونية للشركة.

تحصل "كونسرفاس أنطونيو بيريز لافونتى" على جميع أسماكها من الصيادين المحليين، باستثناء نوع من الأخطبوط الموجود فقط على طول الساحل البيروفي، كما أن الزيت والتوابل في علبها معتمدة بوصفها خالية من مبيدات الآفات. يُصدر معظم إنتاج الشركة تحت العلامة التجارية "بان دو مار" (Pan do Mar) إلى فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

طالع أيضاً: إنفوغراف.. قطاعات الطاقة المتجددة الأكثر توظيفاً

انخفضت بصمة الشركة الكربونية كل عام منذ 2013، أولاً عن طريق إيقاف تشغيل غلاية تعمل بالوقود لطهي الأسماك بدلاً من الغاز الطبيعي، ثم عن طريق استبدال المبردات القديمة التي تعاني من التسريب. تغطي الألواح الشمسية الآن بعض احتياجات المصنع من الكهرباء، بينما يجري توفير الباقي لاستخدامه في مرفق للطاقة المتجددة.

يقول أليخاندرو بالوفو، الذي درس تحت إشراف فيغو في جامعة سانتياغو دي كومبوستيلا والمسؤول الآن عن خفض البصمة الكربونية لـ"كونسرفاس أنطونيو بيريز لافونتى": "تزداد صعوبة خفض بصمتنا كل عام لأن الأشياء الكبيرة أُنجزت بالفعل. ما تبقّى هو الأشياء صغيرة أو تلك لا نستطيع تحمّل تكلفتها أو غير موجودة بعد".

تفاصيل مهمة

لا يُطبع شعار "بان دو مار" والمعلومات الغذائية مباشرة على الألمنيوم، الذي يجعل إعادة التدوير أكثر استهلاكاً للطاقة، لكن بدلاً من ذلك تُطبع المعلومات على علبة من الورق المقوى القابلة للتحويل إلى سماد. يسمح الرقم المطبوع على كل علبة للمشترين بتتبع مكان ووقت صيد الأسماك، وبأي سفينة، واسم القبطان الذي يقودها. يقول بالوفو: "أتلقى من 15 إلى 20 رسالة بريد إلكتروني من مشترين من جميع أنحاء العالم كل شهر يسألون عن هذه التفاصيل. إنها طريقتنا في إخبار الناس أن هذه الأشياء مهمة بالنسبة لنا".

تساعد أساليب تتبع مراحل الصيد وشهادات الاستدامة مع الاهتمام بالتفاصيل صانعي الأسماك الصغيرة المعلبة مثل "سيراتس" التي توظف 100 شخص و""كونسرفاس أنطونيو بيريز لافونتى" التي توظف 40 عاملاً فقط على زيادة عدد العملاء في الخارج و عدد الدول التي يصدّرون إليها.

بالعودة إلى بيرميو مجدداً، يسحب سيراتس جرة زجاجية من أحد الرفوف في مكتب "كونسيرفاس سيراتس" ويهزها. لا يوجد شيء مميز حول طفو أسماك التونة البيضاء في الزيت بداخل الجرة، باستثناء أنه جرى اصطيادها وتصنيعها وتعبئتها منذ نحو 40 عاماً. من وقت لآخر، تتجمع عائلة "سيراتس" حول علبة قديمة وتفتحها فقط للتحقق من أن المحتويات لذيذة مثل يوم صنعها.

اختتم سيراتس: "بدأنا في صنع علب الذكرى السنوية التي سنبيعها في غضون 25 و50 عاماً، حيث نعتّقها تماماً مثل النبيذ. إنها طريقتنا للقول إننا نخطط للبقاء في العمل لبعض الوقت".

تصنيفات

قصص قد تهمك