بلومبرغ
تستثني أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، معظم المصافي والمصانع الكيماوية من إفصاحاتها الخاصة بالكربون والمعدَّة للمستثمرين.
وقبيل إطلاقها لأكبر اكتتاب عام في العالم، وعدت الشركة النفطية السعودية المستثمرين المحتملين بقطعة صغيرة من شركة قيمتها تريليون دولار، تتمتَّع بإمكانية الوصول إلى احتياطيات نفطية لا مثيل لها، ليس في الحجم الهائل فقط؛ بل في الملاءمة المناخية أيضاً.
وأكَّد المسؤولون التنفيذيون بأرامكو في الفترة التي سبقت الاكتتاب العام الأولي عام 2019، أنَّ حفر النفط السعودي لا يولِّد انبعاثات تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض مقارنة بالمنتجين الآخرين، وذلك "ليس لأنَّ خامنا أنظف من الخامات العالمية الأخرى؛ بل بسبب معاييرنا،" ووفقاً للرئيس التنفيذي، أمين ناصر، أثناء جولة ترويجية تعهَّد فيها ببذل المزيد من الجهد لتقديم نفط منخفض الكربون، مضيفاً أنَّه "بالرغم من أنَّ أعدادنا كبيرة، إلا أنَّ تغير المناخ أمر بالغ الأهمية للعالم".
لكنَّ حسابات أرامكو الخاصة بالغازات المسببة للاحتباس الحراري أخفقت في تقديم الصورة الكاملة. فشركة النفط السعودية العملاقة تستثني الانبعاثات الناتجة عن العديد من مصافيها، ومصانع البتروكيماويات من كشوف الإفصاح الكلية الخاصة بالكربون، وفقاً لمستندات تقديمها للاكتتاب العام التي اطَّلعت عليها "بلومبرغ غرين". وقد يؤدي تضمين جميع هذه المرافق إلى مضاعفة بصمة أرامكو الكربونية، التي أفصحت عنها الشركة بنفسها، مما يضيف حوالي 55 مليون طن متري مكافئ من ثاني أكسيد الكربون إلى حصتها السنوية، أو ما يوازي الانبعاثات التي تنتجها البرتغال.
وقال نيك ستانزبيري، رئيس أبحاث السلع في "ليغال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت" (Legal and General Investment Management)، التي تمتلك أسهماً في أرامكو منذ نهاية عام 2020: "تعدُّ هذه البيانات المفقودة بمثابة علامة حمراء للمستثمرين، كي يتمكنوا من تحديد سعر المخاطر المناخية التي يديرونها في محافظهم. ويجب أن تكون هذه الإفصاحات شاملة وصحيحة ودقيقة".
ورداً على الأسئلة، قالت أرامكو، إنَّها ستبدأ الإفصاح عن الانبعاثات المباشرة في عملياتها الكاملة العالمية خلال هذا العام. وقالت الشركة في بيان رسمي: "لدينا مسار واضح ومدروس لزيادة نطاق وتفاصيل الإفصاح عن [الانبعاثات]"، مضيفة أنَّ الإفصاح الحالي "يعكس الانبعاثات من تلك الأصول، إذ تتمتَّع أرامكو بالمساءلة والقدرة على إدارة ومراقبة الانبعاثات".
فجوة كربون صعبة التقدير
تساعد المحاسبة الانتقائية في تلميع الادعاءات حول تقدير الكربون المنخفض، المقدَّمة بالنيابة عن النفط السعودي، التي أصبحت جزءاً أساسياً من هوية شركة أرامكو. وغالباً ما تستشهد الشركة بدراسة نُشرت في مجلة "ساينس" (Science) عام 2018 أظهرت أنَّ استخراج النفط في المملكة العربية السعودية يولِّد ثاني أقل كمية من الانبعاثات في العالم بعد الدنمارك فقط.
إلا أنَّ النفط الخام لا يستخدم كثيراً حتى يتمَّ تكريره، وتقطير الخام الأسود إلى البنزين، أو وقود الطائرات، أو الديزل هو عمل كثيف الانبعاثات. إنَّ جزءاً كبيراً من هذه الأنشطة تمَّ استبعاده من إفصاحات الشركة، لأنَّ أرامكو اختارت الإبلاغ فقط عن الانبعاثات الصادرة من المنشآت التي تمتلكها بالكامل، التي تقع أيضاً داخل المملكة. علاوةً على ذلك، تستعد أرامكو لمضاعفة قدرة شبكة التكرير لديها لمعالجة ما يصل إلى 10 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030؛ والكثير من تلك الانبعاثات لم يتم الكشف عنها بموجب ممارسات الإبلاغ السابقة للشركة.
