بلومبرغ
عشرة آلاف يورو لطباعة مجلدات مليئة بالوثائق، وسنوات في المحكمة للدفاع عن الدعاوى القضائية، واستعانة بمتعاقدين محليين للضغط على البيروقراطيين في المدن الصغيرة.
يقول منتجو الطاقة إن هذه الاختناقات التي تستغرق وقتاً طويلاً، تحبط مسعى أوروبا للتخلي عن روسيا، وزيادة الاعتماد على الذات.
وعد القادة الأوروبيون بزيادة القدرة الإنتاجية من الطاقة المتجددة في القارة، مع تقليل واردات الغاز الروسي، لكن الكلمات تتحرك أسرع من التراخيص ومنح التصاريح. يقول العاملون في بناء المحطات، إن التعقب السريع لانتقال الطاقة يعني تفكيك الروتين، والتوفيق بين الطموحات المناخية الوطنية السامية والقدرة المحدودة لمعظم السلطات المحلية على تنفيذها.
اقرأ أيضاً: مشروع بايدن لدعم الطاقة في أوروبا لن يكون حلاً سريعاً
قال هنريك أندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة "فيستاس ويند سيستمز" (Vestas Wind Systems)، أكبر شركة لصناعة توربينات الرياح في العالم: "هناك طريقة واحدة فقط لتسريع إمداد النظام بالكهرباء. إنها تسريع عملية إصدار التصاريح".
اقرأ المزيد: الاتحاد الأوروبي يميل إلى حظر النفط الروسي تماماً بنهاية العام
تتطلب خطط الاتحاد الأوروبي التوسع السريع في مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما مزارع الرياح البرية، والتي تميل لأن تكون أكثر إنتاجية خلال فصل الشتاء، وهو موسم ذروة استهلاك الغاز.
أقل من المأمول
تريد الكتلة إيصال قدرتها الإنتاجية من طاقة الرياح إلى 480 غيغاواط على الأقل بحلول عام 2030، أي أكثر من ضعف المستوى الحالي. لكن توقعات "بلومبرغ إن إي إف" تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي سيصل إلى حوالي ثلثي هذه القدرة الإنتاجية فقط.
قال بيترو رادويا، المحلل في "بلومبرغ إن إي إف": "العملية غير فعالة بشكل خاص، وهناك مجال كبير للتحسين. الأمر يزداد سوءاً".
ألمانيا وخطط التوسع
تُعدّ ألمانيا أكبر مشترٍ للغاز من روسيا، وقد تعهدت الحكومة بتسريع تطوير الطاقة الخضراء من خلال تدابير مثل زيادة المساحات المتاحة لمجمعات الطاقة الشمسية، وتوسيع الشبكات الكهربائية وإضافة مزارع الرياح في البحر.
اقرأ أيضاً: الحرب تُجبر أوروبا على الاستمرار بصفقات الغاز طويلة الأجل
قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إن الخطة الموضحة في 500 صفحة ستساعد ألمانيا على مضاعفة نصيب مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي استهلاك الطاقة، في غضون عقد من الزمان تقريباً. وأضاف:"هذا أمر بالغ الأهمية لزيادة وتيرة التوسع".
قال رون شومان، المستشار السياسي في الاتحاد الألماني لطاقة الرياح، إن التشريع المقترح ليس حلاً سحرياً. ليس من الواضح بالنسبة إليه كيف ستفي الحكومة بوعودها بتقديم المزيد من الأراضي، أو حث المسؤولين المحليين على اتخاذ قرارات أسرع بشأن التصاريح.
أضاف شومان: "هناك بعض التغييرات التي ستساعد على تعزيز بناء طاقة الرياح. لكن التشريع الذي لدينا الآن لن يحل كل القضايا".
يعود ذلك إلى أن العديد من "مطبات السرعة" تقع خارج متناول الوزارات الفيدرالية في برلين. هناك بالفعل قانون بيئي في ألمانيا ينص على أنه يتعين على السلطات اتخاذ قرار بشأن الطلبات في غضون 10 أشهر. لكن يندر أن يلتزم صانعو القرار على مستوى المقاطعة بهذا الجدول الزمني، كما يقول العاملون في بناء المحطات.
أعمال ورقية مبالغ بها
يتضمن النظام بعض جوانب عدم الكفاءة، مثل تفضيل الأعمال الورقية على عمليات الإرسال الرقمية. في وقت سابق من هذا العام، أنفقت شركة "إنيرجي بادن فيرتيمبرغ" (Energie Baden-Wuerttemberg) المعروفة اختصاراً باسم "إين بي دبليو" (EnBW)، أكثر من 10 آلاف يورو (10,536 دولار أمريكي) لطباعة 36 ألف صفحة لطلب إنشاء ثلاثة توربينات رياح في ولايتها الأم. غطت المجلدات كامل طاولة غرفة الاجتماعات عندما وُضعت جنباً إلى جنب.
