بلومبرغ
تواجه خطط الصين لتسريع توسِّعها الرائد عالمياً بمجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عقبة كبيرة، حيث تُظهر الفيضانات وموجات الجفاف ومشكلات الإمدادات الغذائية للسلطات تشخيصاً واقعياً بشأن حجم الأراضي الزراعية عالية القيمة التي يمكن أن تفقدها البلاد.
حظيت مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الصين بدَفعة فائقة خلال العامين الماضيين، منذ أن أعلن الرئيس شي جين بينغ عن هدف البلاد لأن تكون محايدة للكربون لعام 2060، ما خلق حافزاً للحكومات المحلية للسماح بمزيد من مشاريع الطاقة المتجدّدة على نطاق واسع.
لكن الوباء والنوبات الأخيرة من الطقس القاسي أظهرت مدى تأثر الصين بالاضطرابات التي تعصف بالإمدادات الغذائية، فالأراضي الصالحة للزراعة محدودة نسبياً، بالنظر إلى شهية السكان في البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، حيث التهم التوسع الحضري مساحات كبيرة من التربة الأكثر خصوبة في المقاطعات الشرقية والوسطى المكتظة بالسكان. وفي ظل الأولوية التي توليها السلطات حالياً لحماية البيئة والأمن الغذائي، تخضع خطط بناء مشاريع شمسية كبيرة وجديدة لمزيد من التدقيق.
اقرأ أيضاً: الصين تكشف عن مشروع ضخم للطاقة المتجددة بقدرة 100 غيغاواط
تعد الصين فعلياً أكبر منتج للطاقة المتجدّدة في العالم، وتمتلك القدرة على توليد حوالي 679 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى 390 غيغاواط أخرى من الطاقة الكهرومائية. وتمت إضافة أكثر من خُمس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح منذ عام 2020، وستضع خطط التوسع التي تنفذها الحكومات المحلية الدولة على المسار المؤدي إلى هدفها لعام 2030 والبالغ 1200 غيغاواط، قبل أكثر من خمس سنوات من الموعد المقرر لها، إذا تم تنفيذها بالكامل.
لكن في مايو الماضي أصدرت وزارة الموارد المائية قانوناً يحظر مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في بعض المجاري المائية والبحيرات والخزانات كجزء من تدابير لحماية البيئة ومنع التنمية المفرطة التي يمكن أن تعطّل التحكم بالفيضانات. هناك مسودة لائحة منفصلة قيد النظر من قبل ثلاثة أجهزة حكومية، بما في ذلك وزارة الموارد الطبيعية، من شأنها أن تحظر مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة من الأراضي المزروعة أو الغابات.
مركز أبحاث حكومي: أزمة الطاقة في الصين لن تعيق جهودها لمواجهة تغير المناخ
تضييق الخناق
تضيّق بعض السلطات المحلية الخناق بالفعل على محاولات الإفراط في التنمية. ففي مقاطعة جيانغسو، تم تفكيك جزئي لمحطة طاقة شمسية عائمة بقدرة 1 غيغاواط تغطي 70% من بحيرة كبرى هذا العام، بعد أن قالت السلطات المحلية إنها "شُيّدت بشكل غير قانوني" و"تداخلت مع مسارات تصريف الفيضانات".
أوقع هذا التحول في الأولويات بعض الحكومات الإقليمية في مأزق، خاصة تلك الموجودة في الشرق شديد التحضر. وفي حين أنه منوط بها إزالة الكربون بسرعة بموجب تعهد المناخ الوطني الصيني، إلا أن هذه الأجهزة تواجه أيضاً "خطاً أحمر" من الحكومة المركزية لحماية الأراضي الزراعية.
قال تشين يان، المحلل في شركة البيانات المالية "ريفينيف" (Refinitiv)، إن التوسع في الطاقة المتجددة كان يعتبر "إنجازاً سياسياً"، ولهذا السبب كانت بعض السلطات "تفرط في تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل متهوّر. لكن حتماً، تنتهك بعض المشاريع قواعد الحماية البيئية وحماية الأراضي المزروعة. وقد لاحظت الأجهزة المسؤولة عن البيئة المشكلة وتحاول تنظيمها ".
