بلومبرغ
تدفع أوروبا مليارات الدولارات من أجل تمويل التزامات جديدة تهدف لبناء سوق للهيدروجين منخفضة الكربون، للاستغناء عن الغاز الطبيعي الروسي.
ترى "بلومبرغ إن إي إف" (BloombergNEF) أن قفزة أسعار الغاز الأوروبية بنحو 450% العام الماضي، جعلت الوقود الأخضر للمستقبل منافساً من حيث التكلفة في موعد أبكر بنحو عقد كما كان مخططاً، حيث انضمت صناديق الاستثمار إلى الحكومات والمؤسسات، لبناء خطط طموحة، تجعل من الهيدروجين بديلاً للوقود الأحفوري قابلاً للاستخدام في التصنيع والنقل والتدفئة.
قال فيل كالدويل، الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا الهيدروجين "سيريس باور هولدنغ" (Ceres Power Holdings Plc)، ومقرها بريطانيا: "إنها نقطة تحوّل، سترى الأموال تتدفق على نطاق واسع الآن ولن يكون هناك مجال للتراجع".
اقرأ أيضاً: أوروبا تبدأ تحركاتها للاستغناء عن الغاز الروسي عبر الشراء المشترك
رغم نبذ روسيا من المسرح العالمي بسبب غزو أوكرانيا، يبقى بعض أشد المنتقدين بحاجة للنفط والغاز للحفاظ على استمرار عمل اقتصاداتهم، ولذلك تسرّع أوروبا جهودها لكسر ذلك الإدمان، حيث تخطط "فورتسكيو غروب ميتال" (Fortescue Group Metals) لمشروع بقيمة 50 مليار دولار، لبناء سلسلة توريد الهيدروجين، بالتعاون مع عملاق الطاقة الألمانية "إي أو إن اس إي" (E.ON SE)، كما تبني "سكاتك أيه اس أيه" (Scatec ASA) النرويجية مصنعاً للإنتاج بقيمة 5 مليارات دولار، وكذلك خصص صندوق الاستثمار "إتش واي 24" (Hy24) 1.6 مليار دولار للبنية التحتية.
أشار الملياردير أندرو فورست مؤسس " فورتسكيو" في مقابلة، إلى تزايد الاهتمام بقضية الهيدروجين، ويرجع ذلك في الأساس إلى فوائده المناخية، فيما زادت الحرب من اهتمام المستثمرين به وسط تسليط الضوء على الحاجة إلى أمن الطاقة.
وأضاف "فورست" في لندن: "تسارعت تدفقات الأموال بعد توغل الدبابات عبر الحدود، وترسّخ في ضمير وأذهان الناس أن الأمر أصبح ضرورة مادية ومالية".
ضرورة مهمة
توقّع نحو 93% من منتجي ومستخدمي ومستثمري الهيدروجين، الذين حضروا اجتماع المائدة المستديرة الذي نظّمته "بلومبرغ إن إي إف" الشهر الماضي، تعزيز الحرب نموّ صناعة الهيدروجين الأخضر. وقال المشاركون، إن دعم الإنتاج المحلي والواردات من مصادر جديرة بالثقة يمثّل ضرورة مهمة لتحقيق ذلك النمو.
اقرأ أيضاً: على أوروبا إنهاء إدمانها على الغاز الروسي
لطالما كان إنتاج الهيدروجين الأخضر أكثر تكلفة من النوع التقليدي، المصنوع من الغاز الطبيعي، في عملية تتسبب في إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
بدأت الأمور تتغير الآن، حيث وجد محللو "بلومبرغ إن إي إف" أن الهيدروجين الأخضر، الذي تصنعه آلات تُعرف بـ "المحلل الكهربائي" والتي تعمل بالرياح والطاقة الشمسية، سيكون منافساً من حيث التكلفة مع المنتج القائم على الوقود الأحفوري في الوقت الحالي.
قال مارتن نيوبرت، كبير المسؤولين التجاريين في شركة "أورستد أيه/إس" (Orsted A/S)، أكبر مطوّرة لمزارع الرياح البحرية، والتي تخطط لإنتاج الهيدروجين الأخضر لعملاقة الشحن "إيه بي مولر ميرسك" (A.P. Moller-Maersk): "لا شك أن هناك تطوراً كبيراً يشهده الهيدروجين المتجدد".
أشارت التوقعات في وقت سابق إلى عدم تكافؤ التكلفة حتى عام 2030، لكن انخفاض تكلفة المحلل الكهربائي، والنمو الهائل في توربينات طاقة الرياح وألواح الطاقة الشمسية، جعل الإنتاج أرخص.
أكثر جاذبية
أدّى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى تغيير معادلة التكافؤ في التكلفة، حيث لم تعد تكاليف الهيدروجين الأخضر بحاجة للانخفاض بنفس القدر حتى تكون قادرة على المنافسة، وتتوقع "بلومبرغ إن إي إف" أن مجرد استبدال الطلب الحالي على الهيدروجين بالنوع الأخضر في صناعات مثل تكرير النفط وإنتاج الأسمدة يمكن أن يقلّل من طلب "الاتحاد الأوروبي" على الغاز بنسبة 12%.
