بلومبرغ
شكلت أداة علمية عمرها 30 عاماً، صورة عن كيفية قياس الحكومات والشركات لـ"الانبعاثات الكربونية". لكنَّ العديد من الخبراء يؤكدون أنَّ هذا النهج يدفع العالم إلى التقليل من أهمية تأثير غاز الميثان.
في عام 1989، وفي أحد الاجتماعات الأولى لـ"الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، طلب عالم المناخ جون هوتون من مجموعة من كبار الباحثين الذين جمعتهم الأمم المتحدة، مقياساً من شأنه توحيد تأثير جميع الانبعاثات المتسبّبة في الاحتباس الحراري، ذلك لأنَّ كل نوع من غازات الدفيئة -ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروس، وغيرها- تبقى لفترات زمنية مختلفة في الغلاف الجوي، وتلتقط كميات مختلفة من الحرارة من أشعة الشمس.
اقرأ أيضاً: أخيراً.. السوق يضع سعراً واقعياً لانبعاثات الكربون
عالما المناخ: دونالد ويبلز، وكاثرين هايهو؛ التي أصبحت لاحقاً كاتبة في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، كتبا في رثاء هوتون بعد وفاته في عام 2020: "عندما قال الباحثون، إنَّ الأمر صعب للغاية، أصر هوتون على أنَّه يجب عليهم ذلك، لأنَّهم كانوا أفضل الأشخاص في العالم للقيام بذلك". كانت الأداة الناتجة تسمى "إمكانية الاحترار العالمي"، وسمحت بسهولة التحويل بين الغازات الأخرى وثاني أكسيد الكربون.
اقرأ المزيد: تحديات هائلة أمام تخزين الطاقة لتصفير الانبعاثات
في أول تقرير يجمع بين المعرفة العلمية حول الاحتباس الحراري، والذي حرره هوتون، كتب الكتّاب لدى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن "إمكانية الاحترار العالمي" ما يلي: "يجب التأكيد على أنَّه لا توجد منهجية مقبولة عالمياً لدمج كل العوامل ذات الصلة في [مقياس] واحد ... تم اعتماد نهج بسيط هنا لتوضيح الصعوبات الكامنة في هذا المفهوم".
حسابات معقدة
مع ذلك، استمر هذا النهج البسيط ليصبح منهجية مقبولة عالمياً؛ وذلك عبر اختصار مناسب للحسابات المعقدة التي جاءت مع الكثير من المحاذير. قال غلين بيترز، مدير الأبحاث في مركز أبحاث المناخ الدولي، إنَّ المقياس "كان له تأثير عميق على الإجراءات المتعلقة بالمناخ".
اقرأ أيضاً: خدمة مناخ الاتحاد الأوروبي: 2021 هو خامس أكثر الأعوام حرارة
في عام 1997، على سبيل المثال، وقّع العديد من أغنى دول العالم على بروتوكول كيوتو، وهي معاهدة تهدف إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المختلفة. ركزت الاتفاقية على الائتمانات التي يمكن تداولها بين الدول، إذ يمكن للدول الغنية أن تدفع بشكل أساسي للأسواق الناشئة لتقليل الانبعاثات أو لتجنّب الأنشطة الملوثة.
سمحت "إمكانية الاحترار العالمي" بتحويل هذه الإجراءات إلى رموز قابلة للمقارنة قائمة على ثاني أكسيد الكربون. كما أدت الأداة الأكاديمية إلى مليارات الدولارات من الاستثمار في العالم الحقيقي، وأصبحت منذ ذلك الحين أساساً لسياسات المناخ الحكومية والشركات في كل مكان.
إنَّ واحدة من أكبر استخدامات "إمكانية الاحترار العالمي" هي اكتشاف تأثير الاحترار لغاز الميثان في الغلاف الجوي. يشير المقياس إلى أنَّه يماثل تقريباً 29.8 طن من ثاني أكسيد الكربون، إذا تم قياسه على مدار 100 عام، أو ما يعادل 82.5 طن إذا قِيس على مدار 20 عاماً. هذه الأرقام الخاصة بـ"إمكانية الاحترار العالمي" مأخوذة من أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وقد تم تحديثها بشكل طفيف في كل مرة تنشر فيها الهيئة تقريراً جديداً كل سبع سنوات أو نحو ذلك.
