بلومبرغ
تشبه مزرعة تاكيشي ماغامي المزارع الأخرى في اليابان من عدة نواحٍ، فهي تضم شتى المحاصيل بدءاً من البطاطس وحتى الزنجبيل والباذنجان، إلا أن اختلافاً رئيسياً واحداً يميزها عن غيرها، يتمثل بوجود ألفين و826 لوح طاقة شمسية تمتد فوق المحاصيل.
تنتشر الألواح على مساحة هكتار واحد (2.5 فدان) من أراضي الريف الهادئ شرقي طوكيو. وهي مزدوجة الاستخدام، حيث توفر كل الطاقة اللازمة تقريباً لتشغيل المزرعة، بالإضافة لتوفيرها لمصدر دخل إضافي من خلال بيع الطاقة المتجددة الفائضة إلى الشبكة الكهربائية.
أتمتة الزراعة
بالنسبة إلى ماغامي، يعني ذلك زيادة الإيرادات بمقدار 24 مليون ين (187 ألف دولار) سنوياً، أي ما يعادل ثمانية أضعاف الثلاثة ملايين ين التي يجنيها من بيع محصوله. وهو يستفيد أيضاً من التعريفات السخية المخفضة منذ ذلك الحين، والتي تعد مؤشراً على القيمة الكبيرة التي تتمتع بها المزارع في اليابان والعالم.
يقول ماغامي ذو الـ38 عاماً، الذي كان يدير المزرعة باعتبارها جزءاً من أعمال شركته الناشئة "تشيبا إيكولوجيكال إنرجي" (Chiba Ecological Energy): "هدفنا هو كهربة وأتمتة كافة مراحل الزراعة"، بجانب إنشاء نموذج لما يمكن أن تبدو عليه الزراعة المستدامة.
تعمل كافة الآلات المستخدمة في مزرعة ماغامي، باستثناء الجرار والمحراث اليدوي، بالطاقة الكهربائية، وتُشحن عبر ألواح مثبتة أعلى سقيفة صغيرة، بينما تصطف بطاريات الأدوات على الرف أيضاً.
تمثّل المزرعة جزءاً من حركة عالمية تسمى نظام تقاسم الطاقة الشمسية - أو ما يُعرف أيضاً باسم الخلايا الكهروضوئية الزراعية – والتي تتضمن استخدام الأراضي الزراعية بشكل متزامن لإنتاج المحاصيل وتوليد الطاقة الكهربائية. ويزداد مؤيدو الحركة نظراً لأن الدفع العالمي لاستبدال الوقود الأحفوري يُشجع على اتباع أساليب أكثر ابتكاراً لتعزيز القدرة على توليد الطاقة المتجددة.
يبرز نظام تقاسم الطاقة الشمسية كبديل عملي في أماكن مثل اليابان ذات المساحة المحدودة والاعتماد الكبير على واردات الطاقة، إذ يمكن أن يساعد في توسيع نطاق إنتاج الطاقة محلياً وسط المساعي الحثيثة للدول لتقليص حاجتها للإمدادات الأجنبية. يُعد هذا النظام مفيداً أيضاً في الدول ذات الظروف الزراعية الصعبة، فهو يحمي المحاصيل عبر امتصاص ضوء الشمس والعمل كدرع واقي.
مزارعو أوروبا يتحولون إلى الأعلاف المعدلة وراثياً كبديل للذرة الأوكرانية
قدرات محدودة
عن ذلك، قال ماكس ترومسدورف، رئيس مجموعة الخلايا الكهروضوئية في "معهد فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية" بألمانيا (Fraunhofer): "رأينا مناطق عدة تشهد تغيراً مناخياً، ويمكن للخلايا الكهروضوئية أن تخفف من انبعاثات الزراعة وتجعلها أكثر مرونة". وأضاف: "الدول الصغيرة الواقعة في المنطقة الجغرافية المسماة حزام الشمس والتي لديها كثافة سكانية عالية هي المكان الذي تكون فيه الخلايا الزراعية أكثر ضرورة، وتكون واعدة بشكل أكثر".
بالرغم من أن اليابان تستهدف أن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2050، إلا أنها تتمتع بقدرات محدودة للطاقة المتجددة بسبب تضاريسها الجبلية. وتستهدف البلاد توليد 36% إلى 38% من مزيج الطاقة لديها من مصادر متجددة في عام 2030، حيث تستحوذ الطاقة الشمسية على ما بين 14% إلى 16% من هذه النسبة.
رغم ارتفاع أعداد منشآت الطاقة الشمسية في اليابان خلال العقد الماضي، فإنها لم تسهم في توليد سوى 8.9% فقط من طاقة البلاد اعتباراً من العام المالي 2020، بحسب "معهد سياسات الطاقة المستدامة" في طوكيو.