عند هذا المعدل البالغ 800 يورو تقريباً لكل ميغاواط من طاقة توربينات الرياح، ستنفق الشركات حوالي 8 ملايين يورو سنوياً على الأعمال الورقية فقط، إذا حققت الدولة هدفها المتمثل في إضافة 10 غيغاواط من طاقة الرياح البرية سنوياً بحلول عام 2030.
تأخر صدور التصاريح
قال مايكل كلاس، رئيس تطوير محفظة التوليد في "إين بي دبليو"، إن الأمر يستغرق الآن ما لا يقل عن أربع سنوات للحصول على تصريح معتمد من السلطات المحلية، وهو ضعف الوقت الذي كان لازماً في عام 2017.
ما إن يصبح التصريح في متناول اليد، غالباً ما يطعن فيه المعارضون في المحكمة. وقال كلاس إن هذه الجهود نادراً ما تنجح، لكن يمكنها أن تضيف سنوات إلى عملية البناء.
في بعض الأحيان، يكون التأخير طويلاً للغاية، حيث يتعين على الشركة إعادة تقديم أجزاء من الطلب، لأن التوربينات التي خططت لاستخدامها أصبحت قديمة وخرجت من السوق.
مع ذلك، فإن منتقدي أوجه القصور يعترفون بأن عمليات التصريح موجودة لسبب ما، وأنه يجب على المسؤولين الموازنة بين الحاجة إلى المزيد من الطاقة المتجددة ومخاوف السكان المحليين.
قال أولي أولسون، وهو زميل باحث أول في معهد ستوكهولم للبيئة: "لا نريد ممارسة القسوة على المصالح الأخرى في المنطقة المجاورة. لكن التحدي الرئيسي هو جعل هذه العمليات أكثر كفاءة وأكثر قابلية للتنبؤ".
نقص إمكانات السلطات المحلية
أضاف أولسون أن أحد الحلول هو زيادة ميزانيات السلطات المحلية. لم تزدد هذه القوى العاملة بنفس وتيرة الطلب على بناء مزارع الرياح، وأحياناً لا يوجد سوى شخصين في مكتب صغير لمتابعة جبال من الأعمال الورقية.
قال رادويا من "بلومبرغ إن إي إف": "المطورون لا يساعدون، لأنهم جميعاً يتقدمون للحصول على تصاريح الشبكة والتصاريح البيئية في المناطق المكتظة بالفعل".
يؤدي ذلك إلى إطلاق بعض الإبداع المؤسسي. قال الرئيس التنفيذي لشركة "إيكونيرجي رينيوابل إينيرجي" (Econergy Renewable Energy)، إيال بودهورزر، إنه نظراً لأن مشاريع الشركة تعمل من خلال النظام الإيطالي، فإنها تستأجر متعاقدين محليين لزيارة المسؤولين المحليين، وفي بعض الأحيان يومياً، وتذكيرهم.
قال بودهورزر في مقابلة: "أنا أتحدث فقط عن الخبراء المحليين الذين يعرفون الأشخاص المناسبين، والذين يمكنهم الذهاب إلى البلدية والذهاب إلى المكتب والقيام بكل ما هو ضروري للترويج للمشروع".
إجراءات لتسريع البناء
تتخذ بعض الدول إجراءات بالفعل على هذا الصعيد. قلصّت كل من إسبانيا والبرتغال الموافقات البيئية للمساعدة في تبسيط تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في شبه الجزيرة الأيبيرية.
يستغرق بناء مزارع الطاقة الشمسية بضعة أشهر فقط، ما يعني أن الإجراءات يمكن أن تساعد في تعزيز إمدادات الكهرباء بسرعة، وخفض أسعار الطاقة التي سجلت أرقاماً قياسية مرتفعة في الأشهر الأخيرة.
لكن هذا سيحدث فقط إذا قامت إسبانيا بتسريع عملية الاتصال بالشبكة. هناك أكثر من 120 غيغاواط من مشاريع الطاقة الشمسية المخطط لها، أي سبعة أضعاف القدرة الإنتاجية الحالية، تنتظر في الطابور، وهو أكبر تراكم في أوروبا.
قال كريستوف زيبف، المتحدث باسم مجموعة "ويند يوروب" (Wind Europe) الصناعية، إن الجميع يتحدثون عن كميات أقل من الغاز الذي يصدّره بوتين. ولن يكون هذا ممكناً إلا إذا بنينا طاقات محلية. عندما لا يستغرق إصدار التصاريح وقتاً طويلاً، يمكن التوسّع حقاً".