الإطار الزمني
على الرغم من اعتماد هذا القياس على نطاق واسع؛ إلا أنَّ العلماء لم يتوقَّفوا عن الجدل حول "إمكانية الاحترار العالمي". يرى العديد من العلماء أنَّ هذه الأداة هي أحد الأسباب التي تجعلنا نقلل من تأثير تقليل انبعاثات الميثان على إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك لأنَّ "إمكانية الاحترار العالمي" تسمح بقيم مختلفة مكافئة لغاز ثاني أكسيد الكربون، بناءً على الإطار الزمني الذي تختاره. إذا أردت أن تبدو انبعاثات الميثان أقل خطورة؛ فاختر مضاعف 100 عام.
لكنَّ دراسة جديدة نشرها باحثون في جامعة ستانفورد الأسبوع الماضي في دورية "إنفيرومنتال ريسيرش ليترز" (Environmental Research Letters) تقول، إنَّ استخدام مضاعف "إمكانية الاحترار العالمي" لمدة 100 عام لا يتوافق مع الأهداف المحددة بموجب اتفاقية باريس. وخلصوا إلى أنَّه إذا كان العالم يريد إبقاء الاحترار العالمي أقل من 1.5 درجة مئوية؛ فإنَّ كل طن من الميثان يجب أن يمثل 75 طناً من ثاني أكسيد الكربون، وهي نسبة أعلى بكثير من مضاعف الـ100 عام الخاص بـ"إمكانية الاحترار العالمي"، والتي غالباً ما يتم استخدامها.
قبل ذلك بأسبوعين؛ نشرت مجموعة من علماء المناخ، من بينهم بيترز وميشيل كاين من جامعة كرانفيلد، مقالاً للتعليق في دورية "كلايمت أتموسفيريك ساينس" (Climate and Atmospheric Science)، ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. ودعا المقال إلى أنَّه يجب على البلدان والشركات أن تضع أهدافاً محددة للغازات، أو العوامل المناخية كما يسميها العلماء، مثل: ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروس، وهما يظلان في الغلاف الجوي لفترة طويلة، فضلاً عن أهداف أخرى منفصلة للغازات مثل: الميثان، ومركبات الهيدروفلوروكربون التي تتحلل بسرعة أكبر.
قالت كاين، المحاضرة في التحليلات البيئية في جامعة كرانفيلد: "العوامل المناخية قصيرة المدى وطويلة المدى لديها تأثيرات مختلفة. لذلك من المعقول تماماً معاملتها بشكل مختلف عند حساب غازات الاحتباس الحراري".
مضاعفات مختلفة
إذا كان لا بُدَّ من جمع هذه الأهداف معاً في شكل من أشكال مكافئ ثاني أكسيد الكربون؛ يجب أن تطبق مضاعف "إمكانية الاحترار العالمي" لمدة 100 عام على غازات الاحتباس الحراري طويلة الأجل مثل أكسيد النيتروس، وكذلك تطبيق مضاعف 20 عاماً لغازات الاحتباس الحراري قصيرة الأجل مثل الميثان. قد يبدو أنَّ هناك الكثير من الحسابات الرياضية، لكنَّ الأمر ليس كذلك. على أي حال، تقوم الشركات بهذه الحسابات، لكنَّ بيترز، وكين، ومؤلفي الدراسة الآخرين يقولون، إنَّه باختيارهم استخدام مضاعف "إمكانية الاحترار العالمي" لمدة 100 عام فقط؛ فإنَّهم يقللون من شأن الضرر الحقيقي الذي يحدثه الميثان.
إنَّ استخدام المضاعفات المناسبة سيساعد أيضاً على تعزيز قوة خفض انبعاثات الميثان؛ إذ سيتحلل معظم غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي اليوم في غضون 20 عاماً، ويتوقف عن تسخين الأرض. وهذا يعني أنَّ خفض الانبعاثات له نفس تأثير إزالة ثاني أكسيد الكربون مادياً من الهواء، فهو لن يبطئ الاحترار فحسب؛ بل سيجعل الكوكب أكثر برودة خلال حياتنا.