هذا الأمر يدل على أن اليابان بحاجة إلى أماكن أكثر لتثبيت الألواح الشمسية. تتطلع الحكومة إلى أسطح المباني وخطوط السكك الحديدية والمطارات، وكذلك توفّر الأراضي الزراعية الممتدة في البلاد على السهول المنبسطة بديلاً واعداً أيضاً.
لكن بينما أثبت ماغامي نجاح تقاسم الطاقة الشمسية، لم تتبنى اليابان هذه الممارسة على نطاق واسع. فقد أظهرت بيانات وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك الموافقة على استخدام الخلايا الشمسية على مساحة 742 هكتاراً فقط بين عامي 2013 و2019، من إجمالي الأراضي الزراعية في البلاد البالغ مساحتها 4.4 مليون هكتار في عام 2020.
استثمار طويل الأمد
تمثل عملية بيع الخلايا الكهروضوئية عملية صعبة بالنسبة لسكان الريف المسنين في اليابان، نظراً لأن كثيراً منهم لا يوجد لديه أي خلفاء يمكنهم تولي الأعمال، وعدم استعدادهم للاستثمار الهائل في ألواح شمسية قد تستغرق عقوداً لسداد ثمنها، بجانب أنها قد تكون مصدر إلهاء عن زراعة المحاصيل.
تعليقاً على الأمر، يقول تشيهو إيغاشيرا، المسؤول بوزارة الزراعة اليابانية: "بعض الناس يعارضون هذه الألواح لأنها تفسد المظهر الجمالي، أو لأنها تعيق العمل الزراعي". ولا شك أن عملية تفادي المعدات الزراعية للأعمدة الحاملة للألواح الشمسية قد يكون أمراً مرهقاً خلال العمل في الأرض.
وفي حين أن الألواح الشمسية قد تشكل فرصة مغرية لكسب دخل إضافي، فإن وزارة الزراعة تريد ضمان بقاء الأمن الغذائي على رأس الأولويات، لذلك وضعت قواعد لضمان الحفاظ على مستويات الإنتاج.
الزراعة العضوية ينبغي أن تحمي الطبيعة.. لا أن تدمرها
الطريق نحو الحياد الكربوني
يقول ماغامي إنه بالرغم من العقبات، ينبغي أن تتبنى الدولة الخلايا الكهروضوئية الزراعية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. ويقدّر أن استخدام الألواح الشمسية في نحو 5% من الأراضي اليابانية الصالحة للزراعة، أو ما يعادل 200 ألف هكتار، قد يولد 20% من الطاقة الكهربائية المولدة في البلاد. يضيف ماغامي: "أموراً مثل الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية تستغرق عقوداً زمنية لبدء العمل.. لم نعد في عصر تكون فيه أفضل طريقة هي إيجاد قطع أرض غير مستخدمة وتزويدها بالألواح الشمسية، فهذه الأراضي تم استخدامها جميعها".
تحرز دول أخرى تقدماً في نظام تقاسم الطاقة الشمسية، خاصة في الدول التي تعاني نقصاً مشابهاً في المساحة. فعلى سبيل المثال، تستهدف كوريا الجنوبية توليد 10 غيغاواط من الطاقة الكهروضوئية بحلول عام 2030 بموجب خطتها للطاقة المتجددة 2030. وتتطلع تايوان إلى المخطط في ظل سعيها لإيجاد مساحات متاحة لمنشآت توليد الطاقة المتجددة، بحسب ماغامي. كذلك، تخطط إيطاليا لاستثمار 1.1 مليار يورو (1.2 مليار دولار) في الخلايا الكهروضوئية لتوليد حوالي 2 غيغاواط من الطاقة.
في الوقت نفسه، تتمتع الدول الأكبر بوجود كبير للألواح أيضاً، إذ تعد الصين، أكبر منتج للألواح الشمسية في العالم، موطناً لأكبر نظام خلايا كهروضوئية، فهي تملك مشروعاً يغطي 20 مليون متر مربع من أراضي صحراء نينغشيا. من بين 2.8 غيغاواط من الأنظمة الزراعية المثبتة عالمياً، كانت الصين تتمع بقدرة إنتاجية تبلغ نحو 1.9 غيغاواط اعتباراً من عام 2020، بحسب "معهد فراونهوفر".
يختلف تبني الخلايا الكهروضوئية في الولايات المتحدة، حيث تطلق الولايات الأكثر تقدماً في الشمال الشرقي للبلاد مشاريع ممولة من جانب الحكومة، بحسب مارك أوشانسكي، الأستاذ المشارك في "جامعة ولاية كولورادو" والمتخصص في الزراعة المستدامة والعضوية.
أوضح أوشانسكي أن "شهية الناس تتزايد" تجاه هذا الموضوع، مشيراً إلى أن الخلايا الكهروضوئية تعد "موجة مثالية لتحقيق أهداف الأمن الغذائي والطاقة والعمل نحو خفض الانبعاثات".