بلومبرغ
تريد حكومة رئيس الوزراء جوستين ترودو تخفيض الانبعاثات بنسبة 42% من قطاع النفط والغاز في إطار خطة كندا لتلبية أهداف تخفيض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030.
خطة ترودو وعدت القطاع الصناعي بتقديم ائتمان ضريبي للمساهمة في تكاليف مشاريع التقاط الكربون، وقد تعلن تفاصيلها قريباً في الموازنة الفيدرالية الأسبوع القادم. غير أنها لا تتضمن سقفاً محدداً من انبعاثات الغاز في قطاع الوقود الأحفوري، الذي يمثل نحو عُشر إجمالي الناتج الاقتصادي في كندا.
تتعهد الوثيقة التي قدمها وزير البيئة ستيفين غيلبو إلى البرلمان أمس الثلاثاء بتخصيص نفقات إضافية جديدة بقيمة 9.1 مليار دولار كندي (7.3 مليار دولار أمريكي) من أجل تحقيق أهداف كندا المناخية.
وتهدف الحكومة عموماً إلى تخفيض الانبعاثات بنسبة تتجاوز 40% عن مستوى 2005 بحلول عام 2030.
خطط واقعية
يمثل إعلان خطة مناخية خطوة مهمة نحو تحويل الخطاب البيئي الحالم لحكومة ترودو إلى واقع. ورغم افتقادها إلى كثير من التفاصيل الضرورية بالنسبة إلى قطاع الطاقة ذي الأهمية الاقتصادية الحاسمة، يقول رئيس الوزراء، إن الهدف القطاعي الشامل يوضح للمنتجين تماماً ما هو متوقع منهم.
قال ترودو أمام مؤتمر في فانكوفر: "إذا كانت هناك صناعة للنفط والغاز في العالم تستطيع أن تفعل ذلك، فإن هذه الصناعة هي الصناعة الكندية. وقد أخذت جماعات الضغط التي تعمل لصالح شركات النفط الكبرى فرصتها ووقتها كاملاً، والآن أصبحت مهمة تخفيض الانبعاثات تقع على عاتق العمال والمهندسين".
كان رد الفعل وسط قطاع البترول في كندا هو تأييد يشوبه الحذر.
في بيان عبر البريد الإلكتروني، قال تيري آبل، نائب الرئيس التنفيذي للجمعية الكندية لمنتجي البترول (Canadian Association of Petroleum Producers) إن خطة الحكومة تعترف بأن الطلب على النفط والغاز مستمر لعدة عقود.
غير أنه أضاف أن كندا تستطيع أن تساعد في خفض الانبعاثات عالمياً عن طريق توفير الغاز الطبيعي الأنظف بديلاً عن النفط الخام من مناطق مثل روسيا، التي أعاد غزوها لأوكرانيا إحياء المطالب في غرب كندا بتشجيع المعيار الأخلاقي في التعامل مع مصادر الوقود الأحفوري.
وقال: "تستطيع كندا أن تقدم مساهمة كبرى في تخفيض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري العالمية عبر تصدير الغاز الطبيعي المسال الكندي حتى يستخدم بدلاً من الفحم في مزيج الطاقة بالعالم".
وأضاف: "إن هذه الأزمة نتجت عن سنوات من سياسة الطاقة في مختلف أنحاء العالم التي انحازت انحيازاً خاطئاً نتيجة حقائق الطلب على الطاقة التي دفعتها إلى زيادة الاعتماد على حكومات ديكتاتورية في توفير الإمدادات الحيوية من الطاقة".
تقوم شركة "إنبريدج" (Enbridge)، وهي كبرى شركات خطوط الأنابيب في كندا، بمراجعة أهداف الحكومة غير أن لديها بالفعل "خطة متطورة ومعدة جيداً لتخفيض الانبعاثات تتواكب مع أهداف اتفاقية باريس"، حسب تصريحات جيس سيمكو، المتحدث باسم الشركة، عبر البريد الإلكتروني.
أضاف سيمكو: "مقارنة مع الوضع في عام 2018، استطعنا أن نخفض وتيرة انبعاثات الغاز على النطاقين 1 و2 بنسبة 21% والانبعاثات الكلية بنسبة 14%".
هدف طموح
وضعت الحكومة مستهدفاً أعلى كثيراً من الخطط التي أعدتها كثير من شركات الطاقة الكندية بنفسها. ومثال ذلك أن شركة "سونكور إنرجي" (Suncor Energy) تستهدف خفض الانبعاثات بمقدار الثلث حتى عام 2030.
ومع ذلك يشكو نشطاء الدفاع عن المناخ من أن ترودو لم يتحرك بما فيه الكفاية. فقد قال كيث بروكس، مدير برامج لدى مؤسسة "إنفايرونمينتال ديفينس" (Environmental Defence) للدفاع عن البيئة، في بيان: "إن تجنب تغير المناخ تغيراً كارثياً يتطلب التوقف تدريجياً عن إنتاج النفط والغاز خلال سنوات العقد القادم".