تزامن ذلك مع تضاعف سعر الكربون في "الاتحاد الأوروبي" تقريباً خلال العام الماضي، ما جعل الغاز الخالي من الانبعاثات أكثر جاذبية.
اقرأ أيضاً: مشروع بايدن لدعم الطاقة في أوروبا لن يكون حلاً سريعاً
قال إيفان بافلوفيتش، المدير التنفيذي في بنك "ناتيكسيس سي آي بي" (Natixis CIB) الفرنسي، الذي يقوم بتمويل إنتاج الوقود: "الاقتصاد يتجه نحو الهيدروجين الأخضر، فالمشاريع التي يتم عرضها علينا أصبحت أكثر قابلية للتمويل الآن من وجهة نظر مصرفية".
لكن انخفاض التكاليف لم يقطع إلا جزءاً من الطريق، وقد تنخفض أسعار الغاز مرة أخرى، ويعود الاقتصاد إلى ما كان عليه قبل ذلك، لكن الحرب عززت الدعم السياسي اللازم لتوسيع نطاق الصناعة.
ضاعف "الاتحاد الأوروبي" هدفه الخاص بقدرات إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 80 غيغاواط بحلول العام 2030، مقارنة بأقل من 1 غيغاواط في الوقت الحالي. وللمرة الأولى وضعت بريطانيا مؤخراً هدفاً محدداً بشكل واضح لإنتاج ما لا يقل عن 5 غيغاواط من الهيدروجين باستخدام المحلل الكهربائي بحلول العام 2030.
في الولايات المتحدة، قالت إدارة "بايدن"، إن البنية التحتية اللازمة لزيادة شحنات الغاز الطبيعي إلى أوروبا ستكون جاهزة للتحويل والتعامل مع الهيدروجين.
تستغرق تلك المشاريع سنوات، وتتطلّب زيادة هائلة في مصادر الطاقة المتجددة، لكن الدعم الحكومي يمنح الاستثمارات الخاصة الثقة للتحرك نحوها.
تمثل "إتش واي 24" مشروعاً مشتركاً بين "أدريان اس أيه اس" (Adrian SAS) -إحدى بيوت الاستثمار الخاص الكبرى في أوروبا وتدير أصولاً بقيمة 125 مليار دولار- و"فايف تي هيدروجين" (FiveT Hydrogen) أول شركة استثمار بالعالم تركز حصرياً على الهيدروجين النظيف.
اقرأ أيضاً: تخلي أوروبا عن الغاز الروسي أصبح أعلى تكلفة
وقال بيير إتيان فرانك الرئيس التنفيذي لشركة "إتش واي 24": "الأمر يتعلق بالنمو وبالقضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة، وعلى درجة عالية من الأهمية بما يتعلق بالطاقة المتجددة، في الدول التي تحتاجها، ولذلك، ونتيجة تصاعد اليقين بشأن المستقبل، يسعد الناس بتقديم التزامات".
جمعت شركةإدارة الصناديق الدنماركية "كوبنهاغن إنفراستركتشر بارتنرز" (Copenhagen Infrastructure Partners) 800 مليون يورو (880 مليون دولار) في البداية لصالح أول صناديقها لتحول الطاقة، مع خطط لزيادة المبلغ إلى 2.3 مليار يورو. واستحوذت مؤخراً على حصة في شركة "صن فاير جي إم بي إتش" (Sunfire GmbH) الألمانية لصناعة المحلل الكهربائي، كما وافقت على شراء آلات استطاعتها 640 ميغاواط من الشركة لمشروعات الهيدروجين الأخضر الخاصة بها.
يستثمر الصندوق المتداول في البورصة "إل أند جي هيدروجين إيكونومي يو سي آي تي اس" (L&G Hydrogen Economy UCITS) المدرج في لندن في شركات ذات قيمة سوقية لا تقل عن 200 مليون دولار، تتنوّع بين شركات تصنيع المحلل الكهربائي وإنتاج الهيدروجين.
اقرأ أيضاً: أين تذهب المليارات المُوجهة للتحول إلى الطاقة النظيفة؟
وتسعى "إتش إتش تو إي" (HH2E) للحصول على 2.7 مليار يورو، لبناء قدرات إنتاج 4 غيغاواط من الهيدروجين الأخضر، لتصبح قادرة على إنتاج الطاقة الخضراء بحلول عام 2030. وكان أندرياس شيرينبيك الشريك المؤسس، والرئيس التنفيذي السابق لشركة المرافق الألمانية "يونيبر" (Uniper SE)، قد أعلن عن محادثات مع ثلاثة مستثمرين لجمع الأموال.
قال "شيرينبيك": "هناك الكثير من المال في السوق، وشركات الاستثمار الخاصة تسعى للاستثمار في الوقت الحالي مع الشركات الرائدة التي بدأت العمل".