أصبح التنبؤ بمستقبل نظام الطاقة العالمي الحالي أصعب من أي وقت مضى. فالحرب، والتضخم، وضغوط سلاسل التوريد إضافة إلى الشقاق التجاري جعلوا الوضع الحاضر -إن جاز التعبير- يتأثر بالظروف الحالية أكثر بكثير مما كان عليه في السنوات الماضية.
لكن طُلب مني التحدث عن ذلك الموضوع في مؤتمر هذا الأسبوع، وكانت استراتيجيتي أن أبدأ بالحديث عن التغيرات على المدى الطويل، نظراً لامتلاكنا معلومات عن استهلاك الطاقة منذ قرون وبيانات مناخية تمتد لآلاف السنين.
ركزت في هذا الصدد على اتجاهين بصفة خاصة، أولاً: إجمالي استهلاك الطاقة الأولية منذ منتصف القرن العشرين. وثانياً: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منذ منتصف القرن الثامن عشر. تُظهر هذه البيانات حالياً تغيرات فاصلة مؤثرة من حيث أماكن استهلاك الطاقة، ونقطة تحول مهمة - نأمل أن تكون دائمة - في الانبعاثات العالمية.
تقسيم استهلاك الطاقة
الاتجاه الأول هو الأهم، ويمكننا دراسته باستخدام بيانات من شركة النفط العملاقة "بي بي"، التي تحتفظ بإحصائيات حول استهلاك الطاقة الأولية تعود إلى 1965. عند تقسيم تلك الإحصاءات حسب الكتلة الاقتصادية -بحيث تقع أغلب الدول الغربية والغنية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في مجموعة واحدة، فيما تشكل الدول المتبقية مجموعة أخرى.
اقرأ أيضاً: دراسة: الشركات تتجاهل المخاطر المالية للانبعاثات الكربونية
في 1965، شكلت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر من 70% من الانبعاثات العالمية. بينما حالياً، تمثل الدول غير الأعضاء في المنظمة أكثر من 60% من تلك الانبعاثات. وهذه الدول غير الأعضاء مسؤولة أيضاً عن نمو الانبعاثات بالكامل. من الملاحظ كذلك أن انبعاثات دول منظمة التعاون والتنمية بلغت ذروتها في 2007، وهو العام الذي سبق الأزمة المالية العالمية، كما تفوق فيه استهلاك الدول غير الأعضاء بالمنظمة مقارنة بالمجموعة الأخرى.
يرتبط استهلاك الطاقة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل بارز جداً بالنشاط الاقتصادي العالمي وبالصدمات الاقتصادية والموارد. يمكننا أن نرى بوضوح تأثير صدمتي أسعار النفط في السبعينيات، والأزمة المالية، وفيروس كوفيد -19 على ذلك الاستهلاك.
أسباب زيادة استهلاك الطاقة
من ناحية أخرى، يعتبر الاستهلاك في الدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر سلاسة، إذ يظهر فيروس كوفيد- 19 فقط باعتباره اضطراباً مؤثراً -وإن كان ذلك لفترة وجيزة – في نمط الاستهلاك المتزايد.
إذا دققنا النظر في منحنى استهلاك الدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ سنرى أن استهلاك الطاقة الأولية بدأ في التسارع بشكل مؤثر في 2001، وليس من قبيل المصادفة أن هذه السنة نفسها شهدت انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وزيادة غير عادية في الناتج الاقتصادي. هذا لا يعني أن الزيادات في الهند وجنوب شرق آسيا لم تؤثر على منحنى الاستهلاك هي الأخرى، ولكن الصين لعبت دوراً بارزاً في ذلك بشكل خاص.
اقرأ المزيد: الصين تستهدف استهلاك الطاقة غير الأحفورية بأكثر من 80% في 2060
بعبارة أخرى منذ العام الذي انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية، زاد استهلاك الطاقة الأولية من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأكثر من الضعف. في الوقت نفسه، انخفض استهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل طفيف للغاية. من المحتمل حدوث انخفاض مستمر في استهلاك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بالنظر إلى أهداف الطاقة النظيفة الطموحة والنقل الكهربائي. بينما خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من شبه المؤكد أن استهلاك الطاقة الأولية سيستمر في النمو، مما يجعل النشر المكثف للعمليات الأكثر كفاءة والطاقة المتجددة أكثر أهمية.
تقليل انبعاثات استهلاك الطاقة
أما الاتجاه الثاني الذي يستحق الاستكشاف فهو نصيب الفرد من انبعاثات احتراق الوقود الأحفوري. وتنشر منظمة "مشروع الكربون العالمي" بيانات نصيب الفرد من الانبعاثات منذ 1750، مما يجعل الرسم البياني مثيراً إلى حد ما. فمنذ قرنين ونصف، كان نصيب الفرد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون 115 كيلوجراماً سنوياً تقريباً. وفي 2020، ارتفع ذلك الرقم إلى 4.46 طن بزيادة قدرها 385 ضعفاً.
مع ذلك، انخفض نصيب الفرد من الانبعاثات في 2020 بنسبة 9% مقارنة بذروته قبل 8 سنوات. والانحدار الآخر الوحيد الذي كان ملحوظاً في العقود الخمسة الماضية كان بعد أزمة النفط الثانية، في الفترة من 1979 حتى 1983. قبل ذلك، حدث انخفاض مماثل في بداية الحرب العالمية الأولى. خلال إضراب عمال المناجم في المملكة المتحدة أوائل العشرينيات أثناء الكساد الكبير، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يطالب المواطنين بخفض استهلاك الطاقة
تزامن هذا الانخفاض الكبير في القرن العشرين أيضاً مع انخفاض في استهلاك الطاقة الأولية. لكن مع ذلك، ففي الفترة من 2012 إلى 2019، ارتفع استهلاك الطاقة الأولية بنسبة 11% فيما انخفض نصيب الفرد من الانبعاثات. بعد كوفيد، كان الانتعاش في استهلاك الفحم والغاز والنفط في 2021 هائلاً، مما أدى إلى أكبر زيادة خلال عام واحد في الطاقة الأولية على الإطلاق. في الوقت نفسه، نمت مساهمة الطاقة المتجددة أيضاً بشكل كبير، حيث زادت حصتها من الإجمالي بأكثر من نصف بالمائة في الفترة من 2020 إلى 2021.
هل يمكننا تسمية ذلك "مرحلة فاصلة"؟ ليس تماماً بعد. لكنها نقطة مهمة في العلاقة طويلة الأمد بين استهلاك الطاقة الأولية والانبعاثات. توفر هذه العلاقة العديد من المحفزات للعمل عليها مستقبلاً، حيث يجب أن نستخدمها لإنشاء اقتصاد عالمي متنامٍ، بحيث يستهلك الطاقة بشكل أكثر كفاءة ويستفيد من التوسع الهائل في الطاقة النظيفة التي لا تتطلب وقوداً. سيؤدي ذلك إلى تقليل احتراق الوقود الأحفوري والانبعاثات المرتبطة به مع تحسين حياة عدد أكبر من سكان العالم.