وفي البرلمان، أعرب زعيم الحزب الديمقراطي الجديد جاغميت سينغ – الذي وافق في الأسبوع الماضي على استمرار الليبراليين في السلطة لمدة ثلاثة أعوام مقابل زيادة الإنفاق الاجتماعي – عن أسفه من أن الخطة لا تسهم في القضاء على دعم الوقود الأحفوري ومساعدة العمال على الانتقال إلى وظائف أكثر صداقة للبيئة.
تكلفة تلبية أهداف كندا ليست منخفضة. ويبلغ إجمالي الإنفاق - من جانب الحكومة والشركات –المطلوب على مدى العقود الثلاثة المقبلة للوصول إلى صفر الانبعاثات تريليوني دولار كندي، وفق تقرير صدر الخريف الماضي عن بنك "رويال بنك أوف كندا" (Royal Bank of Canada)، وهي تكلفة يقول التقرير إنها تمثل على الأقل 60 مليار دولار كندي سنوياً في ضوء التكنولوجيا الحالية.
تذكر الخطة التي أُعلنت أمس الثلاثاء أن الحكومة تعمل على تخفيض انبعاث غاز الميثان من إنتاج النفط والغاز بنسبة 75% على الأقل بحلول عام 2030، وأن تدعم التكنولوجيا النظيفة حتى تنزع مزيداً من الكربون من هذا القطاع.
تلخص الخطة دعم الانتقال إلى السيارات الكهربائية، بما في ذلك اشتراط أن تكون 20% على الأقل من جميع السيارات الخفيفة التي تطرح للبيع بحلول عام 2026 صفرية الانبعاثات. وكانت الحكومة في السابق أعلنت أنها تستهدف بلوغ 100% من ذلك النوع من السيارات بحلول عام 2035.
سينفق بنك "كندا إنفراستركتشور" (Canada Infrastructure Bank) 500 مليون دولار كندي على البنية الأساسية لشحن السيارات الكهربائية، وستقدم الحكومة مبلغاً إضافياً بقيمة 400 مليون دولار بهدف بناء محطات شحن.
وصل إجمالي انبعاثات غاز الاحتباس الحراري في كندا عام 2019 إلى 730 ميجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ومثلت انبعاثات صناعة استخراج الغاز والنفط نحو 26% من إجمالي تلك الانبعاثات، وستعتمد الحكومة اعتماداً كثيفاً على الائتمان الضريبي لمشاريع احتجاز الكربون وعلى سقف الانبعاثات حتى تضمن أن يفي القطاع بأهدافها.
التأثير على الإنتاج
وحول سقف الانبعاثات، قالت الحكومة أمس الثلاثاء إن ورقة نقاشية ستنشر في فصل الربيع الحالي، وسوف يتبعها مشاورات مع المقاطعات، والشركاء من السكان الأصليين، والقطاع الصناعي والمجتمع المدني.
وأوضحت الحكومة أيضاً أنها لا تنوي استخدام سقف الانبعاثات وسيلة لتخفيض الإنتاج بصورة لا تستند "إلى هبوط في مستوى الطلب العالمي".
مازالت زيادة إنتاج النفط في كندا ممكنة في ظل هذه الخطة، وذلك وفق تصريحات مسؤول حكومي لمراسلي الصحف مشترطاً عدم الكشف عن اسمه.
قال المسؤول إن هذه الإجراءات ستؤدي إلى تحسن كبير في كثافة الانبعاثات في القطاع، بما قد يسمح بزيادة الإنتاج إذا ارتفع الطلب في الأسواق.
قريباً ستتخذ حكومة ترودو قراراً في مشروع نفطي كبير واحد على الأقل، هو حقل "باي دو نورد" (Bay du Nord) داخل المياه بالقرب من جزيرة "نيوفاوندلاند" (Newfoundland).
وأمام غيلبو فرصة حتى 13 أبريل القادم حتى يقرر إذا ماكان للمشروع تأثيرات بيئية عكسية كبيرة، رغم أن الموعد النهائي لذلك تم تمديده مرتين بالفعل.
أثناء حملته الانتخابية في العام الماضي، تعهد رئيس الوزراء أن يجبر حزب "الليبراليين" شركات النفط والغاز على تحديد أهداف خمسية لخفض انبعاثاتها بهدف الوصول إلى مستوى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
هذا البرنامج سيصبح جاهزاً للانطلاق في عام 2025. وسيشمل جانب من هذه الخطة صندوقاً بقيمة ملياري دولار كندي لتوفير فرص عمل خضراء في أقاليم تنتج نفطاً.
إن كندا هي الدولة الوحيدة العضو في مجموعة السبع التي شهدت زيادة فعلية في الانبعاثات الضارة بين عامي 2015 و2019.
يُلقي ترودو باللائمة في سجل الانبعاثات ببلاده حتى الآن على حكومة المحافظين السابقة، التي انسحبت في عام 2011 من اتفاق كيوتو، الذي مهد لاتفاق باريس في عام 2015.
وقال رئيس الوزراء أيضاً، إن أربع سنوات من الشكوك التي أحاطت بسياسة المناخ في عهد رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترمب تسببت بقوة في تأخر كندا.