ربما يشجع التحول نحو إعطاء الأولوية للمحاصيل مطوّري الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على تبنّي استراتيجيات بديلة، إحداها هو دمج أنظمة الطاقة المتجدّدة في المزارع بطريقة لا تحدّ من إنتاج الغذاء، مثل تركيب الألواح الشمسية فوق حظائر الحيوانات والمباني الزراعية، ووضع توربينات الرياح بحيث لا تتداخل مع العمليات الزراعية.
شركات الطاقة الشمسية الصينية تسعى للهيمنة على سوق الهيدروجين
الألواح الشمسية
منذ العام الماضي، أطلقت الصين برامج مثل "ألواح شمسية بالأسطح على امتداد البلاد" (Whole-County Rooftop Solar)، والتي تهدف من خلالها الدولة إلى أن تغطي الألواح الشمسية أكثر من نصف المباني العامة والمصانع المبنية حديثاً بحلول عام 2025.
أما الاستراتيجية الأخرى فهي التوجّه غرباَ، إلى مناطق أقل كثافة سكانية، أو مناطق جبلية وصحراوية ذات إمكانات زراعية منخفضة، أو استخدام الأراضي التي تدهورت حالتها بالفعل، مثل مناجم الفحم المهجورة. وبدأت الدولة في بناء مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بقدرة 100 غيغاواط، معظمها في الصحاري، ومن المقرر إضافة 450 غيغاواطاً أخرى بحلول عام 2030.
تعد صحراء "جوبي" إحدى المناطق التي تحظى باهتمام مطوري الطاقة الشمسية، حيث تمتد عبر الحدود الشمالية للصين مع منغوليا، وتتسم تكلفة الأرض بها بأنها رخيصة، والرياح وأشعة الشمس وفيرة، لكنها تبعد آلاف الأميال عن أكبر مدن البلاد والمراكز الصناعية المتعطشة للطاقة، ما يجعل نقل الكهرباء مكلّفاً.
اقرأ أيضا: الصين تسيطر على سوق الطاقة الشمسية العالمي بلا منازع.. كيف؟
للمساعدة في الاستفادة من إمكانات المزيد من المناطق النائية، تعمل الصين على بناء خطوط نقل جديدة في جميع أنحاء البلاد. وتمتلك الدولة حالياً 33 خطاً للطاقة فائقة الجهد، وتستثمر مؤسسة "ستيت غريد" (State Grid)، التي تُشغل 88% من الشبكة في البلاد، 380 مليار يوان (56 مليار دولار) لبناء 38 خطاً آخر بين عامي 2021 و2025.
وفي حين أن هذه الحلول جيدة من الناحية النظرية، تدرك السلطات المحلية عملياً أنها يمكن أن تحصل على عائدات من مولّدات الطاقة أعلى بكثير مقارنة بالأراضي الزراعية، وأن العديد منها ينتهك القواعد أو يخالفها. قال "تشين" إن الأموال "تتدفق إلى القطاعات الأكثر ربحية".
هيمنة الصين على الطاقة النظيفة قد تواجه تحدياً في مجال البطاريات
الصحاري الشمالية والغربية
في وقت سابق من العام الجاري، تصدّرت معركة نشبت بين قرويين بمحافظة شينغ تانغ في مقاطعة خبي الشمالية وعمال من شركة للطاقة الشمسية عناوين الصحف المحلية، فقد استأجرت الحكومة المحلية أراضٍ زراعية لبناء "محطة شمسية زراعية" بقدرة 200 ميغاواط، الأمر الذي أغضب المزارعين بعد أن جرّفت الشركة 6.7 هكتار (16.6 فدان) من القمح الذي قارب على مرحلة النضج.
ومع ذلك، فإن القلق المتزايد بشأن الأراضي الصالحة للزراعة يعني أنه من غير المحتمل أن يكون هناك أي تطوير لمحطة طاقة على نطاق المرافق بالمناطق الوسطى والشرقية بعد العام الحالي، لذا فإن معظم نمو مصادر الطاقة المتجددة في السنوات الثلاث المقبلة سيكون في الصحاري الشمالية والغربية، وفقاً لبينغ بينغ، الأمين العام لاتحاد الاستثمار والتمويل في مجال الطاقة بالصين.
كتب "بينج" في تعليق: "السياسات التي تشمل الأرض، وليس فقط تلك المتعلقة بمشاريع الطاقة الشمسية، تتجه بوضوح نحو إعطاء الأولوية لإنتاج الغذاء".