بلومبرغ
توقف العلماء تقريباً عن الجدال بشأن ما إذا كان البشر يتسببون في ارتفاع درجة حرارة الكوكب أم لا؛ إذ كان العام 2016 الأكثر سخونة على الإطلاق، ودرجة حرارة الكرة الأرضية في طريقها إلى الارتفاع بأكثر من درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهايت)، وهو ما يعده العلماء نقطة تحول لا رجعة فيها، ستطلق العنان لفيضانات مدمرة ولموجات الجفاف والعواصف.
ويوجد ثمة إجماع أيضاً على أن الناس غير مستعدين لتأثيرات الكارثة، الأمر الذي دفع دول العالم إلى اتخاذ الخطوة الأكثر جرأة حتى الآن لكبح جماح التغير المناخي، وهي التصديق على اتفاقية تاريخية أُبرمت في باريس عام 2015 للحد من التلوث الناجم عن الوقود الأحفوري.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، يحتاج الالتزام ببنود اتفاق باريس إلى إنفاق 13.5 تريليون دولار حتى عام 2030، إلى جانب ضرورة توفير 3 تريليونات دولار أخرى بهدف الحد من الاحتباس الحراري عند مستوى درجتين مئويتين.
وهناك مخاوف من تسبب الانسحاب الأمريكي في حدوث تأثير الدومينو على مشاركة الدول الأخرى، ما يجعل وقف التغير المناخي أمر مستحيل، بل أكثر تكلفة.
الوضع الحالي
وهاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاقية، قائلاً "إنها تصب في صالح الدول الأخرى على حساب العمال الأمريكيين، وأدت إلى "إعادة توزيع واسعة النطاق" للثروة الأمريكية، معلناً انسحاب بلاده، بالرغم من اعتراضات العديد من قادة المؤسسات، وزعماء العالم الذين تعهدوا بالمضي قدماً دون الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.
وأُبرِمت الاتفاقية بتوقيع ما يقرب من 200 دولة عليها برعاية الأمم المتحدة، ونصت على خفض الغازات الدفيئة التي تتسبب في احتباس الحرارة في الغلاف الجوي للأرض.
وقوبلت الاتفاقية بالترحاب باعتبارها أول اتفاقية عالمية، لأن الولايات المتحدة كانت قد رفضت التصديق على الاتفاقية السابقة، وهي "بروتوكول كيوتو" (Kyoto Protocol) لعام 1997، كما أن الاتفاقية لم تُلزم الصين والهند بمستويات محددة لانبعاثات الغازات الدفيئة، وهي الدول التي تُعد الآن بين أكبر مصادر التلوث في العالم.
وقد تعهدت الدول بالتزامات طوعية،هذه المرة وأكدت الصين أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ستصل إلى أوجها في 2030؛ لكن المشكلة أن الوصول إلى نسب الانبعاثات المستهدفة ليس ملزمًا قانونًا بنفس طريقة كيوتو، رغم أنه يتعين على الدول الإبلاغ عن مساراتها في هذا الصدد.
وكان الرئيس الأمريكي قد اتخذ خطوات لتفكيك البرامج البيئية،حتى قبل إعلان ترامب عن انسحاب واشنطن،؛ فقد دعا إلى مراجعة معايير ترشيد استهلاك وقود السيارات، وإلغاء اللوائح المنظمة لعمل محطات الطاقة.
وفي حال لم تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية، وأوفت بجميع تعهداتها، كان من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بمقدار 3.4 درجة مئوية خلال هذا القرن، وهو أمر أثار قلق الدول الأكثر عرضة للخطر - بما في ذلك الدول المكونة من الجزر البحرية المعرضة للخطر بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار – ودفع دول العالم إلى الموافقة على الاجتماع مرة كل 5 سنوات لبحث سبل تخفيض الانبعاثات بشكل أكبر.
من الجدير بالذكر، أن اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ أُبرمت بعد سنوات من المفاوضات الشاقة حول الأدوار والمسؤوليات المنوطة بكل جهة لمكافحة الاحتباس الحراري، فيما تمثل خطوة ترامب خرقاً دراماتيكياً لسياسات رؤساء الولايات المتحدة الأربعة السابقين، وتضع البلاد في سلة واحدة مع دولتين اثنتين - سوريا ونيكاراغوا – لم تنضما إلى الاتفاقية.
وتشكل خطوة ترامب أيضا تهديدًا خطيرًا للأسس السياسية التي تستند إليها المعركة العالمية ضد التغير المناخي، وتؤثر سلبًا على خطط التمويل البالغة قيمتها 100 مليار دولار سنويًا، التي تعهدت الدول الصناعية بتقديمها لإقناع الدول النامية بالانضمام إلى الاتفاقية.
لقد أصرت الدول الفقيرة على أن أولويتها هي القضاء على الفقر بأسرع ما يمكن مراراً، وأن استغلال الطاقة الأحفورية هو الوسيلة الأرخص في كثير من الأحيان للقيام بذلك، وعلى مدار العقد الماضي، بدأت الحكومات برفع تكلفة الصناعات الملوثة للبيئة التي تلحق الضرر بالمجتمع، إما عن طريق فرض الضرائب أو تطبيق مختَلَف الأنظمة لتحديد سقف الانبعاثات والاتجار فيها.
النقاش الدائر
ويقول المتفائلون: "إن انسحاب ترامب لن يوقف التحول إلى مستقبل أقل كربونًا، و بعض الولايات الأمريكية مثل كاليفورنيا، ستمضي قدمًا في سياساتها الجريئة؛ إذ تواصل الشركات وأصحاب المنازل في تركيب ألواح الطاقة الشمسية.
كما تعتمد الولاية على نظم الإضاءة الموفرة للطاقة واتخاذ خطواتٍ أخرى، مع تطور التقنيات وانخفاض تكلفة الطاقة المتجددة على نحوٍ يجعل أسعارها تنافسية بالمقارنة مع أسعار الوقود الأحفوري، إلى جانب ازدياد وعي المستهلكين وتصاعد وتيرة الضغط السياسي بفضل الأبحاث العلمية التي تتوقع تسبب الاحتباس الحراري في التأثير سلبًا على الاقتصاد العالمي، وإنتاج الغذاء ومصادر مياه الشرب وصحة الإنسان.
ومع ذلك، فإن الأسباب التي أدت إلى عرقلة "بروتوكول كيوتو" لم تتغير، إلأن هناك مجموعة صغيرة من المشككين في ظاهرة الاحتباس الحراري الذين أقنعوا ترامب بتغيير المسار، فضلًا عن بعض العلماء وقادة الأعمال الذين تراجعوا عن موقفهم، بالرغم من اعترافهم بالخطر، بحجة بارتفاع تكلفة التغير المناخي، أو اختلافهم حول أفضل السبل لمقاومته.