وأصبحت مناورة محاسبة أرامكو ممكنة؛ لأنَّ العديد من مصافيها عبارة عن مشاريع مشتركة أو في الخارج، بما في ذلك الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، واليابان، والصين، وماليزيا. ولاحتساب تلك الانبعاثات المفقودة، اعتمدت "بلومبرغ غرين" على تقديرات من مصافي التكرير في أكثر من 80 دولة تمَّ تجميعها في دراسة نُشرت بمجلة "ناتشير كلايميت تشينج" عام 2020. وأخذ الباحثون في الاعتبار الاختلافات في أكثر من 300 نوع مختلف من الخام المكرر في جميع أنحاء العالم، مع تقديرات أقل وأعلى للانبعاثات.
وبتطبيق وتعديل هذه الحسابات لمنشآت أرامكو الأجنبية وحصتها في المشاريع المشتركة، يظهر أنَّ مقدار الانبعاثات في عام 2019 تراوحت بين 75 مليون طن، و 113 مليون طن، لتعكس هذه الفجوة صعوبة التقدير الدقيق لإنتاج الكربون لأيِّ مصفاة معينة. وامتنعت أرامكو عن تقديم أرقام أكثر دقة، قائلة في بيان لها: "لا نعلِّق على الانبعاثات بناءً على كلِّ أصل على حدة".
توقعات مفصلة
ويضع التقدير العالي انبعاثات أرامكو المباشرة على قدم المساواة مع شركة "إكسون موبيل"، بالرغم من أنَّ الشركة الأمريكية استخرجت ثلث الكمية نفسها تقريباً من النفط والنفط المكرر في عام 2019. وتظلُّ عمليات أرامكو أنظف لكلِّ برميل من النفط المنتج والمكرر، لكن ليس بالدرجة التي تقترحها إفصاحات الشركة.
وتحتفظ معظم شركات النفط الكبرى بسجلات مفصَّلة لكلِّ الانبعاثات السابقة والمتوقَّعة للمنشآت الفردية، وغالباً ما تتجاوز بكثير ما يتمُّ الكشف عنه للمستثمرين أو المنظِّمين. وكشف تحقيق نشرته "بلومبرغ غرين" في ديسمبر أنَّ "إكسون" وشركاءها في المشروع المشترك، ومنهم أرامكو، يضعون على ما يبدو توقُّعات مفصَّلة لإنتاج الكربون من المشاريع الجديدة.
وتشمل خطط تطوير أرامكو توسعة مصفاة "سامرف" Samref ، المشروع المشترك مع "إكسون" في المملكة العربية السعودية، التي من المرجَّح أن تأتي بـ950 ألف طن إضافي من الانبعاثات السنوية بدءاً من عام 2025، بحسب وثائق "إكسون" الداخلية التي اطَّلعت عليها "بلومبرغ غرين". وتعني حصة أرامكو البالغة 50% في المشروع إضافة 475 ألف طن إلى انبعاثاتها الكربونية، إذا كانت الشركة مسؤولة عن حصتها في المشاريع المشتركة. وقالت "إكسون"، إنَّ التوقُّعات في وثائق مخططها أولية، وقد تغيَّرت تحت وطأة جائحة كورونا، في حين رفضت أرامكو التعليق على مشاريعها المستقبلية.
وفي معظم الحالات، لا يتمُّ الإعلان عن أرقام الانبعاثات المرتبطة بمنشآت معينة ما لم تنص اللوائح الحكومية على ذلك. فعلى سبيل المثال، مصفاة "موتيفا" بـ"ورت آرثر" في تكساس، المملوكة لشركة أرامكو، تقدِّم التقارير عن الانبعاثات السنوية إلى وكالة حماية البيئة الأمريكية. ولدى المصفاة القدرة على تكرير أكثر من 600000 برميل يومياً، في حين أنتجت 5.4 مليون طن من الانبعاثات عام 2019، ولم يتم تضمين هذه الأرقام في بيانات الشركة لعام 2019، نظراً لأنَّ "موتيفا" تقع خارج المملكة العربية السعودية.
قياس مخاطر المناخ بشكل أفضل
هناك مؤشرات على التغيير داخل أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، فقد أعلنت البورصة السعودية، المدرَجة فيها أرامكو، عن خطط لإطلاق مؤشر "إي إس جي" (ESG)، الذي يصنِّف الشركات على أساس المقاييس البيئية والاجتماعية، والحوكمة. وامتنعت البورصة عن التعليق لكون الإفصاح عن الانبعاثات سيكون متطلباً تنظيمياً للشركات السعودية ، في حين أحالت وزارة الطاقة السعودية الأسئلة إلى أرامكو التي امتنعت بدورها عن التعليق.
وقالت الشركة في بيان لها: "نحن نتواصل بانتظام مع المساهمين، وخاصة فيما يتعلَّق بالإعلان عن النتائج الفصلية، كما نتواصل مع مستثمرينا ذوي الدخل الثابت، إذ نناقش قضايا البيئة، والمجتمع، والحوكمة، وتغيُّر المناخ. منذ عقود، بدأت أرامكو في الاستثمار لتقليل تأثير عملياتها على البيئة". ويشمل ذلك الحد من الاحتراق، واكتشاف وإصلاح تسرب غاز الميثان، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة.
ويضغط المستثمرون العالميون على شركات النفط لتعزيز عمليات الإفصاح من أجل قياس مخاطر المناخ بشكل أفضل. فبعد سنوات من المقاومة، بدأت "إكسون" في وقت سابق من هذا الشهر بالكشف عن انبعاثات النطاق 3 الناتجة عن حرق العملاء للوقود، وهذا يجعل أرامكو واحدة من عدد قليل من أكبر شركات النفط المدرجة التي لا تكشف عن انبعاثات العملاء، وهي عادة تمثِِّل أكثر من 80% من إجمالي الانبعاثات لمنتجي الوقود الأحفوري. وتمثِّل هذه البيانات المفقودة تحدياً آخر للادعاءات حول انخفاض الانبعاثات الكربونية لدى أرامكو.
التكرير يزيد عبء الانبعاثات
تستثمر أرامكو أيضاً في تصنيع الكيماويات التي تحوِّل النفط والغاز إلى منتجات يومية، تبدأ من مسحوق الغسيل إلى البلاستيك، وتعدُّ عملية تحويل النفط الخام إلى كيماويات كثيفة الطاقة؛ فالتكرير يرفع من عبء الانبعاثات. كما تعدُّ جميع أصول البتروكيماويات التي تمتلكها الشركة عبارة عن مشاريع مشتركة، لذلك تمَّ استبعاد انبعاثاتها من الإفصاح حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، تمتلك أرامكو ثلاثة مصانع كيمياوية تمَّ بناؤها مع شركات؛ "توتال" (Total SE)، و"داو " (Dow Inc)، و "سوميتومو كورب" (Sumitomo Corp)، في المملكة، وهناك مصانع كيماوية مدعومة من أرامكو أيضاً في الصين وماليزيا. ويعدُّ تقدير تلك الانبعاثات من هذه المجمَّعات أكثر صعوبة من المصافي.
ومع ذلك، من المحتمل أن تنتج هذه المصانع الكيماوية ملايين الأطنان المترية من الكربون سنوياً، والغائبة عن بيانات انبعاثات أرامكو الحالية. كما يعدُّ مصنع "صدارة" للكيماويات في السعودية، المشروع المشترك بين أرامكو و"داو"، استثنائياً في إفصاحه الطوعي عن انبعاثات تقدَّر بـ6.3 مليون طن في عام 2019. وتعكس حصة أرامكو المقدَّرة بنسبة 65%، أي حوالي 4 ملايين طن، انبعاثات الكربون المفقودة في الشركة.
ومن المقرَّر أن ترتفع الأرقام مع أحدث استحواذات أرامكو. ففي العام الماضي، قامت الشركة بشراء 70% في الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" المتخصصة في الكيماويات، وبلغت انبعاثات "سابك" من النطاقين 1 و2، بما يقدَّر بـ55 مليون طن في عام 2019، وهو ما ينبغي أن يضيف 39 مليون طن آخر إلى حصيلة الكربون في عملاقة النفط لعام 2020.
إنَّ التحول إلى شركة مساهمة عامة قد فتح أرامكو للمزيد من التدقيق، فبالرغم من أنَّ 98% من الشركة لا يزال مملوكاً للحكومة السعودية، إلا أنَّ الشركة تتعرض لضغوط من أجل مواكبة المعايير الدولية. وقال أندرو جرانت، رئيس أبحاث المناخ والطاقة والصناعة في "كاربون تراكير" (Carbon Tracker):"إنَّ المستثمرين يعتمدون بشكل كبير على ما تكشف عنه الشركات بنفسها.. وتعدُّ إمكانية مقارنة بيانات الانبعاثات بين الشركات أمراً مهماً."